العدد 4973 - الإثنين 18 أبريل 2016م الموافق 11 رجب 1437هـ

ضمانة الاستقرار والأمن الاجتماعي

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

يذكر المفكر الجزائري مالك بن نبي (ت 1973) في كتابه «مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي» أن حواراً جرى بين الفيلسوف الصيني كونفوشيوس (ت 479 ق.م) وتلميذه هوتسي كوج، الذي كان يسأله عن السلطة، فأجابه الأستاذ بالقول: يجب أن توفّر السياسة ثلاثة أشياء: لقمة العيش لكل فرد، والقدر الكافي من التجهيزات العسكرية، والقدر الكافي من ثقة الناس في حكامهم.

فيسأل التلميذ: وإذا كان لابد من الاستغناء عن أحد الثلاثة فبأيها تضحي؟ فيرد الأستاذ: بالتجهيزات العسكرية. ويعود تسي كوج فيسأل: وإذا كان لابد أن تستغني عن أحد الشيئين الباقيين فبأيهما تضحي؟ فيجيب الأستاذ: في هذه الحالة نستغني عن القوت لأن الموت كان دائماً مصير الناس، ولكنهم إذا فقدوا الثقة لم يبق أي أساس للدولة».

وتقوم فلسفة هذا الحكيم الصيني الخالد على القيم الأخلاقية، وعلى أن تكون هناك حكومة تخدم الشعب تطبيقاً لمثل أخلاقي أعلى. والقصة تؤكد على أهمية الثقة كأساس لتعامل البشر مع بعضهم بعضاً، وقصة الحكيم كونفوشيوس شبيهة بما أورده ابن خلدون (ت 1406م) في مقدمته، نقلها عن المؤرخ المسعودي (ت 956م) في أخبار الفرس عن «الموبذان»، الشخصية الحكيمة في أيام ملك الفرس بهرام بن بهرام، حيث كان يمشي معه فسمع صوت بوم، فقال له: هل تعرف لغة الطيور؟ قال: نعم أيها الملك. قال: فماذا يقول هذا البوم؟ قال: إنه يخاطب بومةً يريد أن يتزوّج منها، فهو يخطب ودها ولكنها تتمنع. قال الملك: وماذا تطلب؟ قال الموبذان: إنها تقول إن مهرها هو خراب عشرين قرية؟ قال الملك: وبماذا أجابها؟ قال الموبذان: إنه يقول لها: إن أطال الله في عمر مولاي الملك فسيكون مهرك خراب ألف قرية وليس عشرين.

تفكّر الملك، واستوضح الموبذان أكثر عن مقصده فقال الموبذان: هل أختلي بالملك فأحدّثه قال: نعم. فلما انفردا قال له: يا مولاي إذا بقيت الحالة هكذا ستخرب ليس ألف قرية بل كل المملكة. قال له: وكيف ذلك؟ قال إن الظلم عمّ البلاد، وأن الرشوة أصبحت بضاعةً سائدةً، والناس يخافون على أنفسهم من المتنفذين، والمحسوبيات أزاحت الكفاءات وهمّشتهم، وأن تسلط البطانة الفاسدة على شئون البلاد قد ساهم في تقويض أمن الناس، ورفع من حالة السخط الشعبي.

ويعقب ابن خلدون على هذا القانون الاجتماعي فيخصّص فصلاً بعنوان «فصل بأن الظلم مؤذن بخراب العمران»، ويقول أن هناك آلية للعدل، فالحكم يقوم بالشرعية، ويحرسه الجند وهم موظفون بحاجة للرواتب فلابد من المال، والمال لابد له من مصادر، ومصادره وفرة العمران، والعمران والتجارة تحتاج لحراك اجتماعي، وهذا يأتي بأمن الناس على أموالهم حتى ينشطوا، أي هم بحاجةٍ إلى العدل، فإذا مدّ الحاكم يده إلى أرزاقهم أنكروا وأضمروا سوء النية.

ويذكر ميكافيللي (ت 1527م) فيلسوف إيطاليا في عصر النهضة في كتابه «الأمير»، أن الناس ينسون الإساءة إليهم في قتل آبائهم، ولكنهم يحقدون للغاية على من سلبهم أموالهم. وقانا الله شر الفتن وحفظ أمن البلاد والعباد.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4973 - الإثنين 18 أبريل 2016م الموافق 11 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:43 ص

      من الأفكار إلى الفكر المضاد للأكسدة مع وجود الفكر الملوث.
      فقد إزداد التلوث في البيئة المحيطة سوى كان ذلك التلوث الغير طبيعي في البيئات مثل البيئة المحلية كا الزراعة والخضرة وما إلى ذلك. إلّا أن التلوث الفكري كضاهرة لا تبدو كونيه أي عالميه إلّا أنها اليوم أقرب أن تكون كذلك. فانتشار التطرف اليميني أو اليساري سيان فكلاهما متطرف. أما الفكر الإرهابي الذي يعتمد على سفك الدماء من أجل الحسول على مكان فاضي؟ فهل القوة اليوم حل أو تحل محل العقل. قال جحا لا تحل مشاكل اليوم بحلول قديمة. اليس كذلك؟

اقرأ ايضاً