يبدأ طريق اللؤلؤ من قلعة حالة بوماهر (خفر السواحل حالياً بالمحرق) وينتهي ببيت الشيخ عيسي بن علي آل خليفة، وهو مشروع رائد ومميز بتدشينه وتنفيذه، وسيعيد لمدينة المحرق بريقها التراثي ومكانتها الحضارية في التاريخ، ويضيف إلى مواقعها التاريخية أهم أيام المجد، مجد اللؤلؤ وأساطير الخليج وقلائد اللؤلؤ التي زيّنت بها أعناق أميرات الغرب والشرق، وسيصحو إله الماء (أنكي) من غفوته، وسيرى كوكب «الساية» صخرة كأنها وجه بحار حزين.
وسيكتب جلجامش ملحمة جديدة وأسطورة جديدة عن الأرض التي لا ينعق فيها الغراب ولا تشيب فيها الرجال وسيعزف سيمفونية كئيبة. وسيأتي إليها من أرض السومريين ويبحث عن زهرة الخلود وعيون الأسماك، في الأسطورة التي ليس لها مثيل، وعن الماء العذب المختلط بالماء المالح، وعن سّر تمّيز لؤلؤ البحرين الذي شكّله مزيج الماء العذب والمالح، وعن أرادوس، وتايلوس، وديلمون الخلود .
طريق اللؤلؤ لن يكتمل إلا بإعادة الحياة إلى المهنة التي تحتضر، والجميع يتفرج على احتضارها، وهو لاهٍ أو ساهٍ عنها، أو أنها ليست من صميم اهتماماته.
وإليكم الحكاية: فمنذ 26 عاماً، تلقى الأخوة ممن تبقى من أساتذة صناعة السفن الخشبية (القلافة) رسالة مؤرخة في يونيو/ حزيران 1990، رداً على رسالتهم المطلبية، من المرحوم مدير عام الهيئة البلدية المركزية المهندس سيف عيسي البنعلي، وهم أصحاب رسالة صناعة السفن الخشبية (القلافة)، عبدالله محمد علي ومحمد علي اسماعيل، وحسن أحمد، تبلغهم بأنه لا يُسمح لهم بمزاولة صناعة السفن الخشبية أو أية حرفة أخرى على الشارعين أو غيرهما من السواحل في مختلف مناطق البلاد، شارع خليفة الكبير وشارع الغوص بالمحرق. واختتم الرسالة بأن الهيئة البلدية المركزية ستقوم خلال الأشهر القادمة بتسوية المنطقة الجنوبية الغربية من عراد في المحرق وتعميق ماء البحر في هذه المنطقة، وتطالبهم بالانتقال إلى الموقع المخصص في عراد والمشار إليه أعلاه، بعد الانتهاء من إعداده وتجهيزه للعمل.
وتلا ذلك العديد من المناشدات واللقاءات مع من جاء بعد المرحوم سيف البنعلي، وتكرّرت الوعود والعهود، وقام أستاذ صناعة السفن مجيد التيتون، وهو آخر من تبقي من أساتذة هذه الصناعة في النعيم، بمخاطبة الجهات المعنية من اليوم الذي أزالت إحدى الجهات المجهولة مواقع إنشاء الخشب في النعيم، وألحقتها بإزالة موقع الحدادة، هذه المهنة الملتصقة والمكملة لمهنة القلافة، ولكن لا من مجيب، فـ«أذنٌ من طين وأذنٌ من عجين»، حتى أن مجيد التيتون وفي اللقاء الأخير الذي أجرته معه صحيفة «الوسط» في المحرق، كان يتحدّث بنبرة اليائس الحزين المكتئب، لدرجة أنه غادر المكان قبل أن يكمل الصحافي محمد العلوى اللقاء الذي تم نشره وهو يردّد «ما فيه فايدة، ما في فايدة أنتم (تجرون على الاحم) تجدفون في الهواء»، وهو مثل شعبي يعبّر عن الأسى واليأس.
نعم! 26 عاماً مضت، والوعود والعهود تتكرّر ولا شيء يحمل الأمل والإصلاح، بل إن أحد مفتشي بلدية المحرق الذي جاء قبل فترة وجيزة وقام بوضع ملصق (إنذار) على كومة الأخشاب التي تصنع منها السفن، والتي تقدّر بآلاف الدنانير من الخشب الساج المأمورين، وبقية أنواع الأخشاب غالية الثمن، وكيني كارفس. والملصق يقول «الرجاء إزالة هذه المخلفات وإلا ستقوم البلدية بإزالتها وتحميل صاحبها أتعاب الإزالة»! فأيّ جهلٍ هذا يا سادة يا كرام!
هذه المقدمة كان لا بد منها لكي توقظ النائم من سباته، ولمن له قلب أن يصحو قبل وداع أرقى وأروع حرفة تتصل بمهنة الغوص، وتوصيل المحامل، ورجالات الغوص إلى الهيرات لكي تأتي بالخيرات والدانات، فطريق اللؤلؤ لا يكتمل إلا بإعادة الحياة لتلك الحرفة... صناعة السفن الخشبية (القلافة).
نقول يبدأ طريق اللؤلؤ من قلعة بوماهر وينتهي عند بيت الشيخ عيسي بن علي آل خليفة، وهو بلا شك مشروع رائد حقاً وتشكر عليه الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، وعلى كل ما قامت وتقوم به فيما يتصل بتاريخ وآثار البحرين وتسجيله ضمن التراث العالمي.
القلافة كانت الصناعة الأشهر في الخليج العربي، وتنافسها صور في عُمان، وقد حافظ العمانيون عليها وأبدعوا في صناعتها وصنوفها، وأقاموا لها المهرجانات التي خطفت أبصار كل من مرّ بعمان. وكذلك التفتت قطر أخيراً لها، وأدركت أهمية ورمزية هذه الصناعة التراثية، وصنعوا منها ما صنعوا، بل إن كل ما تبقى من السفن الخشبية في البحرين، قاموا بشرائها وأعادوا إصلاحها في البحرين، وأخذوها إلى قطر وصارت ضمن متحف قطر للسفن الخشبية، سفن الغوص ومن النعيم الذي صار موقع لوشار، رمزاً وتذكاراً وذكرى حزينة.
وفي المحرق لم يتبق إلا موقع واحد، بعدما كانت أسياف المحرق من بوماهر جنوباً حتى فريج البوخميس تجد فيها كل أنواع الخشب متراصةً، حتى أنك تستطيع أن تنتقل من الجنوب إلى الشمال بالقفز من السفن إلى محمل، على أنغام متناغمة من صوت المطارق، وهي ترسل المسامير في جسد السفينة، مع أصوات المناشير والمجادح لتشكل سمفونية متناسقة رائعة ليس لها مثيل دون مايسترو يقودها، فهي تتشكل نغماً وعزفاً بالفطرة، تقوم نفسها بنفسها وتتسمر أرجل المارين، لكي يستمعوا إلى نغم لن يسمعوه إلا على أسياف المحرق والنعيم، وشمالاً عن مدرسة الهداية، وفي غرب المحرق، في فريج بن هندي تستمع إلى أنين الصواري والأشرعة.
وغرباً حيث العمارات التي تمتد في شكل مستطيل من الشرق إلى الغرب، العمارات تحوي الأخشاب التي تصنع منها السفن، وبقية مستلزمات صناعة السفن ومعدات الغوص لعمارة بوكمال، وعمارة الدوي، وعمارة بن خليل، وعمارة يوسف فخرو، وعمارة علي بن يوسف، وعمارة الفايز، وفي نهاية العمارة شرقاً تقام صناعة السفن لتكون مباشرةً قرب البحر لتسهيل دفعها إلى البحر. ترى ما الذي بقي من ذلك المجد؟ وهل من مغيث؟ سؤال نتركه للجهات المعنية جميعها، ونتمنى أمنية عاجلة أن تتخذ إجراءً سريعاً، لأنه (ما بقى كثر ما مضى).
هنا أسوق اقتراحاتٍ قبل فوات الأوان، لعلها تنقذ هذه الصناعة العريقة إذا ما لقيت قلوباً رحيمة وآذاناً صاغية وحباً عميقاً للبحر وللبحرين.
1. تخصص أرض مباشرة على البحر، وإعدادها بالمستلزمات والمعدات المطلوبة والمتصلة بصناعة السفن.
2. إدخال مادة صناعة السفن (القلافة) في منهج المدارس الصناعية التابعة لوزارة التربية والتعليم، لضمان تخريج أجيال قادمة ولضمان استمرارية هذه المهنة العريقة.
3. إعادة الحياة إلى مهنة الحدادة التي كانت مكملةً لمهنة القلافة، حيث تزودها بالمسامير وبقية الأجزاء التي تصنع من حديد والداخلة في مهنة القلافة.
4. إيجاد سوق ملحق بالموقع لبيع المنتجات الصغيرة، ونماذج أنواع السفن ومشغولات القواقع البحرية وغيرها.
5. ضم أساتذة القلافة إلى الضمان الاجتماعي.
6. إدراج الموقع ضمن المواقع التراثية والسياحية باعتباره معلماً من معالم البحرين الحضارية.
وأخيراً... على القائمين على مهرجان التراث الذي أقيم مؤخراً، أن يزوروا موقع أهم تراث البحرين الذي يحتضر، وهو صناعة الخشب (القلافة)، ويقيناً أن عيونهم ستدمع وقلوبهم ستفزع.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله مطيويع"العدد 4974 - الثلثاء 19 أبريل 2016م الموافق 12 رجب 1437هـ
للتوضيح اسم القلاف ابن النعيم الاستاذ نجيب التيتون
سلمت يا بوراشد
شكرا استاذ عبدالله علي المقال انا دائما اصفك يا بوراشد بالشخص الذي يتكلم بقلب دامي علي وطنة.و امتة بارك الله فيك ويخليك ذخر لنا يا اعز واشرف الناس
اصيل يا مطيويع
ما اعتقد أحد المسئولين يقرا و يحن قلبه على نهاية اغلى حرفة في الخليج . شوف قطر و الكويت اشلون محافظين عليها .....و الله عوار قلب ما بقى لنا شي من التراث كل شي اندثر.
مؤثر جداً هذا المقال
طريق اللؤلؤ سيضع البحرين على خارطة التراث العالمي بعد قلعة البحرين و القلافة جزء من تراث الوطن يجب المحافظة عليه ، وايضاً حماية اصحاب هذه المهنة حتى لا تنقرض . الف شكر الشيخة مي بنت محمد على تكسير احجار العقول الميته وجعل الحلم حقيقة