العدد 4973 - الإثنين 18 أبريل 2016م الموافق 11 رجب 1437هـ

حالات دراسية في ضوء المنهج المادي التاريخي للإشكالات الاجتماعية والاقتصادية

«قضايا الثروة والعمل والبيروقراطية» لعلي دويغر...

علي دويغر
علي دويغر

يشي عنوان الكتاب للوهلة الأولى بأنه يقتصر فقط على «حالات دراسية تاريخية» من البحرين والعراق، العنوان الفرعي لكتاب «قضايا الثروة والعمل والبيروقراطية»، للمناضل البحريني الراحل علي دويغر، الصادر عن دار العودة في بيروت العام 2015، إلا أن قراءة الكتاب؛ وإن تداخل مع ذلك الجانب التاريخي في تناوله لعدد من القضايا نأتي عليها تباعاً في أثناء الاستعراض؛ إلا أنه دراسة معمَّقة للإشكالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وما يبدو خريطة طريق في الوقت نفسه، لتجاوز عدد من الملفات المتأزمة في بنية مجتمعي البحرين والعراق. الدراسة تتناول مجموعة من البنى، مُعزِّزة بالإحصاءات الدقيقة التي لم تكن ذات بال وأهمية وتوظيف في الفترة التي اشتغل فيها دويغر على تلك الملفات؛ بحسب المقدمة الوافية التي كتبها الزميل والباحث حسن مدن، وهي مقدمة تختزل الأطروحات التي تناولها الكتاب.

الكتاب وإن مسَّ والتحم مع قضايا الكفاح الوطني الذي تصاعد في فترة مبكرة من تاريخ البلاد في سبيل الاستقلال الوطني والديمقراطية، وكما ذكرنا سابقاً، إلا أنه وقف على كثير من مؤديات ومسببات الفشل والإخفاق، كما هو الحال مع النجاح في جانب من جوانب ذلك الحراك؛ إذ اضطلع دويغر بدور في صياغة الوثائق والبرامج والرؤى السياسية للعمل والكفاح الوطني، باعتباره أحد مؤسسي جبهة التحرير الوطني.

يذكِّرنا مدن في تقديمه بالدور الطليعي البارز الذي لعبه المناضل دويغر، وخصوصاً في انتفاضة مارس/ آذار 1965، وتجربة اعتقاله أثناءها؛ فضلاً عن أنه كان آخر الذين خرجوا من المعتقل «بين المناضلين الوطنيين» في تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ البلاد، ورحلته إلى السويد لإكمال دراساته العليا التي نال منها شهادة الدكتوراه.

مُذكِّراً ببصماته الواضحة في صوغ أول برنامج سياسي للحركة الوطنية من خلال الوثيقة التي عُرفت بـ «برنامج الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي والسلْم» والذي صدر في العام 1962، إضافة إلى وضعه مسوَّدة برنامج «كتلة الشعب»، لانتخابات المجلس الوطني في مطلع سبعينات القرن الماضي.

التحليل المادي التاريخي

بتبنِّيه منهج التحليل المادي التاريخي، ينطلق دويغر في قراءته ودراسته لملامح التطور الاجتماعي السياسي في البحرين، من خلال مادة تنزع إلى التحليل واستخلاص الاستنتاجات، ويضع مدن بين أيدينا نماذج لاشتغالاته تلك من خلال «تحليل مقارن للإدارة العامة في البحرين»، و «تأثيرات اللؤلؤ والنفط على العمل في البحرين»، و «الرأسمال الأجنبي والنمو السكاني»؛ علاوة على أبحاثه ودراساته التي عُنيت بقضايا الإصلاح الزراعي في العراق، والتي تتضمن جزءاً من محتويات الكتاب.

وعن الدراسة الأخيرة يكتب مدن «إن من أكثر فصول الدراسة تشويقاً، الفصل الذي نظر فيه علي دويغر في ما أسماه (المسألة المدينية - الريفية) التي يذهب فيها إلى أنه ليس من الضروري رسم خطوط بين ما هو مديني وما هو ريفي في حال البحرين، فالمدن هي مراكز تجمُّعات سكنية في بلد لا تتجاوز مساحته (آنذاك) 250 ميلاً مربعا (650 كيلومتر مربع) ؛ وخاصة أن الإحصاءات الرسمية، كما تشير الدراسة، لا تقدم تصنيفات مختلفة للسكَّان من وجهة النظر هذه، في غياب مفهوم المدينة الصناعية على النحو الدارج في الغرب، وهذا عائد إلى التضارب في توزيع الثروات الطبيعية والقدرات البشرية، التي تُلاحظ في أغلب الاقتصاديات العربية».

البحث حمل عنوان «البحرين: تأثيرات اللؤلؤ والنفط على العمل»، وكتب في العام 1971، بدأه بنبذة جغرافية، ومراحل التطور المبكر للاقتصاد، بدءاً من القرون الوسطى، والأهمية الاستراتيجية والجغرافية التي تمثلها جزر البحرين بالنسبة إلى العالم، وقوفاً عند صناعة صيد اللؤلؤ وأثره على بنية الاقتصاد، ونظام الأجور في تلك الصناعة، وصولاً إلى ثورة الغواصين التي اندلعت في العام 1932، وتحديداً في 26 مايو/ أيار، احتجاجاً على قانون الغوص «الذي بدلاً من قيامه برفع دخولهم، قام بإبقائهم تحت نير الاستغلال؛ إذ اقتحم الغواصون مركز شرطة المنامة وأطلقوا سراح رفاقهم».

انحطاط صناعة صيد اللؤلؤ

كما يقف في البحث على انحطاط صناعة صيد اللؤلؤ، غير مكتفٍ بإرجاع أسباب انحطاط تلك الصناعة إلى ظهور اللؤلؤ الصناعي وحده «بل كانت أيضاً بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية الكبيرة التي حصلت في العام 1929، التي أدت إلى انخفاض الطلب على اللؤلؤ من قبل طبقات المجتمع الأوروبي الراقية».

كما يتناول في البحث نفسه صناعة النفط، معززاً إياه بإحصاءات كثيرة تتناول حجم الإنتاج والمداخيل، ونسبة العاملين البحرينيين والإنجليز وغيرهم من الأجانب، إضافة إلى الانفجار الديموغرافي، والوقوف على إحصاءات العام 1965 التي تبيِّن أن مجموعه لأهالي الريف بلغ 32,220، يشكِّلون ما نسبته 17,6 في المئة من السكَّان، أما الآخرون فبلغ تعدادهم 149,984 نسمة، وهم ممن يعيشون في المناطق المدينية.

ويتناول البحث حركة العمَّال في البحرين، والتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي أسهم فيها النفط، ووصول دخل الفرد في العام 1969 إلى 180 ديناراً؛ حيث رأى أن المساهمة تلك لم تكن مُرضية «إلى تلك الدرجة التي تحل فيها مشاكل السكان الاستهلاكية والتوظيفية، أو لسد الاحتياجات المادية والاجتماعية للطبقة العاملة».

ويشير دويغر في البحث إلى أن التناقضات في البحرين هي انعكاس للاستغلال السيئ لقوة العمل، وللمصادر الطبيعية للبلاد من قبل ما أسماهم بـ «الإمبرياليين»، وأيضاً الاستنزاف اللاعقلاني للنفط.

وفي البحث تناول لـ: الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج، والنفط، الذي يمثل نصف احتياجات أوروبا الغربية منه، وارتباط ذلك بميزان المدفوعات بين الجانبين.

وبعد تناوله التركيب الطبقي في البحرين، يختم البحث ببيان أنه استدعى التغيير في البنية التحتية الاجتماعية في البحرين، من خلال التحالف بين الطبقات الوطنية، التي تتناقض مصالحها مع الإمبرياليين: الطبقة العاملة، الفلاحون، والبرجوازية الوطنية، تحت قيادة الطبقة العاملة، القوة الأكثر أهمية في خلق التحولات الثورية، وفي نيل الاستقلال الوطني. وأن هذا الحلف مهيأ له أن يصبح القاعدة لجبهة وطنية عريضة للنضال ضد الاستعمارين الجديد والقديم.

الرأسمال الأجنبي والنمو السكَّاني

العنوان أعلاه، دراسة كتبها دويغر في العام 1972، تضمنت مقدمة أشار فيها إلى أن أنها تحليل تاريخي للبحرين، موضحاً أن عنصرين متغيرين عرفته البحرين: الراسمال الأجنبي، والسكَّان، وهما هيكل المعالجة. الدراسة تنحصر بحسب الكاتب في محاولة تشكيل تحليل لبحث النواحي الرئيسية لتاريخ الاقتصاد البحريني وللتغير الذي ظهر في المرحلة الواقعة بين عامي 1930 و 1950. في الدراسة تتبع وبحث في قضايا أربع: الأولى، من خلال لمحة تاريخية، وشكل الصناعة المبكِّرة (اللؤلؤ)، ويقوم المؤلف بملامستها بالتركيز على التطور التاريخي لاقتصاد الجزر في مرحلة ما قبل النفط.

والثانية، من خلال تطور التوظيفات الأجنبية، التي يبحثها بحسب معدلات تحولها، ونوع المُنتج والمواقع النسبية للمزودين في المجالات الداخلية والخارجية.

والثالثة، من خلال النمو السكاني، ويلامسه بالتركيز على دوره في عناصر تكوين الصيرورة الهيكلية، كالهجرة، السياسات الحكومية في توزيع الإنتاج (الطبقة العاملة ومطالبها)، ومسائل البطالة والبطالة الجزئية.

والرابعة، من خال بحث توجهات قطاع الخدمات في التجارة والصناعة المصرفية، مع تسليط الضوء على النتائج النهائية للإنفاقات السكانية.

كما تضمن الكتاب، دراسة حالة: البحرين (1932 - 1971)، حملت عنوان «تحليل مقارن في الإدارة العامة»، احتوت على مقدمة بين فيها مسار الدراسة، بتعاطيها مع النماذج المتغيرة في الإدارة العامة في البحرين، من مرحلة الحماية حتى الاستقلال، إلا أن «الانتباه موجَّه مباشرة إلى كشف الأبعاد المختلفة المرافقة لحدوث التغيرات السياسية»، ما يتيح إمكانية قياس تلك الأبعاد.

في الدراسة عناوين فرعية بحثها المؤلف، من بينها: تشريق البيروقراطية: منظور تاريخي، سياسات متبعة، والبنية الوظيفية للبيروقراطية في البحرين، ويتناول في العنوان المذكور: العمل، الدرجات، سياسة المكافأة (التعويض)، والتحليل البنيوي المقارن، ويتفرع عنه: مرحلة الحماية البريطانية، مرحلة الاستقلال، وتوطين البيروقراطية. إضافة إلى دراسة «البيروقراطية في المرحلة الانتقالية... حالة الإدارة الزراعية... حالة العراق (1958 - 1970)، والثانية بعنوان «العمل في الزراعة... سياسات إصلاح الأراضي الزراعية... دراسة حالة: العراق (1958 - 1970).

 


غلاف الكتاب
غلاف الكتاب




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً