أكد المخرج والفنان المسرحي العراقي عزيز خيون أن المونودراما وهو جنس مسرحي جديد، على رغم بداياته الأولى، الدينية والشعبية، «فإنه يرتدي قفطان الإثارة والحداثة» ويستفيد من معطيات الحاضر واكتشافاته وتقنياته وموضوعاته، مشيراً إلى أن هذا اللون «أهدى المخيال العالمي والعربي، تجارب وعناوين، تنوعت، ونصوصاً احتفظت وتمثلت مشكلات شتى، مما يقرره الواقع في جدليته الدائمة»، معارضاً من يعتبر المونودراما «شكلا مسرحيا بسيطاً مملاً».
جاء ذلك في ورقة بعنوان: «ممثل المونودراما وخصوصية الأداء»، قدمها خيون خلال ندوة حول «مسرح المونودراما والمسرح التقليدي»، وهي احدى الندوات التي تخللت مهرجان الفجيرة الدولي للفنون التي أقيمت دورته الأولى في شهر (فبراير/شباط 2016).
وأشاد خيون، وهو أيضاً مؤسس ورئيس محترف بغداد المسرحي، بمبادرة الفجيرة للاحتفاء بفن المونودراما، معتبرا إياها واحدا من أهم مبادرات الاحتفاء بهذا الفن، مشيرا إلى أنها أفضت لمهرجان دولي «قدر لعدد من تجاربه أن تضيء منصات مسرحية في شتى مدن وعواصم العالم، عن طريق إبداع هذا التكوين المسرحي وهمة تلك الجماعة»، ناهيك عن استفزاز فن المونودراما «قرائح عدد من الكتاب، عالميين عرب «ما أنتج نصوصاً وعروض مونودراما متنوعة».
وأضاف خيون أنه من المفارقات الغريبة، أنه في إطار اهتمام إمارة الفجيرة بفن المونودراما عبر تنظيمها مهرجاناً دوليّاً وهو مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما إلا أن هناك «أصواتاً تهب من هنا وهناك وتضطلع بأحكام واجتهادات لا تمت إلى سماحة وديمقراطية فن المسرح وحريته بأية صلة، كأن تعتبر مثل أن المونودراما شكل مسرحي بسيط وممل لا يملك أن يشكل إثارة وجذبا، لأنه وكما يقولون إن أهمية المسرح تكمن في وجود قصة ثرية بخطوطها واجتماع شخصيات متنوعة في ألوانها ومتناقضة في إراداتها تحقق حالة الصراع المنشودة، والتي بدونها لا معنى لأية تجربة مسرحية، فماذا يمكن أن تقدمه مسرحية من فصل واحد وشخصية واحدة؟ ماذا تستطيع أن تصنع؟».
وردّاً على هذه الأصوات يرى عزيز أن «خصوصية فن المونودراما تكمن في الأسئلة أعلاه وفي خصوصية أداء الممثل في هذا الجنس المسرحي» مشيرا إلى أن هذا اللون من المسرح «جاء وليداً لظروف الإنسان ومعبراً عن هواجسه، أحزانه وهمومه، عن قلقه المحزن، بسبب تراجيديا الغزو والعدوان وتفتيت لآلئ الوجود، دماراً، هلاكاً وخرابًا استهدف البناء البشري الداخلي والخارجي على السواء، طارده وزحف عليه حتى عزلته وحيدا يصارع فجائع، عذابات وخسارات روحه المستوحدة الخائفة حد الرعب، الهلع، حد الجنون، وهي تشوى بمقلاة الحروب، تهدده بالتهميش، بالعوز، والفاقة، ظروف كارثية ضغطت الإنسان المعاصر، بين مستطيلات كونكريت الوحدة، وجدران الإهمال والإلغاء».
وأكد أنه «إذا كانت ثمة تجارب مونودرامية أخطأت الهدف، فهذا ليس ذنب اللون المونودرامي نفسه الذي توافرت فيه معظم شروط الحالة المسرحية، إنما السبب ممكن تتحمله الجهة المنتجة، الفائدة أو العارضة، وهي الفرقة والمخرج، والممثل، وممكن يدخل كاتب النص ضلعاً رابعاً في تحمل مسئولية هذا الإخفاق».
ونفى الاعتقاد بأن الإقبال على تقديم المونودراما، يعود إلى «بساطة كلفة الإنتاجية، وسهولة ويسر تحرك وتنقل فريقه في الزمان والمكان، وإن أي مشروع من هذا النوع، لا يحتاج سوى إلى ممثل واحد ومخرج، مع توافر النص» وإن «أكبر تجربة مونودرامية، ممكن أن تزهر بمجهودات أربعة أفراد بعد أن نضيف إليهم مصمم السينوغرافيا والموسيقى والمؤثرات التعبيرية، أو أن ينجز هذه المهام كاملة المخرج ذاته، كأن يكون هو الكاتب والمخرج والممثل في الآن نفسه».
وأكمل خيون الواقع هو أن هذه التجربة المسرحية صعبة حد الخطورة بسبب «المتطلبات المعقدة والحلول الإبداعية المرهقة والخاصة جدا، التي يجب توافرها لكيما يتجاوز المشروع منطقة القلق، ومنها نوعية النص، موضوعه، زاوية التناول، وعملية التصميم والبناء، والمنتوج المسرحي والمونودرامي».
وقال إن الأهم في تجربة المونودراما ليس توافر الموازنة اللازمة للإنتاج، بل «توافر الرصيد الإبداعي البشري، الممثل الذي يخاطر بدخول هاته التجربة»، مضيفا أن هذا الممثل «يجب أن يكون ذا جذب خاص، وسحر أخاذ، ويبقى محتفظاً بكرسيه حتى نهاية العرض».
ووصف الممثل بأنه يجب أن يكون «لماحاً، مفكراً، لافتاً، بهيّاً، ذا طلة مؤثرة، وصوت معافى وغني، وجسد مرن ومعبر، وحبذا لو توافر الممثل الشامل الذي يتمكن من فنون الغناء والرقص ومهارة لاعبي السيرك اضافة إلى تمثيله المميز».
وقال إن المونودراما «لاترحب بأنصاف الممثلين».
وإلى جانب الممثل يجب، بحسب خيون، توافر «طاقة اخراجية خلاقة، صاحب رؤيا مفارقة، مخرج متمرس، يخاطر، ويقود هاته المعركة الجمالية».
والأمر الآخر الذي يجب توافره لنجاح العرض المونودرامي، كما يضيف خيون، هو «الفرقة المسرحية التي تعرض إيمانها وثقتها وأموالها، لأنه من قال إن المونودراما لا تحتاج إلى سقف جيد، ينهض بها ويحقق لها شرطية الحياة؟».
وقال بأن من يريد أن يخوض تجربة المونودراما، عليه أن يتحلى بخصلتين اثنتين «طاقة حصان، وصبر نبي» وإنه بدون وجود هذا الممثل «لا يمكن قيام التجربة المسرحية الفذة، مهما توافر لها من عناصر دافعة جهة التحقق».
وحذر من تبسيط النظر للمونودراما وتقزيم حجم المهام اللازمة لإنجازها، موضحا أنه يشير هنا إلى «المسرحية المونودرامية القائمة على سخونة الموضوع وسلطة الفعل وجدة الحدث والتنوع المثير، وهي طلبات تحققها القراءة التمثيلية المعاندة، والرؤيا الإخراجية المفارقة، التي تشاكس المتعارف، وترنو صوب قمة الجديد».
وقال أخيراً إن المسرح المونودرامي هو مشروع «لمن يقرر أن يبحث ويجرب ويجدد ويطور ويشك بما توصل».