صبيحة السابع من مارس/ آذار الماضي، استيقظت على صوت القرآن الكريم يرتل بخشوع من مئذنة مزار الشيخ حسين العصفور الموازي لمقبرة الشاخورة، والقريب من منزلي. كان ذلك يعني أن أحد أبناء القرية قد فارق الحياة، ويتم الترتيب في هذه الأثناء لتشييعه لمثواه الأخير.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أستيقظ فيها في مثل هذه الظروف، ولكن في هذه المرة انتابني شعور غامض، بأن من يتم التحضير لجنازته قريبٌ مني، ربما يكون أحد أفراد العائلة من أبناء خالتي الكبرى، أو ربما يكون أحد الأصدقاء من أبناء القرية، حينها فكرت بالاتصال بصديقي أمير لأستفسر منه عن المتوفى، وما كدت أن أفتح الهاتف لكي أقوم بالاتصال حتى صعقت بما تحتويه مجموعات التواصل الاجتماعي من نعي لصديقي العزيز أمير الشاخوري نفسه.
ليس من السهل أن يتقبل الإنسان مثل هذه الخسارة أو أن يصدّقها، ولذلك كنت أبحث عن وجهه في شخوص المجتمعين في المقبرة، فلربما أراه مرةً أخرى، إنها عادته في التواجد في جميع الأحداث المهمة، إنه جزء من أي مشهد مؤثر، كان من المفترض أن يكون بيننا الآن.
أمير الصديق: عرفته منذ كنت في الصف الخامس الابتدائي، حيث كنا أطفالاً في زمن جميل، ومنذ ذلك الحين بقيت صداقتنا ممتدة كل هذه السنين، وعلى رغم ظروف الحياة ومشاقها بقى «الطفل أمير» بكل طهارة روحه وبراءته وعفويته حتى آخر حياته، ولذلك ليس غريباً أن يكون له هذا العدد الكبير من الأصدقاء والمعارف والأحبة.
وكصديق مقرب كان له الأثر الكبير في دخولي للحركة الوطنية الديمقراطية مطلع ثمانينيات القرن الماضي، إذ كان حينها عضواً نشطاً في اتحاد الشباب الديمقراطي البحراني «أشدب»، كما أنه هو من عرض عليّ وشجّعني لإكمال دراستي الجامعية في إحدى الدول الاشتراكية عن طريق جبهة التحرير الوطني البحرانية.
أمير المناضل: لقد شبّ أمير على الأفكار التقدمية اليسارية وآمن بها، كما آمن بأن الإنسان يجب أن يتمتع بحقوقه وأن يعيش حراً وكريماً في وطنه، وكان من الكوادر القليلة التي تتمتع بقدرات تنظيمية عالية، وحس وطني صادق، وأخلاق نضالية عالية، مبنية على الإيثار ونكران الذات وحب مساعدة الغير، ما جعله يحظى بثقة الأعضاء في جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي لينتخب عضواً في المكتب السياسي للجمعية. ولم يقتصر عطاؤه على الجانب السياسي، بل امتد ليساهم بشكل كبير في الحركة النقابية في البحرين ويكون أحد أبرز المناضلين من أجل تأسيس النقابات العمالية في القطاع الحكومي.
أمير الإنسان: لم يكن من المستغرب أن تحظى هذه الروح الوادعة بمحبة الجميع، فقد كان أصدقاؤه من مختلف الأطياف والمذاهب، فمنهم المتديّن ومنهم اليساري، ومنهم من المذهب الشيعي ومنهم من المذهب السني، ومنهم من الجالية الآسيوية، فلم يعرف أمير في يوم من الأيام التقسيمات الطائفية أو الإثنية.
كنسمة رقيقة باردة في يوم قائظ، مرّت علينا هذه الروح الجميلة، وغادرتنا سريعاً دون أن نلتفت أو نستوعب ما أرادت.
هل قال لنا أمير كل ما أراد أن يوصله كرسالة حب لهذه الأرض وأبنائها؟ وهل أكمل ما خُلق لأجله من إثبات أن الإنسان يمكن أن يأخذ من صفات الملائكة أكثر مما نظن بكثير؟ أعتقد أن أمير حتى ومن خلال رحيله المفاجئ، نجح في أن يوقظ فينا مرةً أخرى المبادئ السامية وأهمية البذل والعطاء، وحب الناس والحياة، والتمسك بالأمل، والإيمان بالإنسان. فشكراً أخي أمير لأنك كنت جزءًا من حياتي... وشكلت ما بقي منها.
إقرأ أيضا لـ "جميل المحاري"العدد 4973 - الإثنين 18 أبريل 2016م الموافق 11 رجب 1437هـ
كان صديقا وزميل عمل ومربي وعلى الرغم فرق السن بيننا إلا أنه لا يبخل في النصيحة ليي على طول الوقت الذي كان معي فيه
الله يرحمه
كان يتمنى ان تتحقق امآل العمال والمواطنين بنيل حقوقهم.. سمعته آخر الايام متأسفا عما وصل اليه وضع البلد من تردى في الوضع الحقوقي. ..
الله يرحمة
الله يرحمه
رحمه الله برحمته الواسعة وأسكنه الفسيح من جنته...ورحم الله المؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم واﻷموات.