قتل 44 مدنياً أمس الثلثاء (19 أبريل/ نيسان 2016) في قصف جوي لمناطق تحت سيطرة المعارضة في شمال غرب سورية، بالتزامن مع تعثر مفاوضات السلام في جنيف، ما يجعل هذه المحادثات والهدنة المعمول بها منذ نهاية فبراير/ شباط مهددتين بالانهيار أكثر من أي وقت.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بعد ظهر أمس عن قصف جوي عنيف نفذته «على الأرجح طائرات تابعة للنظام السوري» على سوقين شعبيين في معرة النعمان وكفرنبل في محافظة إدلب، أسفر عن مقتل 44 مدنياً بينهم ثلاثة أطفال.
ووصف المرصد الغارات بـ «المجزرتين»، مشيراً إلى مقتل 37 شخصاً في مدينة معرة النعمان وحدها، وإلى أن عدد القتلى مرشح للازدياد نتيجة وجود جرحى.
وأظهرت صور التقطها مصور لوكالة «فرانس برس» دماراً كبيراً في سوق الخضر في معرة النعمان، وتناثرت الخضر أرضاً قرب ركام محال منتشرة على جانبي الطريق الضيقة، فيما طاول القصف على كفرنبل سوقاً للسمك.
ولكفرنبل ومعرة النعمان أهمية رمزية كبيرة بالنسبة إلى المعارضة. فقد كانت كفرنبل من أولى البلدات «المحررة» في إدلب وعرفت بتظاهراتها الضخمة، وينشط أبناؤها بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهم من أشد المعارضين للنظام السوري.
إلى ذلك، أفاد المرصد السوري عن مقتل «ثلاثة أطفال جراء سقوط قذائف صاروخية أطلقتها الفصائل على بلدة كفريا» ذات الغالبية الشيعية في ريف إدلب الشمالي الشرقي.
وفي بلدة بالا في الغوطة الشرقية في ريف دمشق، أسفر قصف لقوات النظام، وفق المرصد، عن «مقتل سبعة مدنيين، بينهم طفل، وإصابة نحو عشرة آخرين بجروح».
ويستثني اتفاق وقف الأعمال القتالية المعمول به منذ 27 فبراير «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»، إلا أن مشاركة «جبهة النصرة» في تحالفات واسعة مع فصائل أخرى مقاتلة مشمولة بالهدنة، تهدد هذا الاتفاق.
ويأتي هذا التصعيد غداة إعلان الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة السورية، تعليق مشاركتها في المفاوضات غير المباشرة الجارية في جنيف احتجاجاً على عدم إدخال مساعدات إنسانية إلى المناطق السورية المحاصرة وانتهاكات اتفاق وقف الأعمال القتالية التي تحمل النظام مسئوليتها.
ودان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية «المجزرتين» في إدلب. وقال إنهما تضافان إلى «سلسلة الجرائم الرهيبة والخروقات المستمرة التي ارتكبها نظام الأسد منذ بداية الهدنة».
واعتبر أن ما حصل يمثل «تصعيداً خطيراً (...) كفعل إجرامي همجي تجاه تمسك وفد الهيئة العليا المفاوض بحقوق الشعب السوري وثوابت ثورته»، ويؤكد «أحقية ومشروعية قرار الهيئة العليا للمفاوضات بتعليق مشاركتها وتأجيل المشاورات».
وبدأ أعضاء من وفد الهيئة العليا للمفاوضات أمس (الثلثاء) مغادرة جنيف.
وقال المنسق العام للهيئة رياض حجاب في مؤتمر صحافي في جنيف «سأسافر اليوم، قسم من الإخوة سافروا أمس (الإثنين)، وقسم آخر سيسافر اليوم وتباعاً حتى الجمعة»، موضحاً أن بعض أعضاء الهيئة والوفد سيبقون في جنيف للمشاركة في نشاطات «مبرمجة» مسبقاً.
وبين هذه النشاطات، «لقاءات مع الجهة المعنية بالقضايا الإنسانية، وندوات ستعقد حول المعتقلات والقضايا الإنسانية وجرائم الحرب التي حصلت في سورية».
كما أشار إلى لقاء سيعقد بين الموفد الدولي الخاص ستافان دي ميستورا وقانونيين في وفد المعارضة في الفندق لا في مقر الأمم المتحدة، سيتناول مسألة تشكيل هيئة حكم انتقالي.
ووجه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف انتقاداً شديداً إلى تعليق الهيئة العليا مشاركتها في المفاوضات مؤكداً أن التفاوض «غير مجمد» رغم اتخاذ وفد الهيئة هذه الخطوة.
وقال لافروف في إشارة إلى الوفد المذكور، «يعتقدون أنهم يستطيعون فرض جدول أعمال المفاوضات مع وجوب القول أولاً متى سيكف بشار الأسد عن حكم البلاد لتبدأ المفاوضات. في الوقت نفسه، يقولون إن هذا الأمر ينبغي أن يتم انسجاماً مع قرار مجلس الأمن الدولي. الجميع يدركون أنها كذبة».
وبدأت جولة المحادثات الحالية في جنيف الأربعاء وتصطدم بتمسك الطرفين بمواقفهما حيال مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد.
وقال حجاب إن وفد المعارضة جاء إلى جنيف «من أجل انتقال سياسي مبني على القرارات الدولية التي تقول جميعها بإنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات لا مكان فيها للمجرمين وعلى رأسهم بشار الأسد».
في المقابل، أعلن رئيس وفد الحكومة السورية إلى المفاوضات، بشار الجعفري في مقابلة مع وكالة «فرانس برس» أمس (الثلثاء) أن وفده مخول بحث تشكيل حكومة موسعة وليس مستقبل الأسد.
وقال «مستقبل الرئيس السوري ليس من ولايتنا ولا اختصاصنا... وهذا الموضوع يقرره الشعب السوري، لا حوار جنيف، ولا حوار طوكيو ولا حوار كازاخستان».
وأضاف الجعفري «شرحنا لدي ميستورا أن ولايتنا تتوقف عند حدود الانتهاء من مسألة الحكم، أي إنشاء حكومة وطنية موسعة»، مشدداً على أن «تشكيل حكومة وحدة وطنية هو موضوع النقاش الأساسي».
واعتبر أن قرار وفد المعارضة تعليق مشاركته في جنيف «ليس (عملاً) دبلوماسياً أو سياسياً ناضجاً، بل أسلوب طفولي مراهق في عالم الدبلوماسية والسياسة».
العدد 4974 - الثلثاء 19 أبريل 2016م الموافق 12 رجب 1437هـ