من المبادئ الإنسانية الخيّرة، التي تعطى أهمية كبرى في دساتير وقوانين وأدبيات الدول المتقدمة ديمقراطياً في العالم، هو مبدأ التعبير عن الرأي، لما له من دور كبير في تطوير وتنمية المجتمعات الإنسانية، وفي مستوى التشريع والرقابة، وفي مكافحة الفساد الإداري والمالي والأخلاقي، ومن خلال تطبيق هذا المبدأ من عدمه على أرض الواقع تُحدد المجتمعات الديمقراطية من غير الديمقراطية، فلهذا لم يختلف أحد في الدول الديمقراطية في أن التعبير عن الرأي ضرورة ملحة في المجتمعات الإنسانية التي تتطلع إلى تحقيق التنمية المستدامة في كل مناحي الحياة، وقيل إن المجتمعات التي تحرم أفرادها من التعبير عن آرائهم، وتحويله بتعمد إلى خلافات واسعة بين بعض مكونات المجتمعات، وترتيب آثار سلبية خطيرة على من يمارسه، وتوصله أحياناً كثيرة إلى حد الخصومة أو القطيعة أو التنازع بين بعض جهات وأفراد المجتمعات، تكون هذه المجتمعات أكثر عرضة للأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.
لقد ثبت بالدليل القاطع أن المجتمعات التي يتعامل فيها بسلبية مفرطة مع مبدأ التعبير عن رأي، تراها مجتمعات تكثر فيها التراجعات والإخفاقات في الكثير من المجالات والميادين، الاقتصادية والسياسية والتعليمية والاجتماعية والإنسانية والثقافية والفكرية وفي كل زواياها، وأما المجتمعات التي تعطي للتعبير عن الرأي مكانة خاصة في دستورها وقوانينها وأخلاقياتها وأدبياتها، وجعلت منه سبيلاً لترسيخ العلاقات الإنسانية، ولتحفيز روح المبادرة في خدمة الوطن، وتوليد الفرص الكثيرة والمتعددة، لتلاقح الأفكار العلمية والأدبية والدينية ومختلف الثقافات الإنسانية، ليكون سبباً في تطورها وتنميتها بصورة مستمرة.
لا ريب أن مثل هذه المجتمعات الإيجابية تكون أكثر تطوراً ونمواً وتنمية بعشرات الأضعاف من تلك المجتمعات التي تتعامل مع مبدأ الاختلاف في الرأي بحساسية مفرطة، فإذا تحدثنا عن التعامل الإيجابي مع من يمارسون حقهم الدستوري والقانوني في التعبير عن الرأي، الذي كل الشرائع السماوية وفي مقدمتها الإسلام العظيم والذي أكدت عليه المواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، التي وافقت عليها غالبية دول العالم، وتعهدت بتطبيقها وتثبيتها في دساتيرها، وقد شرّعت القوانين لتنفيذها، وحددت من خلالها الأسس القانونية، التي تضمن لأفراد المجتمع ممارسة هذا المبدأ من دون خوف أو توجس.
من المؤكد أن التعبير عن الرأي لا يعني السب والشتم والتجريح، وإنما التعبير عن الرأي يقصد منه النقد الموضوعي للقرارات والإجراءات والآليات والأساليب والسلوكيات والممارسات الخاطئة والمخالفة للقانون، التي تضر بمصالح البلاد والعباد الأساسية، ويلزم أن يكون التعبير عن الرأي مبنياً على أسس أخلاقية ووقائع ومعلومات حقيقية، ويقصد منه تصحيح الأوضاع الخاطئة التي تؤدي إلى إصلاحات عامة في كل الاتجاهات، ولا يكون القصد منه التشهير والانتقاص بأي أحد من الناس، ولا الافتراء والكذب على أية فئة من فئات المجتمع، فثقافة التعبير عن الرأي، إذا ما أشيعت في أوساط أي مجتمع، فإنها ستكون كفيلة في تقليل أو إنهاء التشنجات والتحسسات، وردود الفعل الناتجة من العصبية الفئوية أو المذهبية أو الطائفية أو العرقية بين مختلف الجهات في المجتمع، التي تفتقد إلى الواقعية والموضوعية.
فالتعبير عن الرأي الذي ينتج من الخلافات الشخصية أو المذهبية والعنصرية يكون أداة لتدمير وتخريب العلاقات الإنسانية، التي من المفترض أن تعمل كل الجهات الرسمية وغير الرسمية وشبه الرسمية والأهلية بجد على إبعاد المجتمع عن ممارستها، لما لها من تداعيات خطيرة على السلم الأهلي الذي يطمح إلى ترسيخه كل عقلاء المجتمع، فالمجتمعات التي انساق بعض أفرادها وراء الأصوات المؤججة لمشاعر الناس الدينية والطائفية والمذهبية، والمثيرة للنزعة المذهبية البغيضة، لم تسلم تلك المجتمعات من العبث أو التدمير لحضارتها الإنسانية، وبعد أن ابتليت بالإرهاب المنظم الذي يحرق الحرث والنسل، ويقتل النفس المحترمة تحت مبررات واهية لا قيمة لها لا إنسانياً ولا قانونياً ولا أخلاقياً، طلبت العودة إلى فطرتها الإنسانية التي فطرها الله عليها، فالرشد الإنساني لا يمكن لمن يتمتع به، أفراداً أو جماعات أن يمسوا مشاعر الإنسان العقائدية بأي سوء مهما كان انتماؤه، ناهيك عن الاعتداء عليه جسدياً ومعنوياً ونفسياً ومادياً، نأمل أن نرى كل مجتمعاتنا العربية والإسلامية ممارسة لحقهم في التعبير عن آرائهم بكل أدبياته وأخلاقياته القيّمة، والابتعاد عن كل ما من شأنه المساس بحياة ومعتقدات الناس في كل الأحوال والظروف، وأن يفتح لهم المجال كاملاً للمشاركة الحقيقية في بناء أوطانهم، سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 4971 - السبت 16 أبريل 2016م الموافق 09 رجب 1437هـ
لماذا كلمة الحق توجع .....وشكرا للكاتب