العدد 4979 - الأحد 24 أبريل 2016م الموافق 17 رجب 1437هـ

مفاوضات المناخ: من أجل مستقبل مستدام

نيويورك – إذاعة الأمم المتحدة 

تحديث: 12 مايو 2017

في عام 1979، عقد أول مؤتمر عالمي بشأن المناخ.. وفي عام 1992، انضمت البلدان إلى معاهدة دولية، هي اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، للنظر في ما يمكن القيام به للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية وما ينجم عن ذلك من تغير في المناخ والتصدي لآثاره.

وبحلول عام 1995، أدركت الدول أن الأحكام المتعلقة بخفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري في الاتفاقية ليست كافية. ونتيجة لذلك، بدأت المفاوضات لتعزيز التصدي العالمي لتغير المناخ، وفي عام 1997، اعتمد بروتوكول كيوتو، وبدأت فترة الالتزام الأولى للبروتوكول في عام 2008 وانتهت في عام 2012. وبدأت فترة الالتزام الثانية في عام 2013 وستنتهي في عام 2020. ومن هنا كانت الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق جديد للمناخ.

 

اتفاق دولي جديد وطموح حول المناخ

في الثاني عشر من كانون الأول ديسمبر عام 2015 وبعد أسبوعين من المناقشات اعتمد مؤتمر الأطراف الحادي والعشرون الذي عقد بباريس اتفاقا جديدا تضمن الحد من ارتفاع درجات الحرارة بحلول عام 2050 إلى أقل من درجتين مئويتين مقارنة بمستويات ما قبل العصر الصناعي.

اتفاق وصفه مسؤولو الأمم المتحدة بالطموح والعادل والشامل ونقطة تحول حاسمة في رحلة الحد من مخاطر التغير المناخي.

مع اعتماد 195 طرفا في معاهدة الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ الاتفاق الجديد، قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن التاريخ قد صنع في باريس، مشيرا إلى أن ذلك الاتفاق يمثل نقطة تحول حاسمة في رحلة الحد من مخاطر التغير المناخي، ويهيئ المجال لإحراز تقدم للقضاء على الفقر وتعزيز السلم وضمان حياة من الكرامة والفرص للجميع.

"لدينا نتائج قوية على مسار جميع النقاط الرئيسية. إن الاتفاق يجسد التضامن، إنه اتفاق طموح مرن ذو مصداقية ودائم. اتفقت جميع الدول على الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية دون درجتين مئويتين. وبالاعتراف بمخاطر العواقب الجسيمة وافقتم أيضا على السعي لجهود الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 مئوية. لقد استمعتم إلى أصوات الأكثر استضعافا، واعترفتم بأهمية الحد من الضرر والخسائر ومعالجة هذا الأمر الذي يكتسب أهمية خاصة للدول الأفريقية والدول الجزرية الصغيرة النامية والدول الأقل نموا.

 

كيف تغير المناخ؟

ظاهرة "تغير المناخ" تسببت بأضرار فادحة للإنسان ومخاطر بيئية شتى، فمع الثورة الصناعية التي شهدتها البشرية تم حرق مليارات الأطنان من الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة والتي أطلقت غازات تحبس الحرارة كثاني أكسيد الكربون وهي من أهم أسباب تغير المناخ. وتلك الغازات أدت إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب وخلفت عواقب أثرت على عدة قضايا بما فيها الفقر، والتنمية الاقتصادية، والنمو السكاني، والتنمية المستدامة وإدارة الموارد.

ووفقا لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث بعنوان " التكلفة البشرية للكوارث التي لها علاقة بالطقس"، فإن تسعين في المائة من الكوارث الكبرى على مدى السنوات العشرين الماضية نجمت عن أكثر من ستة آلاف حالة من الفيضانات والعواصف وموجات الحر والجفاف وغيرها من الأحداث المتعلقة بالطقس.

وقالت ديباراتي جوها سابير، مديرة مركز بحوث أوبئة الكوارث في جامعة لوفان في بلجيكا:

"الكثير من الكوارث المتصلة بالمناخ تتمثل أساسا في الفيضانات والجفاف. وهذا ما يفسر ثلثي الكوارث المناخية. في الواقع، المتضررون من ظواهر مثل الفيضانات والجفاف كثيرون جدا لأن الفيضانات غالبا ما تحدث في السهول. وعندما تحدث الفيضانات في الأنهار الكبيرة ، كما هو الحال في آسيا، في الصين، يتأثر ملايين الناس وآلاف القرى."

ويوضح التقرير أنه منذ عام 1995، أدت الكوارث المرتبطة بالطقس إلى وفاة نحو ستمائة ألف شخص وإصابة أو تشريد حوالي أربعة مليارات تركوا بحاجة إلى مساعدة طارئة. كما أن الخسائر الناجمة عن الكوارث بما في ذلك الزلازل والتسونامي تراوحت ما بين 250 و300 مليار دولار سنويا.

 

تأثير تغير المناخ على الأطفال

يظهر أحدث تقرير لليونيسف بشأن تغير المناخ، أطلق في نوفمبر تشرين الثاني عام 2015، أن أكثر من نصف مليار طفل يعيشون في مناطق معرضة لحدوث الفيضانات وأن  160 مليونا يعيشون في المناطق شديدة الجفاف. نجمة البوب العالمية كاتي بيري، سفيرة النوايا الحسنة لليونيسف، سلطت الضوء على هذه الظاهرة، وقالت في نشرة جوية خاصة.

"مرحبا، أنا كاتي بيري. دعونا نفحص ونرى كيف أن تغير المناخ الذي هو من صنع الإنسان يضر بالأطفال في جميع أنحاء العالم. اليوم، نشهد طقسا أكثر تطرفا في كل مكان. وبما إنني فتاة من كاليفورنيا، أنا لست الوحيدة التي تعاني من هذا الجفاف. فوق المحيط الهادئ في الفلبين، شهدنا نشوء أنماط من الأعاصير المدارية أكثر تدميرا ، بينما إلى الغرب في بنغلاديش، فقد الملايين من الأطفال والأسر منازلهم نتيجة الفيضانات. لأن الأطفال دائما هم أول من يعاني من آثار تغير المناخ. وفي منطقة شرق أفريقيا، يساهم تغير المناخ في انتشار البعوض والملاريا بما يؤدي إلى مصرع 800 طفل كل يوم. وتوقعات الطقس هي أن الأوضاع ستزداد سوءا، لذلك، الرجاء انضموا لي في دعم اليونيسف لتغيير هذه التوقعات بالنسبة للأطفال. ساعدوا في مناصرة العدل".

تغير المناخ والمنطقة العربية

تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأكثر تضررا من أزمة التغيرات المناخية، حيث يقف الشرق الأوسط في الخطوط الأمامية للمواجهة مع تغير المناخ، رغم أن انبعاثات غازات الدفيئة بالمنطقة العربية لا تتجاوز 5% من انبعاثات الغازات في العالم، فإنها المتضرر الأكبر من هذه الظاهرة، والتي بدأت آثارها تظهر متمثلة في موجة السيول والفيضانات وغيرها.

وكان للدول العربية صوت في قمة تغير المناخ بباريس، حيث أكد الملك عبد الله الثاني، عاهل الأردن، أن كوكب الأرض مهدد بأسره بسبب تغير المناخ مشيرا إلى أن بلده يعاني من ظاهرة تغير المناخ:

"بلدي تعاني من تبعات تغير المناخ على عدة مستويات. فقد بات بلدنا ثاني أفقر دولة مائيا في العالم. كما أننا نستورد أكثر من تسعين في المائة من احتياجاتنا من الطاقة. ويأتي كل هذا مع سعينا الحثيث لتوفير فرص عمل خاصة للشباب الذين يشكلون أكثر من سبعين في المائة من السكان."

أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فتطرق إلى الدور الذي قامت به بلاده في الجولات التفاوضية حول المناخ اضطلاعا بمسؤولياتها في تمثيل القارة الأفريقية وتعبيرا عن وحدة الصف الأفريقي:

"أفريقيا هي الأقل إسهاما في إجمالي الانبعاثات الضارة والأكثر تضررا من تداعيات تغير المناخ، لذلك ينبغي أن تشمل أية تدابير للمرونة في الإنفاق الدول الأفريقية إلى جانب الدول الأقل نموا والدول النامية المكونة من جزر صغيرة. كما تطالب أفريقيا بالتوصل إلى اتفاق دولي عادل وواضح نلتزم به جميعا ويتأسس على التباين في الأعباء ما بين الدول المتقدمة والنامية، وفي إطار المسؤولية المشتركة لمواجهة التغيرات المناخية."

الرئيس العراقي، فؤاد معصوم أكد على أهمية أن تفي الدول المتقدمة بالتزاماتها بوصفها المسؤولة الأولى عن ظاهرة تغير المناخ:

"إن على الدول المتقدمة بوصفها المسؤولة الأولى عن ظاهرة تغيير المناخ أن تفي بالتزاماتها القانونية والإنسانية تجاه الدول النامية وهذه الالتزامات تشمل برامج التكيف والتمويل والاستثمار ونقل التكنولوجيا الصديقة للبيئة بشروط ميسرة فضلا عن توفير المشورة الفنية والدعم المطلوب."

كما شارك ممثلو الشعوب الأصلية في المؤتمر وهم من بين الأكثر تضررا نتيجة التغيرات المناخية ، وقد طالبوا بذكر حقوق شعوبهم في الاتفاق الختامي للمناخ بشكل واضح. كما يوضح الدكتور محمد حنادين، رئيس كونفدرالية الجمعيات الأمازيغية بجنوب المغرب وممثل اللجنة الأفريقية للسكان الأصليين بشمال أفريقيا:

"من الأهمية أن يكون مصطلح الشعوب الأصلية في الاتفاق نظرا لأنها تمتلك المعارف التقليدية للتكيف مع التغيرات المناخية، وستلاحظون بأن لدينا حوالي خمسمائة مليون من السكان الأصليين الذين يتواجدون في ستين بالمائة من المناطق والغابات التي تخفض من درجات الحرارة. لذلك فإن هذه المعارف التقليدية ستكون مهمة جدا وذات فائدة من أجل التكيف مع التغيرات المناخية. كما أن المجال الصحراوي الذي يتواجد فيه السكان الأصليون في الصحراء الكبرى وفي المناطق الآسيوية وغيرها، فإن هذه المعارف التقليدية ستكون مهمة لأنهم تمرسوا على التكيف مع التغيرات المناخية. كل هذا مهم من أجل حماية كوكبنا".

تغير المناخ وحقوق الإنسان

أما دعاة حقوق الإنسان، فقد طالبوا بإدماج مفاهيم هذه الحقوق في أبواب الاتفاق كافة، بما تتضمنه من "العدالة بين الأجناس".

فالآثار السلبية لتغير المناخ يتحملها بشكل غير متناسب، الأشخاص والمجتمعات المحلية الذين يعيشون في حالات حرمان بسبب الجغرافيا أو الفقر أو نوع الجنس أو السن أو الإعاقة أو الخلفية الثقافية وغيرها، والذين أسهموا تاريخيا بأقل نسبة في انبعاثات غازات الدفيئة.

وفي هذا الشأن، يقول كريغ مخيبر، رئيس قسم التنمية والقضايا الاقتصادية والاجتماعية لمكتب حقوق الإنسان:

"نحن نعرف نتيجة للأدلة، أن تغير المناخ يؤثر تأثيرا مباشرا على الحق في الصحة، وعلى الحق في المياه والصرف الصحي، والحق في السكن اللائق، حتى بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في الدول الجزرية الصغيرة، فضلا عن الحق في تقرير المصير. أين هو حقك في تقرير المصير عندما تكون مضطرا لتصبح مهاجرا بسبب المناخ وتترك وطنك وتجد نفسك لاجئا بسبب المناخ في مكان آخر. وبطبيعة الحال فإنه يمكن أن يؤثر مباشرة على الحق في الحياة، ونحن نعلم أن الآلاف قد فقدوا حقهم في الحياة، كنتيجة مباشرة لتغير المناخ".

مفاوضات صعبة وتوافق دولي

يانوس باستور مساعد الأمين العام المعني بالمناخ، قال إن الوصول إلى هذا الاتفاق العالمي لم يكن سهلا.

وأشار إلى عدم اعتراض أية دولة على هذا الاتفاق رغم أن بعض الدول أعربت عن أسفها لأنه لم يكن أكثر طموحا:

" لقد أنتج مؤتمر باريس إنجازا كبيرا. إن المحور هو الاتفاق الجديد، والأهم من هذا أن الدول جاءت مستعدة للعمل. قدمت مئة وثمان وثمانون دولة الآن خططها الوطنية المتعلقة بالمناخ والتي تسمى "المساهمة المعتزمة المحددة وطنيا"، والتي تظهر ما هي الأمور التي تستعد الدولة لعملها للحد من الانبعاثات وبناء المرونة تجاه المناخ."

ويغطي اتفاق باريس ونتائجه جميع المجالات الحيوية التي تم تحديدها بوصفها ضرورية للتوصل إلى نتيجة تاريخية، وهي التخفيف والتكيف والدعم بما في ذلك التمويل للدول لبناء مستقبل نظيف ومرن.

وبشأن التمويل فقد التزمت الدول عام 2009 بتقديم مئة مليار دولار سنويا بدءا من عام 2020 لمساعدة الدول النامية على تمويل انتقالها إلى الطاقات النظيفة وسيتم اقتراح هدف جديد في عام 2025.

وفي هذا الشأن قال باستور:

" التمويل يعد عنصرا حاسما. اتفقت الأطراف على تحديد خريطة طريق واضحة لزيادة تمويل العمل في مجال المناخ إلى مئة مليار دولار بحلول عام 2020، وسنعمل على زيادة التمويل بعد عام 2020."

وقالت كريستينا فيغيريس الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة إن  "المساهمات الوطنية المعتزمة" التي قدمتها مئة وثمان وثمانون دولة، قادرة على مساعدة الدول في تجاوز أهداف التزاماتها.

"إن المساهمات الوطنية المعتزمة تؤثر بشكل كبير في ارتفاع درجة الحرارة المتوقع في نهاية هذا القرن. وإذا نفذت تلك التعهدات بشكل كامل، فسنبتعد عن احتمال ارتفاع درجة حرارة الأرض بأربع أو خمس درجات مئوية، وسنكون على مسار يتراوح فيه الارتفاع بين 2.7 أو ثلاث درجات، وهو توقع أفضل بكثير. ولكننا لم نصل بعد إلى ارتفاع يقدر بدرجتين أو 1.7 درجة مئوية وهو ما تحتاجه بعض الدول للبقاء على قيد الحياة ولسلامتها".

وماذا بعد؟

المؤتمر المعني بتغير المناخ في باريس ليس نهاية المطاف، كما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة،  بل يجب أن يمثل عتبة لطموحنا، لا سقفه،

مشيرا إلى أن اتفاق باريس يجب أن يكون نقطة تحول نحو مستقبل يتسم بانخفاض الانبعاثات والقدرة على التكيف مع المناخ.

وإيمانا منه بأن تغير المناخ لا يحمل جواز سفر ولا يعرف حدودا وطنية، سافر الأمين العام في أرجاء العالم إلى الخطوط الأمامية لتغير المناخ، وذلك خلال فترة ولايته التي ناهزت تسع سنوات، حيث تكلم مرارا مع قادة العالم ورجال الأعمال والمواطنين بشأن ضرورة التصدي العاجل لتغير المناخ على الصعيد العالمي.

الأمين العام وفي خطابه بمؤتمر باريس الذي توجه به إلى قادة نحو مئة وخمسين دولة، قال:

"أنتم هنا اليوم لكتابة مستقبل جديد، مستقبل الأمل والوعد بتنامي الرخاء والأمن والكرامة للجميع. في سبتمبر اعتمدتم أجندة ملهمة جديدة للتنمية المستدامة بأهداف طموحة أقرها الجميع. أظهرتم التزامكم بالعمل من أجل الصالح العام. لقد حان الوقت لتفعلوا ذلك مرة أخرى."

وباتفاق باريس تبدأ رحلة أخرى مع توقيع الاتفاق في الثاني والعشرين من نيسان أبريل 2016 خلال ملتقى رفيع المستوى لتوثيق الاتفاق في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، ليصبح قابلا للتنفيذ بدءا من عام 2020 ليحل محل بروتوكول كيوتو المفسر للاتفاقية الدولية لتغير المناخ الصادرة عام 1992.

رحلة يبدأ فيها بزوغ شمس الطاقة الجديدة والمتجددة، وغروب عصر الاستهلاك والإنتاج غير المستدامين.     





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً