عندما سمحت ماليزيا لمئات المهاجرين من الروهينغا والبنغال، الذين تخلى عنهم المهربون وتركوهم يهيمون على وجوههم في بحر أندامان، بالرسو على شواطئها في شهر مايو/ أيار الماضي، انتهت حالة الجمود الدبلوماسي الإقليمي الذي ترك آلاف الأرواح في وضع غير يقيني واستحوذ على عناوين وسائل الإعلام الدولية.
وذكر موقع "إيرين" في تقرير له إنه عقب مرور عام تقريباً على هذه الحادثة، نجحت الحملة الأمنية في تقليص عمليات تهريب المهاجرين والاتجار بالأشخاص في ماليزيا إلى حد كبير. ولكن متاعب مئات اللاجئين الروهينغا، الذين فروا من ميانمار على متن قوارب المهربين أملاً في حياة جديدة، لم تنته بعد ولا يبدو حتى الآن أن أحداً يهتم بهم.
في هذا السياق، قالت إيمي سميث، المديرة التنفيذية لمنظمة تحصين الحقوق Fortify Rights العاملة في مجال حقوق الإنسان في جنوب شرق آسيا: "لقد تمت الإشادة بقيام ماليزيا بفتح حدودها والسماح للمهاجرين بالوصول إلى أراضيها، ولكن ما حدث بعد ذلك هو أنه تم اقتياد الأشخاص الذين كانوا على متن القارب واحتجازهم على الفور".
وبعد طول مداولات، وافقت الحكومتان الماليزية والإندونيسية على السماح للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل بالرسو على الشاطئ ولكنهم تلقوا وعداً بالحصول على ملجأ مؤقت والمساعدة فقط. وأعطت الحكومتان المجتمع الدولي مهلة مدتها 12 شهراً لإعادة توطين أو إعادة ضحايا الأزمة الذين ينتمي أغلبهم إلى الروهينغا.
وفي حين اختار أغلب المهاجرين البنغال، الذين تم إنقاذهم، العودة إلى الوطن، تم احتجاز أكثر من 370 من اللاجئين الروهينغا الذين وصلوا بالقوارب إلى ماليزيا في مركز احتجاز بيلانتيك في منطقة كيداه شمال غرب البلاد. وعادة ما يعتبر المحتجزون الذين تحدد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين أنهم ينتمون لعرقية الروهينغا أن لديهم طلبات لجوء واضحة ومن ثم يتم الإفراج عنهم في غضون أسابيع.
ولأشهر عدة، منعت الحكومة الماليزية كلا من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين والمجموعات الإنسانية، من الوصول إلى مركز احتجاز بيلانتيك. وبحلول شهر أغسطس/ آب، عندما تم السماح أخيراً لموظفي الأمم المتحدة بالوصول إلى هذا المركز، كان العديد من اللاجئين قد أصيبوا بمرض السل، حسبما أفاد ريتشارد تولي، ممثل المفوضية في ماليزيا.
وفي هذا الصدد، قال تولي لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "ما زالت المجموعة كلها رهن الاحتجاز ... البعض عانى كثيراً خلال رحلتهم إلى ماليزيا والعديد منهم كانوا في حالة سيئة حتى قبل مغادرتهم ولاية راخين [في ميانمار]. والآن قضوا ما يقرب من عام كامل في مراكز الاحتجاز القاسية في ماليزيا".
وقد تسببت إصابات بعض المهاجرين بالسل في إطالة العملية البطيئة والمعقدة أصلاً لتحديد وضع اللاجئين، ومن ثم طلبات إعادة التوطين. وأوضح تاولي أن بلدان إعادة التوطين لن تقبل أي لاجئ إلا عقب مضي ستة أشهر من استكمال العلاج من الأمراض المعدية.
أين يذهبون؟
وفي حين وعدت الولايات المتحدة بإعادة توطين عدد غير محدد من اللاجئين، فقد رفضت أستراليا قبول أي منهم.
وأضاف تولي أن "أستراليا ترفض قبول أي لاجئين من الروهينغا ... ونظراً لأن عدد الحالات لا يتناسب مع معايير السياسة الحالية لإعادة التوطين، يتعين علينا أن نبحث خيارات أخرى غير إعادة التوطين".
وعلى الرغم من القيود التي تفرضها الحكومة الماليزية على إمكانية الوصول إلى مراكز الاحتجاز، فقد وصفت المنظمات الإنسانية واللاجئون، الذين قضوا وقتاً في الاحتجاز، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، هذه المراكز بأنها مكتظة وتعج بالأمراض.
من جانبها، تسعى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين إلى إقناع السلطات الماليزية بالإفراج عن اللاجئين والسماح لهم بالعيش في أحد التجمعات الكبيرة للروهينغا في الدولة، ولكن جهودها لم تكلل بالنجاح حتى الآن.
ونظراً لأن ماليزيا وإندونيسيا ليستا من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، فإن اللاجئين الروهينغا يُعاملون كمهاجرين لا يحملون وثائق، وبالتالي ليس لهم أي حق في العمل أو الحصول على الخدمات العامة.
مع ذلك، تعمل الحكومة الماليزية الآن مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين لتطوير برنامج تجريبي يسمح لـ 300 مهاجر من الروهينغا ممن يتمتعون بصفة اللاجئ بالعمل بشكل قانوني، ولكن الأغلبية لا تزال تواجه صعوبات في العيش في ماليزيا.
وهؤلاء يعيشون في أحياء مثل امبانج، حيث تتوفر الشقق السكنية بأسعار معقولة كما توفر الجالية الروهينغية الموجودة منذ فترة طويلة الدعم للوافدين الجدد. ولكن الروهينغا الذين لا يحملون وثائق يقولون أنهم لا يستطيعون العمل سوى في الوظائف الأكثر خطورة وذات الأجور المتدنية. أما الآخرون فيقضون أيامهم يختبئون من مهربيهم، الذين يعيش كثير منهم في نفس المنطقة ويطالبونهم بسداد الديون.
وأضافت سميث: "لسوء الحظ، الأمل في ماليزيا مفقود تماماً ... فالوضع بالنسبة للروهينجا صعب جداً لأنهم يعاملون بالأساس كمهاجرين غير قانونيين لا يحملون وثائق، ويتعرضون للاعتقال، والاستغلال والابتزاز من جانب السلطات الماليزية".
وفي إندونيسيا، اختفى معظم اللاجئين الروهينغا الذين تم إنقاذهم في شهر مايو الماضي قبالة ساحل آتشيه في الشمال من المخيمات المؤقتة التي تستضيفهم. ويُعتقد أنهم قد وضعوا حياتهم في أيدي المهربين مرة أخرى في محاولة للوصول إلى ماليزيا حيث يأملون أن يجدوا فرصاً أفضل للعمل في الاقتصاد غير الرسمي. وفي حين لا يُعرف بالضبط كم عدد أولئك الذين نجحوا في الوصول إلى وجهتهم المبتغاة، فإن بعضهم قد تواصل مع مكتب المفوضية في كوالالمبور وتقدم بطلبات لجوء. ورفض تولي إعطاء أرقام محددة، لكنه أكد أن "نسبة كبيرة من الأشخاص الذين انتهى بهم الحال في إندونيسيا قد توجهوا، بطريقتهم الخاصة، نحو ماليزيا".
حل طويل الأجل
ويوصف المسلمون الروهينغا بأنهم أحد الأقليات الأكثر تعرضاً للاضطهاد في العالم. وبزعم أنهم لا ينتمون إلى مجموعة عرقية أصلية بل مجرد مهاجرين بنغاليين، تقيد حكومة ميانمار ذات الأغلبية البوذية حريتهم في الحركة وتحرمهم من حقوق المواطنة وإمكانية الحصول على التعليم والحق في التصويت.
وعلى الرغم من أن الوضع ما يزال متوتراً في ولاية راخين، حيث ينحصر تواجد معظم سكان ميانمار من عرقية الروهينغا في المخيمات فقط، إلا أن عدداً قليلاً منهم يختارون المغادرة. ويرى كريس ليوا، منسق مشروع أراكان، الذي يُعنى بحقوق الإنسان في تايلند، أن الكثيرين منهم ينتظرون ليروا إن كانت الحكومة الجديدة التي شكلها حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية في ميانمار برئاسة أون سان سو تشي ستعمل على تحسين أوضاعهم. أما الآخرون فربما يكونون قد أرجؤوا السفر بسبب الأخبار الواردة من ماليزيا والتي تفيد بشن حملات أمنية متكررة للقبض على المهاجرين الذين لا يحملون وثائق.
وقال ليوا أن "السكان الروهينغا شبه محاصرين حالياً في ولاية راخين ... مع ذلك، يبدو أن الرغبة في الفرار في الوقت الراهن أصبحت أقل إلحاحاً بسبب الأمل في الحكومة الجديدة ونظراً لتدهور الوضع في ماليزيا".
وفي حين أن النصف الأول من عام 2015 قد شهد استقلال قرابة 33,600 مهاجر من الروهينغا والبنغال قوارب المهربين عبر خليج البنغال وبحر أندامان، إلا أن الحملة الأمنية التي تستهدف شبكات تهريب المهاجرين، والتي حظيت بتغطية إعلامية هائلة، قد قلصت عدد الوافدين بشكل كبير، حيث ذكرت المفوضية أن عدد حالات المغادرة بلغت 1,600 حالة فقط في النصف الثاني من العام. وقد واصل الآخرون السفر براً، عن طريق عبور الحدود التايلندية الماليزية سيراً على الأقدام.
وتقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين أن 370 مهاجراً ولاجئاً من الروهينغا والبنغال قد لقوا حتفهم أثناء محاولتهم العبور بحراً خلال عام 2015. كما تم استخراج رفات أكثر من 220 آخرين من مخيمات الاتجار بالبشر على طول الحدود التايلندية -الماليزية.
وهكذا، يبدو أن عملية بالي، الإطار الإقليمي الذي أنشئ في عام 2002 للتصدي لتهريب البشر والاتجار بهم، لم ينجح كثيراً في معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية. وفي اجتماع وزاري عقد في شهر مارس/ أذار، تعهد زعماء المنطقة بالمزيد من التعاون فيما يتعلق بجهود الإنقاذ والبحث وتوفير الحماية المؤقتة والسبل القانونية للاجئين والمهاجرين.
وتعليقاً على ذلك، قال تولي: "إن أزمة خليج البنغال هي بمثابة جرس إنذار لشعوب المنطقة حول الحاجة إلى المزيد من التعاون ... تُعد عملية بالي خطوة نحو تحقيق ذلك، لكن لا يزال هناك شوطاً [طويلاً] يجب أن نقطعه، وإلا فسوف تتكرر الأزمات والاستجابة نفسها".