من المحرق، «عاصمة الفن البحريني»، كما يراها محافظها سلمان بن هندي، كانت «الوسط» تحاور أحد العلامات البارزة لهذا الفن، ممثلاً في الفرق الشعبية، والوجوه المحرقية الشابة القائمة عليها.
حوار، تحدث فيه كلٌّ من رئيس فرقة محمد بن فارس الموسيقية، عارف بوجيري، وعضوي فرقة قلالي للفنون الشعبية سعد بوجفال، وإدريس ربيعة، لينبهوا لحاجة فنون البحر وفنون الفجري، للتوثيق والتدوين، وللحفظ ممّا أسموه «الدخلاء على هذا الفن»، كما بينوا حاجة الفرق أو الدور التي تقدم هذا اللون من الفن، للمزيد من الدعم الرسمي.
يبدأ بوجفال، الحديث عن فرقة قلالي المختصة في فنون البحر وفنون الفجري، وليبين أهمية التفريق بين الفنين، فالأولى (فنون البحر)، هي الفنون التي تؤدى على السفينة من قبل البحَّارة، أما فنون الفجري فتلك التي تؤدى في البر بعد العودة أو «القفال»، وتؤدى في الدور التي هي مقرات للبحارة، وفي الشتاء حين يتوقف الغوص في البحر، يلجأ البحَّارة لفنون الفجري للترفيه عن أنفسهم.
وعن الفنون التي تقدمها فرقة قلالي، يقول بوجفال: «تتنوع هذه الفنون بين البحري، العدساني، الحدادي، المخولفي، والحساوي، وكل هذه الأنواع الخمسة هي من فنون الفجري التي تغنى في البر، ولكل نوع إيقاعه وتنزيلاته الخاصة وحتى كلماته، كما أن لكل نوع «جرحان» خاص وهو عبارة عن موال يسبق الأغنية».
وتمكنت الفرقة التي تشارك في مهرجان التراث السنوي الرابع والعشرين، والذي تقيمه هيئة البحرين للثقافة والآثار في موقع متحف البحرين الوطني، من اجتذاب الزوار، وذلك للاستماع للفنون البحرية التي تقدمها الفرقة الشابة.
يعلق على ذلك بوجفال «نحن كشباب، تعلمنا هذا الفن من مصادره الصحيحة، أي من كبار الفنانين المعروفين من بينهم المرحوم سعد العلان وهو نهام معروف على مستوى منطقة الخليج العربي، وقد جلسنا قبل 30 عاماً، وكنا حينها في وقتها في الـ 15 من أعمارنا، وفي الدار كان تعلمنا بتواجد الفنان علي بوعلوة إلى جانب أسماء أخرى من بينها الفنان إبراهيم سويلم، وقد مكننا هذا من أخذ الفن من منبعه، وعدم الاكتفاء بالسماع كما هو الحال مع بعض الفرق الحالية».
ويضيف «أتذكر حين يبدأ الفنانون الكبار في أغانيهم، كان آباؤنا يسحبوننا من أيادينا لكي نجلس في الوسط، ويعطونا «الطارة» ويدفعوننا بذلك لمحاكاة الفنانين والتعلم منهم».
أما عضو فرقة قلالي إدريس ربيعة، فقد تحدث عن الفنون التي تقدم على ظهر السفينة، مشيراً إلى تنوعها هي الأخرى، وعدد منها: «شيل» أو رفع المرساة، و «الخطفة»، و «اليا مال»، و «الدواري»، و «الجيب»، و «المخموس»، مبيناً أن لكل نوع أو وقت بما في ذلك وقت جلب المحار لتفريغه على سطح السفينة، «نهمة» خاصة به.
بدوره، يعلق رئيس فرقة محمد بن فارس، عارف بوجيري، على سؤال بشأن كيفية اختراع الأجداد لهذه الفنون، فيقول: «هذا الفن بشتى أنواعه، دليل تميز الأجداد، غير أن التنقيب في تاريخ هذه الفنون لا يخلو من صعوبة، على اعتبار أنها ظهرت في فترة زمنية لم تشهد أية حركة للتدوين والتوثيق، لا من حيث التسجيل ولا حتى من حيث المؤرخين، علماً بأننا نتحدث عن مئات السنين».
ويضيف «للأسف، فإن ذلك انتهى ببعض الباحثين لحالة يأس دفعتهم وهم يعملون على استكشاف أصول هذا الفن أو التعرف على رعيله الأول، لنسبها لقصص خرافية مثل الجن، حتى قيل إن في أبوصيبع داراً يسكنها الجن، وكانوا يغنون فيها هذه الأغاني»، معتبراً أن «ذلك دليل عجز عن عملية التنقيب والوصول للرعيل الأول وبسبب ضياع المعلومات لهذه الفنون»، ومشيراً إلى أن «المعلومات المتوافرة، تقول إن هذه الفنون، جاءتنا تدريجياً ووصلت للحد الأخير الذي ورثناه».
وبشأن إمكانية استعادة المعلومات المفقودة والبدء في عملية التوثيق من جديد، يقول: «تتركز المشكلة في الوصول إلى رواد هذا الفن وشخصياته الأصلية، فرحيل هذه الشخصيات يعبر عن خسارة كبيرة، لكن بالإمكان أن يعمل الباحثون وبالاستفادة ممن سبقوهم، على الوصول لنتائج جديدة، وهو أمر قد تساعد عليه الاستعانة ببعض العبارات المنقولة على لسان بعض الشخصيات والتي تم توثيقها، والعمل على تحليلها بما يفيد في إظهار نتائج جديدة».
عطفاً على ذلك، يوجه بوجيري رسالته للباحثين البحرينيين، مطالباً إياهم بالانتباه لهذه الفنون والعمل على إنقاذ ما تبقى من تاريخها.
ويضيف «لا ننكر وجود دعم نسبي لتنشيط عمل الفرق الشعبية، تحديداً تلك التي تمتاز باللون البحري أو الفنون البحرية، والتي هي من أرقى الفنون وأكثرها جاذبية لكل من يأتي للبحرين، ممن لا يجدون مناصاً من الوقوف عند هذا الفن وذلك بسبب احتوائه على إيقاعات طويلة وصعبة، وعلى غناء صعب، وعلى رقصات موزونة وصفقات بالكف، منظمة بشكل ينتج في النهاية تركيبة للوحة واحدة، تختلف فيها الإيقاعات لكنها مع بعضها البعض عبارة عن تركيبة تولد هذا الفن».