للأسف الشديد، هناك شريحة كبيرة من الآباء و الأمهات ممن يفهم التربية "تربية الأولاد" مفهوماً خاطئاً، فيعتقدون أن التربية هي توفير احتياجات الأولاد من ملبس ومأكل ومشرب ودراسة، وعندما يصل الولد أو البنت إلى سن المراهقة، يحاول الأهل توفير أكبر قدر من الكماليات، من موبايلات، ونظارات، وساعات، وأجهزة إلكترونية، ويبدأون بإغداق الأموال عليه؛ لكي لا يكون أقل مستوى معيشيّاً من أصدقائه أو صديقاتها، وبمجرد أن يصل إلى السن التي تؤهله لقيادة السيارة، ترى الأسرة تقوم قيامتها ولا تقعد فتضطر في بعض الأحيان إلى الضغط على نفسها فتبذل كل جهدها لتوفير رخصة القيادة، ومن ثم السيارة مباشرةً لذاك الشاب أو تلك الشابة، فيتلخص مفهوم التربية لدى بعض الأسر في توفير جميع الأمور المادية، وعلى أعلى قدر من الجودة والفخامة، ناسين أو متناسين الأمور النفسية، والعواطف، والأحاسيس، والمشاعر، ولغة الجسد، وغرس المبادئ والقيم وزرع الأخلاق في الأولاد، وتنشئتهم على الأدب والاحترام... فترى ذاك الأب الذي شقي وتعب وتحمل كل المصاعب لتوفير جميع المستلزمات المادية لأبنائه قد أضاع البوصلة في توفير الإستقرار والراحة النفسية والأمور المعنوية لهم... فأكثر من 36000 صلاة قد صلاها، ونصيب مرافقة أولاده له للمسجد لا تعدو إلا مرات قليلة، وفي بعض الأحيان وللأسف الشديد صفر؛ و من آلاف الساعات التي عاشها الأب والأم لم يكن نصيب أولادهما منها إلا القليل جداًّ، وترى الكثير من الآباء يحملون شهادات أكاديمية وكذا الأمهات؛ بل وفي بعض الأحيان شهادات عليا، لكن لم يذاكروا مع أبنائهم قط، فيعتقدون توفير المدرس الخصوصي هو البديل، فيتعذر البعض بضيق الوقت وآخرون بصعوبة المناهج، وكأن الولد خرج للدنيا مباشرةً على مرحلة متقدمة من التعليم.
لا يعي الكثير من الآباء والأمهات مدى التغير الداخلي الذي يطرأ على الشاب أو الشابة في سن المراهقة، فيتحول في بعض الأحيان إلى شخص آخر ذي تفكير مختلف، وجهات نظر متباينة تماماً عما كان عليه، وهنا تبدأ صعوبة تفاهم الوالدين مع المراهق أو المراهقة، فذاك الشاب الذي أُغدقت عليه الماديات من هواتف وملابس وأموال وغيرها قد بدأ يزجر ويصرخ ويسب ويلعن ويؤفئف ويعاند ويكسر كل القوانين، ويرمي بعرض الحائط كل السلوكيات المهذبة والاخلاق الحسنة حتى يصل الوضع في بعض الأحيان إلى الضرب، وهنا يقف الأب والأم متسائلين، لماذا هذه النتيجة السلبية ونحن لم نقصر في شيء من التربية؟
أيها الآباء والآمهات أولوا الجانب النفسي والداخلي لأولادكم الأهمية؛ بل كل الأهمية فكونوا قريبين منهم، وكونوا أصدقاء لهم، ومدوا جسور التواصل والانسجام معهم، وكونوا صناديق أسرارهم وملاجئهم في النكبات، ازرعوا الثقة في أنفسهم، وحملوهم المسئولية، وادعموا خطواتهم، خصصوا أوقاتاً خاصة لهم وتكلموا لهم وأفسحوا المجال لهم ليشاركوكم بكل ما يدور بداخلهم، اصطحبوهم معكم لدور العبادة، دعوهم يدخلون مدرسة الحياة من خلالكم، لاعبوهم ومازحوهم، أفسحوا المجال للأجساد أن تألف بعضها، لا تتركوا العمل ومعترك الحياة وازدحامها أن تسلبكم إياهم، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.
منير الشهابي
مع الأسف انتشرت ثقافة جديدة بين الأمهات الآن وهي ((دلعي نفسج)) و ((انتي أولاً)) .. فبدلت مفاهيم أساسية مهمة وعميقة فيهم أدت إلى زيادة إهمال الجانب النفسي والروحي لاسيما التربوي.. كذلك ثقافة الآباء ((توفير أفضل الطعام والشراب والتدريس الأكاديمي واللباس)) مقابل ((تركوني في حالي)) .. هاتان الثقافتان أثرتا بشكل خطير جداً على الجانب التربوي وخصوصاً الديني..
كلام رائع أستاذ منير يعبر عن واقعنا
للاسف جيل الامهات والابهات جيل الأنا
كل واحد يبغي يعيش حياته ويستانس يقنص ويا ربعه ويمارس هواياته