جاءت ورقة الباحث التاريخي الدكتور سالم النويدري في المنتدى الثقافي الذي أقيم على هامش معرض «الوسط» للكتب المستخدمة في نسخته الرابعة بشأن (تاريخ البحرين وجهود المؤلفين الروّاد) مع تعقيب نافع للشاعر علي عبدالله خليفة مساء الجمعة (22 أبريل/ نيسان 2016). وتتسم أبحاث النويدري بالكثير من الرصانة والموضوعية، وتتميز نظرته للقضايا التي يعالجها بأفق إنساني رحب قلما تجده عند باحثي اليوم.
مجال التاريخ، ككل الميادين في الحياة تقريباً، يدخل بوابته كثيرون، لكن القليل من يبرع في دراسة قضاياه الشائكة دون السقوط في فخ «التسطيح» ومثلب «الانتقائية» ومطبات «الفئوية» الضيقة.
توقف النويدري في ورقته العلمية تلك عند خمس شخصيات اعتبرها رائدة الكتابة التاريخية في تاريخ البحرين المعاصر، وهي: محمد علي العصفور (ت 1365هـ/ 1945م) في كتابه (الذخائر في جغرافيا البنادر والجزائر) الذي انتهى من تصنيفه العام (1319هـ/1901م)، ومحمد بن خليفة النبهاني (ت 1369هـ/ 1950) في كتابه (التحفة النبهانية) المصنف العام (1332هـ/ 1913م).
وناصر بن جوهر الخيري (ت 1344هـ/ 1925م) في كتابه المطبوع (قلائد النحرين في تاريخ البحرين) وتاريخ التبييض 1342هـ/ 1923م. وراشد بن فاضل البنعلي (ت 1379هـ/ 1960م) في كتابه (مجموع الفضائل في فن النسب وتاريخ القبائل)، ومحمد علي التاجر (ت 1387هـ/ 1967م) في كتابه (عقد اللآل في تاريخ أوال) وجميع هذه الكتب مطبوعة.
وحول كتاب (الذخائر في جغرافيا البنادر والجزائر) للعصفور قال إن وصفه للحدث كان مستوعباً لأبرز ملامحه من حيث تحديد الزمان والمكان، وإعطاء صورة عن الخلفيات الثقافية للشخوص. ويلاحظ في هذا السرد التاريخي أيضًا تأثره بالعاطفة ذات البعد المذهبي سلباً أو إيجاباً بحسب انتماء المؤلف العقدي، ويلاحظ على النص آثار العجمة، فقد نشأ المؤلف في رحاب بلاد فارس، وإن كان من أرومة عربية أصيلة ـ تنمى إلى (بني عامر).
أما فيما يتعلق بـ (التحفة النبهانية) للنبهاني قال: «نلاحظ أن هدف المؤلف: «وضع كتاب يستوعب تاريخ المنطقة الخليجية عامة»، وكانت دوافعه إلى تحقيق ذلك الهدف العلمي: شيوع الجهل بتاريخ عامة الإمارات العربية بالخليج وبتاريخ البحرين - على وجه الخصوص - كان مطبقًا، وغيرته على التراث الحضاري لهذه البلاد، وتشجيع أهل الفضل والنفوذ في البحرين كان محفزاً له على تأليف كتاب في تاريخ البحرين والإمارات العربية الأخرى، من هنا كان التركيز في هذه الخطة على تاريخ الحكام من آل خليفة، فأهل الفضل والمعرفة فيهم كانوا السند له في مهمته التاريخية ماديّاً ومعنويّاً.
ومن الملاحظات التي قدمها النويدري على الكتاب خلوه من النقد التاريخي إلا ما يتعلق باسم المكان الذي عبر منه (العلاء بن الحضرمي) في حرب المرتدين مرجحاً أنه البحرين وليس (دارين) كما هو شائع لدى المؤرخين، بينما كثرت الانتقادات التاريخية - يؤكد النويدري - التي وجهت إلى متبنياته التاريخية التي يكاد ينفرد بها، منها: ما يتعلق بـ (قبر النبي صالح) أو (النبيه صالح)، وبناء (مسجد الخميس) وغيرها.
ومن حيث المصادر فإن (التحفة) تخلو من ذكر مصادر الكتب، ورغم أن النبهاني ذكر في المقدمة أنه اطلع على أوراق تاريخية مبعثرة في (سجلات دار الإمارة المخزونة في دار الأسفار) بالبحرين ظاهراً، وعدها من مصادره، لكن لم نجد له إحالة عليها في متن الكتاب.
كما كان اعتماده على الروايات الشفوية وبخاصة في التاريخ الخليفي على شخصين أحدهما الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة (ت 1933م)، والآخر من وجهاء البحرين الشيخ عبدالله بن سعد بن شملان (ت 1917م).
وبشأن تجربة الخيري في كتابه (قلائد النحرين في تاريخ البحرين) قال إن ما يميز عمل الخيري وضع جغرافية البحرين الكبرى كمدخل لتاريخ هذه الفترة، ثم وضع جغرافية جزائر البحرين الحالية كمدخل لتاريخها.
وقد تضمن نص الخيري فوائد منها إشارته للابتهاج الذي غمر شعب البحرين يوم تحريرها من ربقة الهيمنة البرتغالية، كما نعت البرتغاليين بـ (أرجاس الكفرة) ووصف التحرير بـ (التطهير) له دلالة ذات طابع عقدي في نظرته إلى أهل الديانات الأخرى. وامتدح النويدري تحرر الخيري من الروح الطائفية السائدة بين مؤرخي عصره وما سبق من العصور، وذلك ما اتضح من خلال إطلاق الأوصاف على العلماء والمساجد.
المحطة الرابعة كانت مع تجربة البنعلي في كتابه (مجموع الفضائل في فن النسب وتاريخ القبائل) وقال إن هدف الكتاب هو تحقيق رغبة عشيرته في تدوين نسب قبيلتهم (بني سُليم) والحديث عن مفاخرها وأمجادها حرباً وسلماً، وتدوين نبذ من تاريخ الإمارات الخليجية في عصره - ومنها البحرين - جاء لبيان طبيعة العلاقات بين جماعته (آل بن علي) وبين حكومات تلك الإمارات في الظروف السياسية المتباينة يومئذ، لكنه إلى جانب هذا دوّن نبذة من تاريخ البحرين الحديث تحت عنوان (المقصد الثالث) تصلح أن تكون بمفردها كتاباً مستقلاً في تاريخنا المحلي الحديث.
المحطة الأخيرة كانت مع كتاب (عقد اللآل في تاريخ أوال) للتاجر، وقال النويدري إن غرض المؤلف كان «الاستجابة للواجب الوطني بتعريف جيله بـ «تاريخ جزائر البحرين بحدودها الحاضرة». وكان من دواعي ذلك ندرة وجود المصادر المعتبرة في نظره، وإن وجدت فقد اعتراها «الخلط والخبط» كما يعبّر. وأشار إلى أن الكتاب غطى معظم أحداث تاريخ البحرين الحديث إلى عصر الشيخ حمد بن عيسى.
وقد اعتمد التاجر على المصادر القديمة والمراجع الحديثة إضافة لجهود من سبقه في مضمار التأليف وهم ثلاثة: شقيقه الشيخ سلمان التاجر في (شذراته التاريخية المتفرقة)، والنبهاني في كتابه (التحفة النبهانية)، وناصر الخيري في كتابه (قلائد النحرين).
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 4980 - الإثنين 25 أبريل 2016م الموافق 18 رجب 1437هـ
أشكرك أخي الكاتب..
أشكرك أخي الكاتب وسام،وأنا أدعوك لمواصلة الإهتمام بالتاريخ،ويبدو لي أنك تستطيع أنت كذلك أن تدوّن في هذا المجال..
تحياتي لك وللبحاثة المحترم (سالم النويدري)..
لا يوجد كتاب واحد محايد في تاريخ المنطقة الكل يغني على ليلاه ...
وهذه وظيفة الباحث التاريخي الاساسية: فرز الغث من السمين للوصول الى اعلى قدر من الضبط لحقائق الماضي قدر الامكان
أسأل الله ان أوفق لقراءة بعض هذه الكتب