تأتي زيارة عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة لجمهورية مصر العربية في إطار تعزيز وتدعيم العلاقات الثنائية بين البلدين ودفعها إلى الأمام والتي رسخها وأقام بنيانها على مدى التاريخ قادة البلدين والترابط القوي بين الشعبين الشقيقين...
كما تأتي الزيارة الكريمة كخطوة مهمة في الإطار الصحيح لتعزيز التضامن العربي في مواجهة التحديات التي تواجهها الأمة العربية حاليًّا.
إن العلاقات بين مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية تتسم على الدوام بأنها علاقات متميزة تقوم على التواصل والمحبة والتعاون المشترك بين البلدين ما جعلها نموذجًا يحتذى به في العلاقات العربية من جهة تنسيق المواقف وتطابق الرؤى في التعامل مع القضايا العربية والإقليمية والدولية. وهي تتجه بشكل اطرادي تصاعدي متميز على مدار التاريخ دون أن تشوبها أية شائبة، ويعمل جلالة الملك وأخوه الرئيس عبدالفتاح السيسي على توثيق أواصر هذه العلاقات خدمة للشعبين الشقيقين البحريني والمصري.
والحديث عن العلاقات البحرينية المصرية هو حديث عن ماض وحاضر ومستقبل يربط بينها جميعًا روابط متينة من الود والمحبة والتآلف، فلم تبدأ هذه العلاقات فقط مع بدء التمثيل الدبلوماسي الرسمي بين البلدين، بل ترجع جذورها إلى مرحلة تاريخية عميقة من خلال الترابط التاريخي بين حضارة دلمون والحضارة الفرعونية القديمة. ثم تواصلت خلال فترة الخلافة الإسلامية حيث ضمت الدولة الإسلامية أبناء البحرين ومصر، وفي العصر الحديث كانت مصر من أول الدول التي اعترفت باستقلال البحرين ودعمت قضيتها إزاء المطالبات الإيرانية غير المشروعة. ولن ينسى التاريخ تفاعل شعب البحرين مع ثورة (23 يوليو/ تموز 1952) وقراراتها الكبرى، كما شهدت مدن البحرين مظاهرات حاشدة تضامنا مع الشعب المصري في مواجهة العدوان الثلاثي العام 1956، ومواقف التأييد والمساندة التي صاحبت بناء السد العالي، وتجاوب البحرينيين مع حملة التبرعات لصالح المجهود الحربي بعد نكسة العام 196. واشتراك مملكة البحرين في حرب 1973 بالدعم العسكري والمادي وقطع النفط.
وشهدت العلاقات مع تولي جلالة الملك الأمانة تطورًا هائلاً، انطلاقا من رؤية جلالته لمصر باعتبارها بيت العرب والعمق الاستراتيجي للعالم العربي، ورؤية مصر لمملكة البحرين باعتبارها البوابة الأمنية الشرقية للعالم العربي، وأن حماية الاستقرار بها هو هدف استراتيجي لا حياد عنه حماية للأمة كلها.
وتعتمد العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين على ثلاثة محاور رئيسية، هي: التعاون الوثيق بين القيادتين على مر العصور، وتأكيد البلدين دعمهما ومساندتهما كليهما للآخر في مواجهة مختلف التحديات، والتعاون المشترك في شتى المجالات.
وتمثل الزيارات المتعددة والمتبادلة بين قيادتي ومسئولي البلدين، محوراً مهمّاً في مجال تعزيز العلاقات الثنائية على الصعد كافة، حيث تظهر هذه الزيارات مدى روح الود والتفاهم بين البلدين الشقيقين.
ويحرص جلالة الملك على زيارة مصر، حيث بلغت زياراته أكثر من 23 زيارة منها ثلاث مرات خلال العام 2015 فقط. كما يحرص الجانب المصري على زيارة البحرين، وزار كل رؤساء مصر مملكة البحرين تأكيدًا لأهميتها بالنسبة لمصر وتدعيما لأواصر التعاون بين البلدين وكانت أحدث هذه الزيارات الزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في (أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي) والتي أعطت دفعة قوية للمزيد من الارتقاء بالعلاقات بين مملكة البحرين ومصر على كافة المستويات.
وعلى الصعيد السياسي تمثل مملكة البحرين بعدا استراتيجيا كبيرا لمصر، فأمن مصر شرقا يبدأ من الخليج العربي، وعليه كانت دوما تصريحات المسئولين والقادة في مصر تؤكد أن أمن البحرين هو خط أحمر لأمن مصر القومي، كما أن مصر تمثل أيضًا عمقًا استراتيجيًّا لدول الخليج وبصفة خاصة البحرين. كما تتوحد رؤية البلدين إزاء العديد من قضايا المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية من خلال دعم كفاح الشعب الفلسطيني المشروع في إقامة دولته المستقلة، كما يعمل البلدان على استعادة الشرعية في اليمن من خلال المشاركة جنبًا إلى جنب في عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل، كما يسعى البلدان لحل سياسي للأزمة السورية والحفاظ على سيادة العراق واستقلاله السياسي وعروبته ووحدة وسلامة أراضيه، ومطالبة إيران بضرورة الكف والتوقف عن التدخل في الشئون الداخلية العربية.
وعلى الصعيد الأمني يتعاون البلدان على المستوى الثنائي والإقليمي والدولي في مكافحة الإرهاب ويؤكدان الخطر الداهم الذي تمثله ظاهرة الإرهاب على الأمن والاستقرار في المنطقة في ظل تنامي التنظيمات الإرهابية وأهمية تكثيف التعاون والجهود على المستوى الثنائي والإقليمي والدولي لمواجهة خطر هذه التنظيمات وتجفيف منابع تمويلها.
وتربط بين البلدين مذكرة تفاهم بشأن التعاون والتنسيق الأمني يرجع تاريخها إلى العام 2006. ويتبادلان الخبرات الأمنية والزيارات والتشاور لمزيد من التنسيق والتشاور في هذا الإطار وتدعم جمهورية مصر العربية الإجراءات التي تقوم بها مملكة البحرين في حماية أمنها واستقرارها ومكافحة الإرهاب والعنف والتطرف والمحرضين عليه وتقديم كل الدعم لتحقيق ذلك.
وتقف مملكة البحرين ملكاً وحكومةً وشعباً، جنباً إلى جنب مع جمهورية مصر العربية، وتساندها في جميع المحافل الإقليمية والدولية، حتى تعبر بسلام المرحلة الدقيقة التي تمر بها، بحكمة قيادتها وحكومتها، وبإرادة شعبها العظيم، ترسيخاً للأمن والاستقرار وتحقيقاً للطموحات إلى مستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً، وحتى تستعيد جمهورية مصر العربية دورها العربي والإقليمي الريادي في الدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية.
كما تشهد العلاقات العسكرية بين مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية تطورًا كبيرًا ولعل من الدلائل على ذلك قيام القوات البحرينية والمصرية لأول مرة بتنفيذ مناورة بحرية - جوية مشتركة في (إبريل من العام الماضي)، كما نفذت عناصر من سلاح الجو الملكي البحريني والقوات الجوية المصرية بالتعاون مع 9 دول عربية وأجنبية التدريب الجوي المشترك "الربط الأساسي 2014" والذي يأتي في إطار التنسيق والتعاون المشترك مع الدول الشقيقة والصديقة لتوحيد الرؤى والعمل المشترك في العديد من المجالات للحفاظ على الأمن والاستقرار بالمنطقة.
وفيما يتعلق بتفعيل علاقات التعاون الإعلامي بين البلدين، فقد تم التوقيع على البرنامج التنفيذي للتعاون بين وزارة الإعلام في مملكة البحرين ونظيرتها المصرية للفترة من 2009 - 2011، بهدف تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الإعلام الخارجي، الإذاعة والتليفزيون، التدريب والتأهيل الإعلامي وتبادل الخبرات والمعلومات إلى جانب تشكيل لجنة إعلامية مشتركة، فضلا عن تنشيط بروتوكول التعاون الإعلامي في مجال الإعلام الداخلي والتنمية المجتمعية، وهناك تعاون إعلامي بارز بين المؤسسات الإعلامية البحرينية الرسمية والخاصة مع وسائل الإعلام المصرية بما يخدم ويحقق تطلعات الشعبين.
وعلى الجانب الاقتصادي يتخذ التعاون بين مصر والبحرين أشكالاً متعددة ومتنوعة تشمل تقريباً جميع أوجه النشاطات التجارية والاستثمارية والتنموية والسياحية وتشهد حركة التبادل التجاري بين البلدين نموًّا متزايدًا، حيث بلغ حجم التجارة البينية بين مصر والبحرين أكثر من 100 مليون دولار، وبلغت الصادرات المصرية للبحرين 18 مليون دولار منها المواد الغذائية والملابس والأدوات الصحية والسيراميك وأجهزة التكييف واشتملت الواردات البحرينية إلى مصر على منتجات الألمنيوم والبتروكيماويات والأنابيب والمواسير الصلبة. كما ارتفعت قيمة الاستثمارات البحرينية في مصر إلى ما يزيد على 1.7 مليار دولار، ومازالت الجهود مستمرة على الجانبين لزيادة تلك الأرقام بما يتماشى مع مستوى العلاقات بين البلدين الشقيقين.
كما تسعى مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية إلى تشجيع القطاعات الخاصة للاستثمار السياحي المتبادل وعلى هذا الصعيد وقعت البلدان اتفاق برنامج تنفيذي للتعاون في مجال السياحة، والعمل على تشجيع أصحاب الأعمال والمستثمرين في القطاع السياحي الخاص في كلا البلدين لإقامة مشروعات سياحية مشتركة في مناطق التنمية السياحية الجديدة بما في ذلك المشاركة في مشروعات البنية الأساسية.
وقد وافق جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة على تخصيص قطعة أرض لإنشاء مركز تجاري مصري دائم بالبحرين خلال مقابلته وزير الخارجية في (ديسمبر/ كانون الثاني 2009).
ومثلت اللجنة المشتركة البحرينية المصرية والتي تشكلت منذ العام 1992 قمة أشكال التنسيق والتعاون بين البلدين، وقد تطورت أعمال اللجنة بدعم من جلالة الملك المفدى، حيث وجه جلالته إلى تفعيل دورها في جميع المجالات. حيث تم إنشاء آلية جديدة داخل اللجنة في (ديسمبر 2004) على مستوى مدير الإدارة العربية بوزارة الخارجية البحرينية والسفير المصري بالبحرين وتجتمع دوريًّا كل ثلاثة أشهر لمتابعة تنفيذ الاتفاقيات وتوصيات اللجنة المشتركة وذلك لتفعيل هذه الاتفاقيات.
وقد أنجزت اللجنة المشتركة العديد من الاتفاقات التي تصب في مصلحة الشعبين الكريمين. وتسعى البلدان لاستعادة اجتماعات اللجنة بعد فترة توقف نظرًا إلى الظروف التي مرت بها مصر. وهناك أيضًا مجلس أصحاب الأعمال البحريني - المصري الذي تأسس في (ديسمبر 1999) ويعمل على دفع التعاون بين القطاع الخاص في كلا الجانبين في المجال الاقتصادي.
وترتبط البلدان باتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم تشمل مختلف المجالات فهناك 9 اتفاقيات تعاون تشمل الإعلام والثقافة والعمل والمجالات العلمية والتكنولوجية والقانونية والتجارية وتشجيع وحماية الاستثمار ومجال النقل الجوي، وهناك 14 مذكرة تفاهم تشمل مجالات المرأة والرياضة المصارف المركزية وحماية البيئة والحياة الفطرية والنفط والغاز والتعاون والتنسيق الأمني والطيران المدني والمجال القانوني والقضائي والتخطيط العمراني والإسكان والمرافق والمجال الصحي والسياحة والزراعة وسوق الأوراق المالية (البورصة). وأيضًا ترتبط البحرين ومصر بـ 6 برامج تنفيذية للتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والإعلامية والثقافية والسياحية والزراعية والقضائية والبيئية
وفي مجال المرأة لعل من الشواهد الحية على عمق العلاقات ذلك التعاون الوثيق بين المجلس الأعلى للمرأة في البحرين والمجلس القومي للمرأة في مصر، والذي توج بتوقيع مذكرة تفاهم بين الجانبين العام 2008، كما شاركت قرينة ملك البحرين صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة بصفتها رئيس المجلس الأعلى للمرأة في العديد من المؤتمرات التي عقدت بمصر ومن بينها المؤتمر الاستثنائي لقمة المرأة العربية في (نوفمبر/ تشرين الثاني2001)، والمؤتمر الدولي الذي عقد بمدينة شرم الشيخ (سبتمبر/ أيلول 2002) تحت عنوان المرأة من أجل السلام، ومنتدى الأقصر الدولي لمناهضة الاتجار بالبشر "أوقفوا الاتجار بالبشر الآن: تطبيق بروتوكول الأمم المتحدة" في (سبتمبر 2010)، وخلال هذه المشاركات عقدت الشيخة سبيكة عدة لقاءات مع المسئولين بالمجلس القومي للمرأة في مصر.
وعلى المستوى الشعبي لا يشعر أي من مواطني الشعبين أنه غريب عندما يزور أو يقيم في البلد الآخر، فهناك علاقات مصاهرة وصداقة وتواد بين الشعبين الشقيقين، ولا يجد الزوار البحرينيون سواء من طلبة العلم أو السياحة أو غيرها في مصر إلا مشاعر الحب والمودة من الشعب المصري، كما يحيا المصريون العاملون في البحرين والذين بلغ تعدادهم أكثر من 20 ألفاً وكأنهم بين أهليهم ولا يشعرون أبدًا بأنهم غرباء عن شعب مملكة البحرين. وستظل مشاعر المحبة المترسخة في قلوب الشعبين الشقيقين على الدوام إن شاء الله ما بقيت العروبة وبقيت البحرين وبقيت مصر.