الزواج سنة شرعها الإسلام لمقاصد سامية ولغايات عظيمة، حيث إنها من وسائل العفاف وهي وسيلة إيجابية لصناعة الأجيال. ولما انتشرت العنوسة التي من أهم أسبابها غلاء المهور ونفقات الزواج الكبيرة بسبب التقاليد المرهقة ماديا وخاصة للشباب، جاءت فكرة مشاريع الزواج الجماعي وانتشرت في معظم الدول العربية والإسلامية بما فيها البحرين.
دور الجمعيات الخيرية (الصناديق الخيرية سابقاً) في البحرين قبل سنوات كثيرة، كان بارزا ومحوريا من خلال مشاريع الزواج الجماعي. حصاد هذا الدور أو المجهود كان تعزيزًا لمفاهيم الاندماج الاجتماعي، والتخفيف من بعض المفاهيم الطبقية التي كانت ولاتزال موجودة. كما عالج كثرة المصروفات عن طريق تخفيض التكلفة للزواج إلى أكثر من النصف من الزواج الفردي للزواج الجماعي.
ومن خلال إحصائيات موثقة ضمن دراسة عن واقع الجمعيات الخيرية في البحرين في العام 2008، وكذلك في العام 2014، فإنَّ أهم خدمات أغلب الجمعيات الخيرية المقدمة، تأتي مساعدة للأسر المحتاجة في المرتبة الأولى ثم التعليم ثم العلاج ثم الزواج. هذه الأولوية لم تتغير منذ العام 2008، كما تبين أن لمشاريع الزواج الجماعي شعبيتها آنذاك، حيث كانت تتبناه 67 في المئة من هذه الجمعيات.
هذه الإحصائيات تؤكد أن 47 في المئة من الجمعيات المتبنية لمشاريع الزواج الجماعي يكون عدد المشاركين فيها أقل من 10 معاريس، و53 في المئة من هذه الجمعيات يكون عدد المشاركين فيها بين 10 و 50 شخصاً.
حينها قامت الجمعيات الخيرية في المنطقة الغربية، على سبيل المثال، بتشكيل لجنة مشتركة لأول زواج جماعي مشترك لمئتين من المعاريس والعروسات، وبدعم من أصحاب الأيادي البيضاء. مثل هذه المشاريع الناجحة كانت تقام أيضا في الرفاع والمعامير وباربار والحورة والقضيبية ودمستان وبوري وعالي ومدينة حمد ومشاريع مشتركة في المحرق ومركزالمعارض وغيرها. كما أن لبعض الفرق أو المجموعات الخيرية مثل «سواعد الخير» دوراً لا يقل عن دور هذه الجمعيات في تنظيم هذه المشاريع المميزة حيث قامت في (إبريل/نيسان من العام 2012) بتزويج 35 يتيماً، توالت بعدها هذه المشاركات مع الجمعيات الخيرية بصورة أوسع.
هناك جملة من الإيجابيات في مبادرات تنظيم الزواج الجماعي وهي تطبيق مبدأ التواصل والتكافل الإجتماعي، وزرع الألفة والمحبة، وتشجيع الشباب على الإقدام على الزواج المبكر وتوفير بعض المال وتقليل التكلفة. إضافة إلى تلك الفوائد المتعارف عليها، فهناك أيضا محاولة إزالة الطبقية وتفهم تلك الفئة من المجتمع التي ترى أن من المعيب لديها تزويج أبنائها من خلال الزواج الجماعي، وتنظيم المشاريع مشاركة بين الطائفتين الكريمتين، والاهتمام بالتنظيم الجيد للحفلات التي تقام، وبتأهيل العريسين للدخول في الحياة الزوجية بعد تقديم الاستشارات الأسرية والتثقيفية.
للأسف الشديد فإن هذه المشاريع قد لحق بها الضررالكبير، وقل حماس قادة الجمعيات الخيرية وإداراتها في إقامتها بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البحرين بعد (فبراير/شباط 2011). فقد انخفضت نسبة الجمعيات الخيرية التي تقيم هذه المشاريع المهمة للنصف من 67 في المئة في 2008 إلى 32 في المئة فقط في 2014 بحسب الإحصائيات الأخيرة.
ولكن ما يبشر بالخير هو تجدد هذه المبادرات بقوة بدءًا من هذا العام ضمن أنشطة الجمعيات الخيرية الاجتماعية وإقدامها مثلا على تنظيم أكبر زواج جماعي في البحرين في (18 مارس/آذار 2016) لعدد 860 عريسا وعروسا والذي أقامته جمعية الرفاع الخيرية برعاية مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الخيرية، وكذلك تنظيم جمعية الهملة الثقافية الخيرية الاجتماعية الزواج الجماعي المشترك أخيرا تحت شعار: «لتسكنوا إليها» والذي ضم 50 زوجا من الطائفتين الكريمتين في الهملة والجسرة، وقد أبرز هذا الحفل صورة ناصعة بالمحبة والإخاء في بحريننا العزيزة.
أفكار للمستقبل
نحيي هذه التجارب المميزة والجميلة في وطننا، ولكي تستمرهذه المبادرات علينا كمواطنين ومتطوعين في مجال العمل الخيري ورجال دين، كل في مجاله، أن نسعى إلى شحذ الهمم وعمل إضافات قيمة لهذه المبادرات بتطويرها مهنيا وعلميا، والتركيز على الإيجابيات الحالية والتي منها تأهيل المتقدمين للزواج، وتفادي أو إزالة السلبيات، ومنها التقليل من إحساس البعض بوجود الفوارق الإجتماعية لتحتضن أبناء وبنات الغني والفقير على السواء (الغني يساهم في المصروفات بنسبة تتناسب مع مقدرته المالية) وتفادي العجلة من قبل المتقدمين في الخطبة للانضمام إلى المشروع، وللتمازج أكثر بين المواطنين من الطائفتين الكريمتين، ولتقليل الاعتماد الكلي على الموارد الشحيحة المخصصة لهذه المبادرات.
نقترح إشهار جمعية أو أكثر متخصصة في تنظيم مثل هذه المبادرات لتيسير الزواج الجماعي بصورة أكبر وأكثر تنظيمًا. كما نتطلع إلى قبول المجتمع لهذه المبادرات للزواج الجماعي وإلى تفاعل المسئولين في الدولة وأصحاب الأعمال معها.
كما يجب علينا أيضا أن ندعم طواقم إدارات الجمعيات الخيرية ولجانها التنظيمية المساندة وذلك بتسهيل عملها وتطوير قدراتها في الحصول على الدعم المالي، وهو أكثر الأمور تعقيداً وجهداً ومشقة لهم. وبدورنا نقترح أن يتم تأسيس صندوق «الزواج» في البحرين أسوة بدولتي الإمارات والكويت. كما أن في الشقيقة عمان، تم تأسيس صندوق للزواج وهو مؤسسة أهلية عامة ذات شخصية اعتبارية، وتتمتع بالاستقلال الاداري والمالي وبالأهلية الكاملة للقيام بالتصرفات القانونية، وتشجيع حفلات الزواج الجماعي مع منحها الأولوية في الدعم.
ويا حبذا أن يكون صندوقنا المقترح «أهليًّا» يدعم هذه المبادرات الطيبة ماديا للمقبلين على الزواج من محدودي الدخل على مستوى الدولة من قبل الشركات والمؤسسات التجارية والبنوك الكبيرة. ولا بأس أن تشارك الحكومة ممثلة في وزارة العمل والتنمية الإجتماعية والجمعية الخيرية الملكية مثلاً في دعم هذا الصندوق. فكرة أخرى جديدة يمكن أن تعطي لهذه المشاريع دفعة إلى الأمام، وهي أن تقوم الوزارات والمؤسسات الحكومية وكذلك الشركات والبنوك الكبرى العاملة في البحرين بمشاريع الزواج الجماعي وسط منتسبيها وعمالها وموظفيها لتحقيق أهدافها في المسئولية المجتمعية، ولترسخ مفاهيم التضامن والتكافل الاجتماعي، وكذلك لتزيد من الارتباط بينها وبين عمالها لزيادة الإنتاجية ولتحافظ على ولائهم للمؤسسة العاملة. فكرة جميلة نأمل أن تتلقفها أيادي رجال العلاقات العامة، والرؤساء التنفيذيون، والمسئولون في هذه المؤسسات الحكومية والتجارية والشركات الكبرى لتنفيذها.
إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"العدد 4973 - الإثنين 18 أبريل 2016م الموافق 11 رجب 1437هـ
ببساطة ندعمها ماديا (مهر وباقي تفاصيل الانفاق) عدى الوجبات
لاننا للاسف ندعم الزيجات الجماعية عن طريق توفير الوليمة الغير مهمة
الوليمه تكون للبطون الشبعاء في حين المتزوج جائع البطن
موضوع مهم
شكرا لكتابتك عن هذا الموضوع لان هناك من يريد الزواج وبناء أسرة وعنده معوقات مادية ويتقدم بالغمر ويفوته الكثير متى بيتزوج متى بينجب متى بيربي وبيحصل على بيت اسكان نرجو من الصناديق الخيرية ان تهتم بهذا الجانب وماذا عن من يريد الاستفادة من الصناديق الخيرية التي تدعم الزواج الجماعي في مناطق اخرى اذا لم يوفر الصندوق الخيري هذه الخدمة الاجتماعية؟؟