(محاضرة القاها في الكويت)
رابعاً: المدرسة الثانوية
كل المتطلبات التي ذكرت سابقاً في ثانياً وثالثا تنطبق على المدرسة الثانوية. إضافة إلى ذلك هناك متطلبات يجب أن تتوافر في التعليم الثانوي إن أريد له أن يقوم بوظيفته الثقافية.
1 - إضافة لأهداف وغايات التعليم الثانوي التي تضعها وزارات التربية يجب السماح لكل مدرسة ثانوية بوضع أهداف خاصة بها. وذلك كاستجابة لحاجات البيئة المحلية التي تتواجد فيها المدرسة من مثل الخدمات التطوعية أو إعطاء أولوية لمواجهة جانب ثقافي سلبي تتميز به تلك البيئة المحلية.
2 - في اعتقادي أن نظام التعليم في المدرسة الثانوية يجب أن يكون بحسب نظام المقرّرات الذي يسمح بوجود حد أدنى وحد أعلى لعدد ساعات المقررات التي يأخذها الطالب في كل فصل دراسي، وذلك بحسب قدراته وظروف حياته.
كما أن نظام المقررات يعطي أوزاناً مختلفة للمواد الدراسية وذلك بحسب عدد ساعات تدريسها في الأسبوع. فالمقرر الذي لا يزيد على ساعتين في الأسبوع هو ثلث مقرر يدرس لمدة ست ساعات في الأسبوع.
3 - إن التقييم النهائي لخريج الثانوية يجب أن يكون حصيلة تقييماته طيلة السنوات الدراسية الثلاث، إضافة إلى امتحان نهائي معقول يركز على الأساسيات وليس على التفاصيل والجزئيات ويمثل نسبة صغيرة من التقييم النهائي. إن النظام السابق الذي كان يحكم على الطالب من خلال امتحان نهائي واحد يتجاهل جهد ثلاث السنوات والظروف النفسية والعائلية التي قد تؤثّر على الطالب بين الحين والآخر، بما فيها حدوثها أثناء الامتحانات النهائية.
4 - شخصيّاً لا أؤمن بوجود مسارات تخصصية أثناء التعليم الثانوي، لكن إذا كانت الحكومات مصرة على ذلك، لقلّة الإمكانيات المادية وللاستجابة لحاجات سوق العمل ولجعل التعليم الجامعي متوافراً لنسبة معينة من خرّيجي الثانويات، ففي هذه الحالة من الضروري وجود منهج عام مشترك يدرسه جميع الطلبة، بحيث يشمل اللغة الأم، ولغة ثانية، ومواد الدراسات الاجتماعية والتاريخية والأدبية والفنيّة، وإيبستمولوجيا المعرفة، والرياضيات وأساسيات العلوم الطبيعية والكيميائية والبيولوجية. وكتتمة لمثل تلك الثقافة الأكاديمية المعرفية هناك حاجة إلى منهج مشترك في التربية الصحية والاجتماعية والشخصية.
فالتربية الشخصية ستركز على تنمية الفرد الإنسانية من نمو عاطفي ناضج متوازن، وبناء للثقة في النفس، وطرق التواصل الصحي مع الأهل والآخرين، وممارسة ناضجه للدّين، وأساليب حل المسائل الحياتية الشخصية اليومية، والاستقلالية المتوازنة في الشخصية الفردية.
والتربية الاجتماعية ستشمل حقوق الإنسان ومسئولياته الاجتماعية، وتدبير شئون البيت، والقدرة على مقاومة مغريات وسلبيات الثقافة العولمية والفهم الصحيح للحياة المدنية.
والتربية الصحية ستركز على ممارسة العادات الصحية وتجنّب الممارسات والعادات المضرة بصحة الفرد والجماعة.
إن ذلك المنهج المعرفي والثقافي المشترك يحتاج إليه كل طالب، سواء أكان سيذهب إلى الجامعة ليتخصص أم أنه سيلتحق بسوق العمل وعلى الأخص سيحتاج إليه لكي يعيش مستقلاً كمواطن صالح مسئول وكفرد في عائلة أو جماعة.
5 - من الضروري أن يشمل منهج التعليم الثانوي إعداد الطالب لمتطلبات عصر العولمة، مقاومة السلبي منها والانخراط في الإيجابي.
ففي عصر تفجر وسائل تكنولوجيا المعلومات والتواصل سيحتاج الطالب إلى أن يكون جزءاً من هذا العصر. وبالطبع هناك المئات من الجوانب المتعلقة بهذا الموضوع والتي لا يمكن الدخول في تفاصيلها.
إن التهيئة للعصر العولمي تتطلب التركيز على الآتي:
أ - التركيز على الأساسيات التجريدية، أي إعداد قوى عمل مستقبلية، تعرف كيف تجمع معلومات لتستعملها في حل مسائل بالغة التعقيد وسريعة التغير.
ب - إتقان النظر للمشاكل نظرة شمولية، ما يستدعي استعمال عدة حقول معرفية في آن واحد.
ج - القدرة على تحليل المعلومات وتكييفها لتتلاءم مع متطلبات التطبيق في الواقع.
د - التعوُد على العمل كفريق مع الآخرين.
هـ - التعود على التعلم الذاتي والمستمر بسبب التغيرات السريعة في المعرفة والتكنولوجيا ونظم الإدارة.
من هنا يمكن القول إن الإنسان الحديث يحتاج إلى أن يكون تعليمه مكوناً من ثلاثة أجزاء: جزء يتعلق به كفرد، وجزء يهيئه كمواطن، وجزء يهيئه كإنسان عالمي.
خامساً - التعليم العالي
هذا موضوع كبير ومتشعب. والتعليم العالي في بلاد العرب يحتاج إلى إصلاحات جذرية كبرى لا يسمح الوقت بذكرها. لكن ما يهمنا هو إبراز المتطلبات التي يجب أن تتوافر ليقوم التعليم العالي بوظيفته الثقافية.
ذلك أن الحديث عن ضرورة قيام المؤسسات التعليمية بمراجعة التراث، تحليلاً ونقداً وتركيباً وتجاوزاً، وبتجديد الثقافة العربية إبداعاً ذاتيّاً وتفاعلاً نديّاً مع ثقافات الغير ودخولاً في معارك كبرى مع التخلُّف والمتخلفين، هذا الحديث يصدق أكثر ما يصدق في ساحة التعليم العالي.
سيقدم لكل ذلك في ساحة التعليم الابتدائي، كسلوكيات وقيم وتعويد على الحوار، وفي ساحة التعليم الثانوي، كطرح أسئلة وبناء استقلالية فكرية، لكنه عندما يصل إلى ساحة التعليم العالي سيحتاج إلى محاولة تقديم حلول وبدائل بصراحة وشجاعة. من أجل ذلك لابد من توافر الآتي:
1 - إخراج مؤسسة التعليم العالي من قبضة الدولة لوحدها إلى مسئولية المجتمع كله: سلطة الحكم ومؤسسات المجتمع المدني. وهذا سيعني استقلالية الجامعة لتدار بواسطة مجلس أمناء لا يخضع إلاً لضميره وحكمته وعلمه. وهذا بدوره سيعني حرية أكاديمية التي بدونها لا يمكن الحديث عن منهجيات نقد او تجديد في ساحة الثقافة المليئة بالحساسيات والاختلافات.
ولا يمكن أن توجد استقلالية وحرية اكاديمية إلا إذا كان تمويل ذلك التعليم تمويلاً مجتمعيّاً من منافذ ومستويات متعددة ومستقلة عن بعضها بعضاً.
2 - أن تمارس الجامعة ليس فقط مهمة إعداد الاختصاصيين والمهنيين في مختلف الحقول، وإنما أيضاً إعداد الانسان المواطن المثقف الملتزم المتطلع إلى المستويات الإنسانية الأسمى والأعلى، والممارس لملكات التحليل والنقد والشك والاستقلالية الفكرية المبدعة، والمستعد لتحمل مخاطر التمرد الإيجابي في الفكر والسلوك والنضال من أجل المصالح العامة.
3 - هذا المتطلب يقودنا إلى موضوع حصة ومكانة الدراسات الإنسانية في مناهج كل التخصصات الجامعية. إذ هناك أكوام هائلة من الكتابات التي تدعو إلى ضرورة وجود منهج مشترك في الدراسات الإنسانية، يلزم كل طالب جامعي باجتيازه. وهو منهج يشمل فيه ما يشمل التاريخ والعلوم الاجتماعية والفلسفة واللُسانيات والأدب والفنون ومنهجية العلوم الطبيعية والبيولوجية. هذا المنهج هو الذي سيتكفل بقيام الجامعة بمهمتها الثقافية.
4 - ومثلما تحدثنا عن أهمية الأجواء والممارسة الديمقراطية في إدارة المدارس، فإن ذلك المطلب ينطبق على أجواء وإدارة الجامعة.
5 - وأخيراً فان جامعة لا تقوم هيئتها التعليمية ولايقوم جسمها الطلابي بدراسات وبحوث إبداعية، غير اجترارية نقلية، ومرتبطة أشد الارتباط بواقع وقضايا ومشاكل المجتمعات العربية... إن جامعة لا تفعل ذلك لا يحقُّ لها أن تتكلم عن دور تجديدي في ثقافة الأمة.
ولا يمكن القيام بمثل تلك البحوث إلا في أجواء الحرية الأكاديمية، التي بدورها تحتاج إلى وجود جامعة مستقلة عن التأثيرات الخارجية المسيطرة على أهدافها ونشاطاتها.
خاتمة... دعنا نكون صريحين وصادقين مع النفس. إن قيام مؤسسات التعليم بتلك المهمات الثقافية، بتلك المستويات والمنهجيات التي ذكرنا، سيكون مستحيلاً أو مشوهاً ما لم توجد إرادة سياسية نابعة من مجتمع ديمقراطي. إن الحكم الاستبدادي القمعي لا يمكن أن يسمح بوجود هكذا مدرسة أو هكذا جامعة.
قدر العرب أنهم لن يستطيعوا حل أية إشكالية في حياتهم الحالية المتخلّفة إلا إذا حلُّوا إشكالية النظام السياسي الذي يدير شئونهم الحياتية.
هذا ما قاله المفكرون والدُّعاة والمناضلون العرب منذ منتصف القرن التاسع عشر، وهذا ما صرخت به حناجر الملايين في الخمس سنوات الماضية، وسنكون مخطئين لو تجاهلنا كل ذلك.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 4981 - الثلثاء 26 أبريل 2016م الموافق 19 رجب 1437هـ
صباح الخير
و ما نيل المطالب بالتمني .كنت مثابر منالتسعينات لتغير طريقه التعليم ولكنك تصطدم بالواقع وتضل تدور وتدور ولا تسمي الاشياء بمسميا تها ,والمثل يقول لابد من تغير اسلوب التعامل اذا كان المتلقي لايسمع ولا يريد ان يسمع ,الواقع يتطلب منا التغير ان كن نريد التغير ,طريق الحق واضح ولا تستوحش الطريق لقلة سالكيه ولطالما كن ننظر اليك كقدوة للشباب ومازلت ,والواقع لا يحتاج تنظير لان لايوجد ارضيه تسمح بالتغير ,ودمة سالما دكتور
مثل بولندي: من يتحدث جيدا يعمل سيئا.
عادت الرسالة الى كاتبها
مهما كتب وقيل مالم تصل الرسالة وبشكل واضح وصريح دون تلميح إلى متخذ القرار ستعود إلى كاتبها دون زيادة أو نقصان ويبقى الكلام لأسماء أنفسنا وملء أوقات فراقنا وحلما من أحلامنا. وعلى كل حال الكلمة ولا السكوت