قال رئيس جمعية الاقتصاديين جعفر الصائغ: «إن دول مجلس التعاون أخطأت سابقاً بعدم فرض ضرائب، وهي الآن تخطئ مجدداً بفرض ضرائب ودولنا تعيش في حالة ركود اقتصادي».
وأوضح في ندوة عقدت بمقر جمعية التجمع القومي في الزنج مساء الاثنين (19 أبريل/ نيسان 2016) أن «الضرائب تفرض عندما يكون الاقتصاد في حالة ازدهار وحركة تجارية، فإن ذلك سيكون داعماً لفرض ضرائب، وحتى الدول الضريبية تزيد من الضرائب في هذه الحالة، وتقلل فرضها في حالة الركود الاقتصادي حتى تشجع المواطن العادي على الاستهلاك حتى تساعد المجتمع على الإنفاق والدفع بعجلة الاقتصاد».
وأفاد الصائغ في مستهل ورقته بأن «دول مجلس التعاون دول نفطية، وأصبح هو المصدر الرئيسي تقريبا إلى أن ارتفعت أسعار النفط وأصبح هو المهيمن على القطاعات الاقتصادية والاقتصاد الكلي، وسميت دولنا بالدول الريعية والنفطية، واعتدنا منذ بداية السبعينيات على تقلبات أسعار النفط وتداعياتها، ففي الثمانينيات انخفضت أسعار النفط وسمعنا عن ضرورة تنويع مصادر الدخل وأنه سوف ينتهي بعد 20 أو 30 عاماً، وبعد ذلك ارتفع النفط وخف الحديث عن تنويع مصادر الدخل ورأينا انعكاس أسعار النفط في الارتفاع الهائل في المباني والعمارات الشاهقة الارتفاع ورأينا حركة تجارية لا يمكن إنكارها».
وأضاف «وفي التسعينيات عادت أسعار النفط للانخفاض، ورجع الحديث عن ضرورة تنويع مصادر الدخل، ثم عاد النفط للارتفاع حتى وصل إلى 150 دولاراً للبرميل، وتمتعت دول الخليج بوفرة مالية هائلة جداً، إلى أن تحولت هذه الإيرادات إلى صناديق سيادية في الدول الأوروبية ولكنها فقدت الكثير من رؤوس أموالها وأصبحت رهينة إلى الأوضاع الاقتصادية في العالم وليس في دولها».
وأكمل «ما نتوصل إليه هو أن ما حصلنا عليه في الخمسين سنة هو صناديق سيادية تتراكم عوائدها ويعاد استثمارها مجددا، ولكنها رهينة بتغيرات اقتصادية في تلك الدول الموجودة فيها».
وتابع الصائغ «في دول الخليج توسع القطاع العقاري والخدماتي والمالي، وهذا ما أنتجناه بفضل أسعار النفط، اليوم لدينا مدن متطورة ولا يمكن أن ننكر ذلك، ولكن ماذا حصلنا من هذه الثروة النفطية من أجل تحقيق التنمية المستدامة لشعوبنا؟».
وواصل «ما حصل منذ العام 2014 كشف عن ضعف اقتصاديات دول المجلس، فعندما تكون أسعار النفط أعلى من 150 دولاراً لم يكن أحد يتوقع أن تنخفض الأسعار خلال السنوات الخمس المقبلة، ولكن ذلك حصل فعلاً، لذلك كان هناك ارتباك في التعامل مع الأزمة النفطية، لذلك تم اللجوء إلى النظام الضريبي، وأصبح الحديث عن ضرورة فرض ضرائب، واتباع سياسة تقشف واضحة».
وتسائل «ما هي أهمية فرض ضرائب؟، وهل هي الحل الأمثل لانقاذ اقتصاديات دول مجلس التعاون، دعونا نرى ماذا حصل بعد انخفاض أسعار النفط، أولاً ارتفع العجز في موازنات دول المجلس، البحرين مثلا، العجز فيها كان موجودا منذ خمسة أعوام وليس من اليوم فقط، وليس السبب في ذلك انخفاض أسعار النفط، بل الصرف الهائل على المصروفات المتكررة وارتفاع مصروفات المشاريع وما شابه ذلك».
وذكر أننا «وبعد انخفاض أسعار النفط بدأنا نسمع عن تنامي الدين العام، وأخذت الحكومة تلجأ إلى الاقتراض من المصارف المحلية والإقليمية وبات الدين العام مرتفعا جدا وبات يهدد الأمن الاقتصادي في المنطقة».
وأردف الصائغ «كان الحديث عن ضرورة تنويع مصادر الدخل قبل انخفاض أسعار النفط، ولكننا لم نقم بذلك، وفي المقابل وجدنا أن النرويج استغلت مواردها النفطية لتحقيق التنمية المستدامة وتمويل المشاريع التنموية، وليس كمصدر تمويل مباشر للموازنة العامة، إذن الوضع الطبيعي الصحيح هو ألا يستفاد من موارد طبيعية محدودة لتكون مصادر تمويل رئيسية في الموازنة العامة للدولة، كما فعلنا في دول مجلس التعاون».
وتابع «دول مجلس التعاون أعادت النظر في سياسة الدعم، وأصبح الدعم محدودا في بعض السلع وهذا سوف ينتهي بشكل تدريجي، وباتت تفكر في الضرائب، لأن الدولة أصبحت غير قادرة على تمويل الرواتب والأجور، وغير قادرة على تمويل القطاعات الصناعية والمصرفية وغيرها، وباتت كل القطاعات الأخرى رهينة لأسعار النفط».
وأضاف الصائغ «ضريبة القيمة المضافة، تؤكد دخول دول مجلس التعاون لأول مرة في النظام الضريبي، ولكن اعتقد أن هذا الوقت ليس هو الوقت المناسب لفرض الضرائب، فحين يكون هناك ركود في الاقتصاد فإن فرض الضرائب يجب أن يكون في آخر الأولويات، مع التأكيد على أنني أؤيد أن يتم فرض ضرائب والاعتماد على النظام الضريبي بدلا من النظام الريعي في تمويل موازنات دول مجلس التعاون».
وأكمل «الضرائب تفرض عندما يكون الاقتصاد في حالة ازدهار وحركة تجارية، فإن ذلك سيكون داعما لفرض ضرائب، وحتى الدول الضريبية تزيد من الضرائب في هذه الحالة، وتقلل فرضها في حالة الركود الاقتصادي حتى تشجع المواطن العادي على الاستهلاك حتى تساعد المجتمع على الإنفاق والدفع بعجلة الاقتصاد».
وختم الصائغ «نحن أخطأنا سابقا بعدم فرض ضرائب، ونحن الآن نخطئ بفرض ضرائب ودولنا تعيش في حالة ركود اقتصادي».
ومن جانبه، قال الاقتصادي محمد الكويتي: «لا توجد لدينا معلومات حول الضرائب التي تفكر فيها الحكومة، ولكن الحديث الآن يدور حول ضريبة القيمة المضافة».
وأضاف الكويتي «الآن السلطة تطالب الفرد بتمويل الموازنة أولا عن طريق رفع الدعم وثانيا عن طريق الضرائب، وهذا يتطلب أن تكون الأمور أكثر شفافية، وعلى الدولة أن تجيب على مجموعة من التساؤلات ومنها من أين ستأتي بالإيرادات، وما هي أولويات التنمية والرفاهية التي يسعى لها المجتمع وكيف ستموّلها، ومن سيتحمل العبء الأكبر في الضرائب؟».
وأردف «التعامل مع هذه التساؤلات يتطلب تغيرا في المفاهيم على مستوى السلطة وعلى مستوى المجتمع، وقد يكون من أهم هذه المفاهيم هو مفهوم المال العام وكيف ستحصل عليه الدولة وتديره، الدول غير الريعية تعتمد على الضرائب في تمويل الدولة، وهي تتعامل مع خيارات اقتصادية متنوعة، وفي مسالة الضرائب تدخل السياسة بشكل أكبر».
وأكمل الكويتي «هناك شروط عالمية وضعت بأن يكون النظام الضريبي عادلاً، ومن يستفيد أكبر من الإنفاق يدفع أكثر، ولا ضرائب بدون مشاركة سياسية».
ولفت إلى أن «عدم المشاركة في الحياة السياسية مقابل فرض ضرائب يدفع إلى تساؤل حول التوزيع لهذه الضرائب وهل ستكون تصاعدية، لأن ما نسمعه أن ضريبة القيمة المضافة ستكون ثابتة، ولكن هل ضريبة القيمة المضافة سوف تكون كافية لتمويل نفقات الحكومة وتستعيض عن دخل النفط؟، هذا الأمر يحتاج إلى أن يبدي الاقتصاديون رأيهم فيه، ولكن يبدو اليوم يبدو أن القرار اتخذ على مستوى الخليج وتبقى فقط التنفيذ».
وأشار إلى أن «الفكرة لديهم أن ضريبة القيمة المضافة قريبة من الجمارك، وهي لا تستلزم تقديم مشاركة سياسية إزاءها، حيث سيتم توزيعها على السلع بالتساوي، ولا تجبى مباشرة من المستهلك، وستشمل فقط السلع وليس الخدمات وستؤدي إلى الحد من الاستهلاك غير الرشيد، غير أنها ستؤثر على الطبقة الوسطى بشكلٍ أكبر».
وتابع الكويتي «المشكلة أن الغرب ليس لديه نوع واحد من الضرائب، وتصمم بعض الضرائب لفئات معينة ولإعادة توزيع الثروة».
وأفاد «غرف التجارة في دول مجلس التعاون ترفض ضريبة القيمة المضافة، لأنها تقول إنها لم تستشر في ذلك، كما أن القرار لم يطرح بدائل عن هذه الضريبة بالنسبة إلى القطاع التجاري».
وشدد «نحتاج إلى زيادة مكافحة الفساد قبل أن ينفتح المجال إلى الضرائب، مع تنشيط الاقتصاد الخدماتي لأن القاعدة الضريبية تحتاج إلى إنتاج وتصدير، وهذه كلها من الأمور التي يجب أن تناقش».
وختم الكويتي «فرض الضرائب من دون تهيئة الأجواء ينطوي على خطورة اقتصادية، وربما نحتاج إلى البدء في إصلاحات اقتصادية للمحافظة على الاستقرار، وأعتقد أنه ينبغي البدء بفرض الضرائب على العقارات ورؤوس الأموال الكبرى قبل اللجوء إلى فرضها على الأفراد».
العدد 4974 - الثلثاء 19 أبريل 2016م الموافق 12 رجب 1437هـ