صوّت مجلس النواب البرازيلي أمس بأغلبية الثلثين، على الموافقة على بدء إجراءات عزل الرئيسة ديلما روسيف، بسبب اتهاماتٍ بالتلاعب في حسابات الحكومة.
عزل روسيف يعتبر نكسةً لحكم اليسار الثوري، وخصوصاً لتزامنه مع المتاعب التي تواجه الحكم اليساري في فنزويلا ودول لاتينية أخرى.
الدولتان ضمن الدول التي كانت تحكمها الأنظمة الدكتاتورية والعسكرية في أميركا اللاتينية، والتي كانت تعتبرها الولايات المتحدة تابعة لها، وقد سمح تطوّرها السياسي قبل عقدين بالانتقال إلى أنظمة حكم ديمقراطية، بعد عقودٍ طويلةٍ من النضال الشعبي المرير، الذي سقط فيه عشرات الآلاف من الضحايا، وعشرات الآلاف من السجناء والمشرّدين.
عملت ديلما روسيف (14 ديسمبر/ كانون الأول 1941) في صفوف اليسار، وناضلت ضد الحكم الدكتاتوري، ودفعت ضريبة ذلك بالسجن ثلاث سنوات، حتى العام 1972. ومع التغيّر الديمقراطي مطلع الألفية الجديدة، وصل حزبها (العمال) للحكم، وانتخب لولا دا سيلفا رئيساً، حيث قاد عملية إصلاح، ساهمت في حلّ مشكلة الفقر، وتحسين الاقتصاد وتطوير البلاد، حتى اختارته «لوموند» الفرنسية رجل العام 2009.
في 2005 ضمّ الرئيس ديلما روسيف إلى وزارته، وكلّفها بتشكيل الحكومة بعد استقالة عدد من الشخصيات الكبيرة بسبب فضيحة فساد. وفي انتخابات 2010، فازت بـ 58 في المئة من أصوات الناخبين، وتقلَّدت منصب الرئيس في يناير/ كانون الثاني 2011، لتبني على النجاحات السابقة. وعلى رغم الشعبية والتأييد الذي حصله اليسار في أميركا اللاتينية بسبب سياساته الاجتماعية ونهجه الاشتراكي، إلا أنه واجه حركات معارضة أيضاً، فشهدت البرازيل احتجاجات واسعة في 2013، بسبب رفع أسعار تذاكر المواصلات العامة، تماماً كما واجه حكم هوغو تشافيز وخلفه نيكولاس مادورو متاعب مشابهة.
كانت الولايات المتحدة قد رفعت يدها عن الأنظمة الدكتاتورية في أميركا اللاتينية نهاية التسعينيات، وهو أمرٌ لم يكن الكثيرون يتوقعونه آنذاك، فوصل اليسار في انتخابات حرة إلى الحكم، وحصل على فرصته لتطبيق وعوده وتجربة برامجه التي بشّر بها طويلاً.
في الأشهر الأخيرة، واجهت روسيف أكبر تحدٍّ خلال رئاستها، بعد اتهامها بالتلاعب بحسابات الحكومة، من أجل ضمان إعادة انتخابها في 2014، وهو ما نفته تماماً. ودخلت البرازيل في حالة شد وجذب بين أنصار الحكومة والمعارضة، التي طالبت يإقالتها، وحشّدت لذلك حتى استطاعت تمرير اقتراح بعزلها في البرلمان، ليرفع بعدها إلى مجلس الشيوخ، حيث يتوقع أن يوقف روسيف عن ممارسة مهامها الشهر المقبل، إلى أن تنتهي المحاكمة الرسمية، إذ ستمثل أمام المجلس، وتُعزل عند ثبوت إدانتها.
في هذه العملية كلها، لجأ محبّو روسيف واليسار، إلى إشهار نظرية المؤامرة، كما يحدث عندنا في البلاد العربية، لأنها أسهل طريقةٍ لتعليق كل مصائبنا وخيباتنا وانتكاساتنا على الآخرين، وننسى النقد الذاتي ومحاسبة المتورطين في قضايا فساد، وتطبيق القانون على الجميع من دون تمييز. وهي السبل السليمة التي تضمن مساءلة الفاسدين وتمنع الفساد من الاستشراء والانتشار وتخريب الذمم والأوطان.
مثل هذه القضية أكبر من ديلما روسيف، حتى تكاد تصبح مشكلة في جميع دول الشرق والغرب، وهو ما يتيحه المنصب لصاحبه من إمكاناتٍ للتصرف بثروات الشعوب والتلاعب بالمال العام، وخصوصاً حين يكون من دون رقيب. والفارق أنه في الدول الديمقراطية يمكن اكتشاف ومحاسبة وإيقاف المتورّطين، ودفعهم نحو الاستقالة، أما في الدول غير الديمقراطية فدون محاسبة الفاسدين خرط القتاد.
خيرٌ لديلما روسيف، وللبرازيل، ولليسار الثوري، أن تُحاسب روسيف، فإن ثبت تورطها عُزلت، وإن ثبتت نزاهتها، جدّد الشعب ثقته بها ورفعها فوق الأعناق.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 4973 - الإثنين 18 أبريل 2016م الموافق 11 رجب 1437هـ
اعتقد ان ديلما روسيف تدفع ثمن إنشائها البريكس مع روسيا والهند والصين وأفريقيا الجنوبية .. يبدو أنها الحلقة الأضعف
نعم أستاذي
لامست الجرح ، في الفقرتين ما قبل الأخيره كأنك كنت تشخص الحاله العراقيه بامتياز
هكذا حالنا عندما يصل للحكم ذوي المصالح الشخصيه والفئويه والفاسدين وقد كانوا من قبل يشنون الحملات علي من قبلهم ويتهمونهم بالفساد والقمع والدكتاتوريه والمحسوبيه، ويطالبون بالديمقراطيه وحكم القانون ، وعندما يصلهم الحكم ويريد الله أن يمتحنهم ( أو يفضحهم ) إذا هم ينقلبون علي كل شعاراتهم الزائفه ويكونوا أسوأ من سابقيهم ويكون حكم الفساد هو شعارهم الجديد
الكاسر
من يحاسب من
الكل في ألهو سوي
اختكي مثلكي
عندهم وعندنا خير