من عالمي الواقع المعاش، والخيال غير المنظور، يستمد الكثير من الكتاب إبداعاتهم الموجهة للأطفال، فيما يقدم بعض هؤلاء الكتاب على المزج بين العالمين خلال كتبهم الشيقة، لتظل هذه بمثابة مهمة شاقة ملقاة على عاتق مؤلفي كتب الأطفال، وهو ما اتفق عليه المشاركين في ندوة "أدب الطفل بين الواقعي والمتخيل" التي أقيمت ضمن فعاليات مهرجان الشارقة القرائي للطفل في نسخته الثامنة، وأدارها محمد غباشي، وتحدث فيها كل من الجزائرية جميلة يحياوي، والفلبيني راسيل مولينا، والانجليزي ماركوس ألكسندر.
وأكدت جميلة يحياوي في مداخلتها بأن أدب الطفل يقدم من خلاله أفكار يصنعها المؤلف نفسه ويوزعها بين شخصيات عدة تنتقل بين أزمنة وأمكنة مختلفة، قادرة على أن تجعل الطفل يبحر في عوالم عديدة موجودة في رأس مؤلف الكتاب، الأمر الذي يدعو الطفل إلى اللجوء إلى خياله ليستشعر هذه الأحداث، وأشارت إلى أن أي مؤلف يستمد هذه العوالم من الواقع والخيال معاً. وقالت جميلة التي تصنف نفسها كاتبة واقعية: "المؤلف يعيش كالطفل في عالم واقعي والذي يشغل حيزاً كبيراً في عقله ويومياته، الأمر الذي يجعله العالم الأساسي له، وبالطبع فهو يستمد أحداث قصته من طبيعة المكان والزمان والأحداث المحيطة به".
أما راسيل مولينا والذي عرض في الندوة مجموعة من مؤلفاته، فأكد إنه من الرائع جداً أن تكون مؤلفاً لقصص الأطفال في الفلبين، مشيراً إلى أنه دأب على البحث عن واقعه من خلال كتب الخيال التي اعتاد قرائتها في طفولته. وقال: "هناك الكثير من القصص ترتبط بالمخيلة، وبالنسبة لي فقد ارتبطت بها لأنني استطعت أن أتعرف على الواقع من خلالها، لذلك حاولت الاستعانة بالأساطير وقصصها لأتحدث عن واقعنا المعاش، لإيماني بأن بعض القصص الخيالية تتحرك ضمن الواقع".
وأضاف: "علينا أن ندرك بأنه عندما يطلع الطفل على أي قصة، فإنه يكون بداخله الكثير من السيناريوهات، لذا فيتوجب علينا عدم التعامل معه على أساس أنه أداة استيعاب للمعلومات فقط، وإنما علينا أن ندعه يستنطق النص نفسه للخروج منه بشيء ما". وأشار راسيل إلى أنه استخدم الكثير من الخيال في كتبه، من أجل الوصول إلى الواقع، كما في كتاب "الكرسي السحري" الذي يكشف في النهاية أنه يتحدث عن طفل مقعد، مبيناً أنه يستخدم أحياناً الفنتازيا لترجمة الواقع، قائلاً: "الخيال والواقع يلعبان دوراً مهماً في فهم الواقع الذاتي".
في حين، قال ماركوس ألكسندر: "عندما كنت شاباً تعودت القراءة النهمة، لسد جوعي في هذا الجانب، وهذا قادني للعيش أحياناً في عالم خيالي، فقد كنت اتطلع لأن أعيش في عالم "الأبطال"، ولعل ذلك هو ما دعاني إلى ارتياد السفر مبكراً، فقد جبت المملكة المتحدة عندما كان عمري 14 عاماً، وبعدها بعامين خرجت إلى أوروبا، ومن بعدها بعامين أيضاً بدأت أطوف حول العالم، وهذا جعلني أكتشف العالم كما هو، كما اكتشفت أنه لا يوجد هناك عالم للأبطال". موضحاً بأن كتب الخيال والفنتازيا هي التي ألهمته كثيراً لأن يمضي في طريق التأليف، وتابع: "الجيل الحالي مختلف تماماً عن جيلنا نحن الذين وجدنا في عقدي السبعينيات والثمانينات، فكل شيء كان مختلفاً انذاك، بينما أصبح الجيل الحالي منفتحاً على عوالم السينما والانترنت والتكنولوجيا، وبلا شك أنها جعلت منه ذكياً ولكنها سرقت منهم الدهشة، لدرجة أنهم أصبحوا يعيشون حياة "ضحلة" خالية من الشغف.