المسئولية بمختلف تجلياتها كمفهوم وقيمة أخلاقية ونظام قانوني وإداري تمثل القاعدة الرئيسة وحجر الزاوية فيما يتحقق من إنجاز في المجال البيئي، وفي معادلة بناء السلوك البشري والتنمية المستدامة، ومن دون تعزيز واقعها في الممارسات الفردية والجماعية ﻻ يمكن الجزم بجدوى منظومة خطط العمل البيئي في الحد من ظاهرة السلوك غير الرشيد المتصاعدة وتائره التخريبية في النظم البيئية.
وعند معالجة المسئولية كقيمة إنسانية ومبدأ أخلاقي ينبغي أن نضع في الاعتبار محددات طبيعة تعدد أنواعها من حيث المضمون والجوهر، فهناك المسئولية الفردية والمسئولية الجماعية كما يصنف الباحثون من حيث الجوهر أنماط المسئولية في المسئولية الأخلاقية، والدينية، والذاتية، والقانونية، والإدارية، ويرى البعض أن المسئولية اﻻخلاقية والدينية هي أكثر المسئوليات أثراً في تحقيق جوهر الالتزام والإنجاز، وتسهم في تبني الفرد مفاهيم القيم والمبادئ المؤسسة للعلاقة الموزونة للإنسان في استهلاك الرأسمال اﻻيكيولوجي والابتعاد عن ممارسة الأنشطة الضارة بالإنسان والبيئة.
المسئولية الأخلاقية والدينية تترك أثرها على المكون النفسي للفرد، وتتفاعل مع إحساسات وضمير الإنسان وشعوره بالذنب والخطيئة بمجرد قيامه بعمل مخل للآداب العامة، أو مضر للإنسان والبيئة، ويمكن أن يتسبب في الإيذاء الفردي والجماعي والإخلال بالأمن اﻻجتماعي والبيئي، ذلك يكون فاعلاً ومتفاعلاً في إحداث النتيجة الإيجابية إذا ما توافرت مقومات الوعي والمعرفة لما يقدم عليه الشخص من عمل خاطئ ومؤذ في بعض جوانبه، كما هو عليه الحال في ظاهرة رمي المخلفات في الشوارع والأماكن العامة والتسبب في تلويث المحيط البيئي للإنسان، وتجريف المواقع الزراعية ذات الأهمية اﻻستراتيجية لمعيشة المجتمعات المحلية، والقيام بالصيد الجائر، وغير المستدام في المناطق البحرية، والذي يتسبب في خسارة التنوع الحيوي، واستنزاف الرأسمال اﻻيكيولوجي، والتسبب في التأثير السلبي على حقوق المجتمع المحلي، والأجيال في اﻻنتفاع من ثروة الرأسمال اﻻيكيولوجي في معيشتها، واستقرارها وتطورها اﻻجتماعي والحضاري.
الجميع يتفق على أن صحوة الضمير والقيم الدينية التي تُحرّم الأعمال المخلة بالنظام البيئي وبحياة اﻻنسان، مؤشر مهم في تجذير اﻻلتزام بعدم ممارسة الأنشطة والسلوك غير المستدام في العلاقة مع مكونات النظام البيئي، بيد أن الاعتماد على ذلك وحسب يمكن أﻻ يكون مجدياً في حالة ضعف الوعي الفردي واﻻجتماعي بمحددات تلك القيم والمفاهيم، وذلك يشير إلى الأهمية اﻻستراتيجية للقانون في تنظيم السلوك البشري، وتأكيد مسئولية الالتزام بقيم محددات السلوك المستدام في العلاقة مع معالم النظام البيئي ومقومات الأمن البيئي للإنسان.
المسئولية القانونية في المجال البيئي تشكل الأداة المهمة في تنظيم العلاقة القانونية على المستوى الوطني والاقليمي والدولي، وتتمحور مهامها في تأمين الالتزام بقواعد النظام القانوني بشكل عام، وتحقيق الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية، وضمان الأمن الايكيولوجي بشكل خاص، وتعتبر المسئولية أيضًا أداة رئيسة للتحذير من الأعمال والنشاطات المخلة بالقانون وفرض العقوبات على التجاوزات القانونية، والتعويض عن الأضرار التي تصيب الإنسان والبيئة.
والمسئولية القانونية في المجال البيئي تبرز بشكل رئيسي عند توافر حقيقة المخالفة القانونية نتيجة النشاطات والأفعال ذات التأثير السلبي على الوضع القانوني والحالة المعنوية للمجتمع، وتبرز العلاقة القانونية للمسئولية في المجال البيئي على أساس القواعد القانونية المختصة بحماية البيئة وتهدف إلى اقامة النظام القانوني وتحقيق حماية البيئة.
ويؤكد عدد من المختصين في القانون البيئي أن الحركة التي تؤدي إلى التفاعل الكامل في تنظيم آلية المسئولية في المجال البيئي ترتبط بحقيقة المخالفة القانونية، ويرى البعض منهم أن ذلك لا يتطابق دوما مع إلقاء المسئولية على الشخص المذنب، الأمر الذي يتطلب فيه التحقق من أداة ووسيلة المخالفة الايكيولوجية، ومن المعروف أن مسألة تحديد مرحلة بروز المسئولية وقضايا تحديد الذنب والمذنب في نظرية القانون الدولي البيئي، وكذلك في التجارب الدولية هي محط خلاف إلا أنه ليس هناك خلاف على أن حوادث الأضرار الناجمة عن أي عمل يتعارض والقانون الدولي تقوم به إحدى الدول يؤدي إلى بروز المسئولية القانونية للدولة.
وتعتبر النشاطات والأعمال التي تؤدي إلى التدمير البيئي الشامل، وتتسبب في حدوث الأزمات البيئية الخطيرة، وفي زعزعة أمن واستقرار الإنسان، وزهق الأرواح من الجرائم الدولية الخطيرة التي صارت تعرف بالجرائم البيئية، وحيث إن الجرائم البيئية تمس وبشكل مباشر مصالح وحياة البشرية، وتهدد أمنها وسلامتها فهي تندرج ضمن الجرائم الدولية، ونتيجة الأثر الخطير لهذا النوع من الجرائم على الأمن الإنساني وارثه الحضاري، عمد المجتمع الدولي إلى اتخاذ الإجراءات ووضع اﻻلتزامات القانونية الهادفة ليس لتشريع التعويض عن الأضرار التي تسببه تلك الجرائم وحسب؛ بل تتعدى حدود ذلك النظام.
ويمكن القول إن الإجراءات والالتزامات القانونية في المجال البيئي التي تبنتها الدول على المستوى الدولي والاقليمي والوطني تمثل النظام القانوني المعتمد الذي بموجبه تحدد العلاقة القانونية للمسئولية عن الأضرار البيئية، وهي القاعدة القانونية التي يجرى بموجبها فرض العقوبات الجزائية والتأديبية، والإدارية على الأشخاص الطبيعيين، والاعتباريين الذين يتسببون في إحداث الأضرار والأزمات البيئية الخطيرة على الأمن الإنساني، وإن تفعيل ما جرى إنتاجه من قواعد قانونية يمكن أن يسهم في تقويم السلوك البشري، وإنجاز أهداف التنمية المستدامة.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4976 - الخميس 21 أبريل 2016م الموافق 14 رجب 1437هـ