تحتفي الأوطان حول العالم باليوم العالميّ للمعالم والمواقع الأثريّة والذي يوافق اليوم الإثنين (18 أبريل/ نيسان 2016)، وذلك حسبما أطلق المجلس الدّوليّ للمعالم والمواقع الأثريّة (الإيكوموس – ICOMOS).
وبهذه المناسبة، صرّحت رئيسة هيئة البحرين للثّقافة والآثار الشّيخة ميّ بنت محمّد آل خليفة بالقول: "لنا في الثّقافة رهانٌ وطنيٌّ وعالميٌّ بأن تكون الآثار والملامح التّراثيّة هي قيمتنا الإنسانيّة الأعمق والأوسع، هي الاختزال المكثّف لهويّة أوطاننا وحضاراتنا الإنسانيّة. لقد اشتغلنا لأعوام كنّا نسعى فيها جميعها للتّمسّك بذاكرة المواقع، المعالم، البيوت والمدن القديمة بكلّ ما فيها عبر مشاريع العمران الثّقافيّ وترميم تلك الملامح".
وأردفت: "الثّقافة جنبًا إلى جنبٍ مع المعالم والمواقع الأثريّة والتّراثيّة هي ما نعتزّ به، لأنّنا نواصل بناء الوطن من خلالها، وكذلك الإنسانيّة. إنّ المفهوم الجميل المرتبط بذاكرة تلك المعالم والمواقع لا تحتكره الأوطان اليوم، بل هو نتاجٌ إنسانيٌّ مشتركٌ، نحتفي به من خلال جعله مستدامًا، قابلاً للوصول عبر العالم كلّه، ولربّما هذا ما ينسجم مع فكرة إطلاق عام "وجهتك البحرين" الذي يدعو العالم كلّه لزيارة المعالم والمواقع، بالإضافة إلى المنازل والمتاحف والاحتفاء بالمواسم الثّقافيّة على اختلافها والتي تتضمّن كذلك مهرجان البحرين السّنويّ للتّراث الذي يُصادف شهر أبريل أيضًا". (متحف قلعة البحرين، قلعة البحرين، قلعة بوماهر........ )
العمران التّراثيّ سلوكٌ ثقافيّ عالميّ لإنقاذ الذّاكرة الوطنيّة والتّاريخ
وتكريسًا للمعالم والمواقع الأثريّة كهويّة وطنيّة واشتغال ثقافيّ مستدام، كان الاهتمام بالعمران الإنسانيّ بما يتضمّنه من معالم ومواقع أثريّة هو الأداة الحفاظيّة للتّاريخ والحضارات الإنسانيّة، إذ تمكّنت هيئة البحرين للثّقافة والآثار من خلال أعمال التّرميم ومشاريع العمران الثّقافيّ والتّاريخيّ أن تصنع من تلك المعالم والمواقع شاهدًا يحرسُ عمر البلاد وحضارات إنسانها، كما صيّرت من تلك الملامح هويّةً مكانيّةً توثّق الحياة التي شهدتها جزيرة البحرين. وفي سياق اشتغالاتها، تمكّنت الثّقافة من إدراج موقعين أثريين على قائمة التّراث الإنسانيّ العالميّ لليونيسكو، كما هيّأت العديد من الشّواهد العمرانيّة والأمكنة المتّصلة بها لتكون جزءًا من الحياة اليوميّة عبر تأهيلها لأدوار ووظائف ثقافيّة وسياحيّة.
متاحف، مراكز للزوّار والمعلومات: طرقٌ ثقافيّة تصلُ الإنسانَ بالأمكنة التّراثيّة والأثريّة:
بمقارباتٍ جميلة، سعت هيئة البحرين للثّقافة والآثار أن تقلّص المسافات مكانيًّا وثقافيًّا ما بين العديد من المواقع والمعالم الأثريّة وما بين النّاس، وذلك بجعلهم على مقربة منها، وفي اتّصالٍ حقيقيّ معها عبر خلق ذاكرةٍ مصغّرة خاصّة بكلّ موقع منها تتّصل بنطاق حيّزها الجغرافيّ. وقد اتّخذت كلّ ذاكرة منها نمطها العمرانيّ الخاصّ، مثل متحف موقع قلعة البحرين الذي يتّصل بأقدم بقعة تاريخيّة وأعرق الحضارات الإنسانيّة التي تتمثّل في موقع قلعة البحرين المُدرج على قائمة التّراث الإنسانيّ العالميّ لليونيسكو عام 2005م، وكذلك متحف قلعة الشّيخ سلمان بن أحمد الفاتح الذي يقع بقلب القلعة التّاريخيّة إيّاها. ليست المتاحف فحسب، بل حرصت الثّقافة كذلك على إلحاق مراكز للمعلومات ببعض المواقع الأثريّة كما في قلعة بو ماهر، التي تمثّل المدخل البحريّ إلى مشروع (طريق اللّؤلؤ: شاهدٌ على اقتصاد الجزيرة). ويمثّل المركز الملحق بالقلعة ذاكرة مكثّفة لتفاصيل المشروع المُدرَج كثاني المواقع على قائمة التّراث الإنسانيّ العالميّ لليونيسكو في العام 2012م، وذلك عبر تجسيم متكاملٍ وخارطة معلوماتيّة تتيح التّعرّف إلى كلّ المعلومات التّاريخيّة حول العمران الثّقافيّ والبيوت التي سيمرّ بها طريق اللّؤلؤ. كذلك فإنّ مركز زوّار شجرة الحياة في الجهة الجنوبيّة من مملكة البحرين قد تمكّن من تكوين نقطة جذب سياحيّ تعتني بالشّجرة كمعلمٍ وطنيّ، ويكرّس لموقعها ملتقى ثقافيًّا، سياحيًّا واجتماعيًّا، حيث تنعقد مجموعة من الفعاليّات أحيانًا. وفي الوقت الحاليّ، تعمل هيئة البحرين للثّقافة والآثار على إنشاء مركز زوّار بموقع مسجد الخميس الأثريّ وذلك بعد استكمال ترميم آثار المسجد. وقد أنهت الهيئة في وقتٍ سابقٍ عمل جميع الدّراسات المختصّة ببناء مركز الزوّار، الذي روعي أثناء تصميمه ألّا يطغى على المكوّنات التّاريخيّة والأثريّة بالموقع. ويتضمّن المركز المزمع إقامته جميع المعلومات والشّهادات التّاريخيّة التي تؤكّد كون مسجد الخميس من أقدم المعالم الإسلاميّة، كما يشمل العمل على الموقع تطوير الممرّات المحيطة بالموقع واستعادة العناصر الجماليّة فيه ليكون أحد أهمّ معالم التّراث البحرينيّ الإسلاميّ. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هيئة البحرين للثّقافة والآثار تسعى لإنجاز مجموعةٍ أخرى من المتاحف ذات صلةٍ بالمعالم والمواقع الأثريّة، من بينها متحف عالي ومشاريع تطوير سلسلة التّلال الأثريّة ومصانع الفخّار في عالي، ومركز زوّار معابد باربار، وذلك ضمن مشاريع الاستثمار في الثّقافة.
مدنٌ قديمةٌ كاملة، وأجزاءٌ من ديارٍ تستعدُّ لاستكمال الحياة التّاريخيّة:
وكما هو الاعتناء بالملامح الأثريّة التّاريخيّة، فقد عمدت الثّقافة إلى الاحتفاظ بالمحيط العمرانيّ لتلك المعالم باعتباره الحاضنة المكانيّة واللّغة المجاورة لتلك المعالم والمواقع الأثريّة، وقد شملت الأعمال الحفاظيّة عددًا من مناطق مملكة البحرين، من بينها: العاصمة البحرينيّة المنامة ومدينة المحرّق القديمة، اللّتان تُعدّان نموذجين إنسانيين وعمرانيين يوثّقان التّراكم الإنسانيّ والحضاريّ للشّعوب المتعاقبة على هذه الأرض، ويتجسّد ذلك عبر بيوت هاتين المدينتين ومبانيهما وتفاصيل عمرانهما، والتي لا زالت تحتفظ بالغنى والجمال الذي يميّز المدينة البحرينيّة القديمة، كما تجسّد شوارعهما ونسيجهما الحضريّ نماذج حيّة، تدوّن تغييرات تلك الأمكنة وتطوّرها بالأثر الإنسانيّ الاجتماعيّ. وقد شكّلت بادرات الثّقافة للحفاظ على معالم هاتين المدينتين خطوات فعليّة من أجل عودة الأهالي إلى تلك المناطق، واستعادة النّسيج العمرانيّ الحيويّ للمدينة، والمحافظة على المكتسبات التّراثيّة المعماريّة والإنسانيّة التي تنفرد بها المنطقة.
كذلك فإنّ موقع سار الأثريّ يحظى باعتناءٍ تامّ بكلّ تفاصيل المكان، الذي يكشف عن واحدٍ من أقدم أشكال المدن السّكنيّة التّاريخيّة التي تعود إلى الألفية الثّالثة قبل الميلاد، وتوثّق دلائل مادّيّة تبرز طبيعة الحياة اليوميّة لسكّان البحرين آنذاك. وقد أدرجت هيئة البحرين للثّقافة والآثار ضمن مشاريعها للاستثمار في الثّقافة مشروع إنشاء متحف ومركز أبحاث مستوطنة سار، والذي سيكون متّصلاً بالموقع، ومتناولاً لكافّة تفاصيله وخصائصه الأثريّة والتّاريخيّة.
الثّقافة تواصل منح الحياةِ للمواقع عبر شراكة مع المجتمع المحلّيّ
وضمن مساعيها، تمكّنت هيئة البحرين للثّقافة والآثار تعزيز وعي الأهالي والمواطنين بالمعالم والمواقع الأثريّة وذلك عبر تعميق الشّراكة المجتمعيّة، وإدماج الأهالي في المشاريع التّرميميّة والحفاظيّة للتّراث الثّقافيّ. ويعكس هذا الجانب الإنسانيّ الاجتماعيّ ضمانًا حقيقيًّا للرّهان الذي يؤكّد أن الحارس الحقيقيّ لهذا الثّراء الحضاريّ هو إنسان المكان ذاته. وقد أنجزت الهيئة بمعيّة المجتمعات المحليّة العديد من تلك المشاريع، من بينها ترميم جامع بوري القديم الذي يُعدّ من أقدم المساجد في البحرين، مسجد المعاودة في مدينة المحرّق القديمة، مسجد العذّار في قرية كرّانة، ومشروع التّنقيب عن مسجد بمقبرة سماهيج، والذي اكتشف الأهالي أطلاله وبادروا إلى التّعاون مع هيئة البحرين للثّقافة والآثار لإبراز القيمة العمرانيّة الأثريّة له.
المركز الإقليميّ العربيّ للتّراث العالميّ
كذلك، فإنّ المركز الإقليميّ العربيّ للتّراث العالميّ شكّل إضافةً استثنائيّة في المنطقة، ونقل الثّقافة من منجزها الوطنيّ، إلى دورٍ عربيّ متكاملٍ، يسعى للحفاظ على القيم الإنسانيّة والثّقافيّة والطّبيعيّة والتّاريخيّة للمواقع والمعالم الأثريّة، مدرجًا إيّاها على الخارطة العالميّة ضمن قائمة التّراث الإنسانيّ العالميّ.
الجدير بالذّكر أنّ العالم يحتفي هذا اليوم (الموافق 18 أبريل) باليوم العالميّ للمعالم والمواقع الأثريّة، وذلك حسبما اقترح المجلس الدّوليّ للمعالم والمواقع الأثريّة الإيكوموس (ICOMOS). وتهدف هذه الذّكرى العالميّة إلى رفع الوعي بأهميّة الحفاظ على التّراث الثّقافيّ لشعوب العالم والتّرويج له. بالإضافة إلى تسليط الضّوء على المصادر التّراثيّة المعرضّة للأخطار.