في العام 1967 ذهب والدي (رحمه الله) برفقة والدتي أطال الله في عمرها إلى الحج، وكنت حينها في التاسعة من العمر، ولكني في نفس الوقت كنت ألاحظ مسحة من الفرح على محيا والدتي وهي تتفاخر أمام النسوة اللاتي جئن يودعنها، وأنها ستذهب إلى الحج برفقة حملة السيد جواد الوداعي، كما لاحظت أن الوالد كان هو الآخر لديه هذا الشعور، وكان أيضا يشعر بالاعتبار والقيمة الإجتماعية لكونه سيذهب إلى أداء فريضة الحج أولا وضمن حملة السيد الوداعي ثانيا، وما يعنيه ذلك من أهمية، وهي كذلك فرصة مناسبة للوالد لالتقاء السيد عن قرب والاستفادة من توجيهاته عموما، وفيما يتعلق بمناسك الحج خصوصا، وفي فترة بدأ فيها نجم السيد يتألق، وشهرته تنتشر في الجهات الأربع.
ومع مرور السنوات اتضح لي مغزى أن يلتحق أبي وأمي لأداء فريضة الحج بحملة السيد الوداعي. حيث شرح لي الوالد لاحقا أن حملة السيد جواد هي من أهم وأفضل الحملات على صعيد البحرين في تنظيم سفر الحجيج آنذاك، ومن الحملات التي يتمنى الحجاج أن يلتحقوا بها لأداء الفريضة، لذلك فإنهم يحجزون مع الحملة قبل موسم الحج بمدة طويلة ليضمنوا أماكنهم.
أما أن يتمنى الحجاج أن يلتحقوا بحملة السيد فذلك لعدة أسباب أهمها: شخصية السيد نفسه وما تتميز به من صفات ومناقب شخصية دينية وأخلاقية ونفسية واجتماعية وإنسانية بوجه عام. وهي صفات محببة للجمهور بطبيعة الحال، والحجاج من باب أولى.
هذه السمات وغيرها في شخصية السيد انعكست ايجابيا على إدارة حملة الوداعي، بحيث ساهم ذلك بشكل كبير في السمعة المرموقة التي اكتسبتها، بحيث ساهم ذلك بشكل كبير في الإقبال الكبير على الالتحاق بحملة السيد لأداء مناسك الحج.
وهكذا تكونت لدي فكرة ليس عن حملة السيد - التي توقفت لاحقا - إنما عن شخص السيد نفسه وذلك من خلال علاقة الوالد به، والتي تكونت أثناء فترة الحج من ذلك العام، حيث كان الوالد يصفه لي قائلا: «يمتاز السيد بهدوئه اللافت، ولسانه العف، وتحمله الأذى، وعدم رده على من يسيئون إليه، والإعراض عن الجهلة والقدرة على التحمل والصبر والتوفيق بين المختلفين، واللطف مع الآخرين، والنكتة الخفيفة المحببة إلى النفس، والقلة في الضحك». وشيئا فشيئا تبلورت فكرتي عن السيد مع مرور الوقت.
ومضت الأيام والسنون، وبعد ذلك بسبع سنين، أي في العام 1974 عاد السيد جواد إلى باربار، إلى موطن أجداده للاستقرار فيها بقية عمره. وهو ليس غريبا عليها، إذ إن قرية باربار هي موطن عائلة الوداعي الكريمة، وهي عائلة أصيلة في هذه القرية، ليستقر فيها 42 عاما ويقوم بأداء دوره الديني بالإضافة إلى دوره الاجتماعي والأخلاقي والإنساني في تنمية شئون القرية.
ويمكن القول إن السيد قضى معظم سنوات عمره في قرية باربار - كان عمره 51 عاما عندما قدم إلى باربار - فيما قضى نحو 30 سنة في منطقة رأس رمان، وحوالي عشرين سنة في النجف الأشرف.
عندما عاد السيد الوداعي إلى باربار كانت القرية تمر بمرحلة مهمة وقلقة من تاريخها. لذلك واجه السيد في طريقه ثلاث مشاكل تحتاج إلى حلول من نوع ما، أما هذه المشاكل فهي كالآتي:
الأولى: وقد تمثلت في وجود رجل دين آخر هو الشيخ علي بن أحمد بن مكي (عمي / عم والدي) وقد تزامل معه السيد الوداعي في النجف نحو ثماني سنوات أي منذ مطلع الأربعينات حتى 1948 وهي السنة التي عاد فيها الشيخ علي إلى البحرين بعد 18 عاما من الدراسة الحوزوية. والسيد لا يريد أن يأخذ مكان الشيخ علي أو أن يتقدم عليه فقام السيد بزيارة الشيخ علي عدة مرات لإقناعه بالخروج من عزلته واعتكافه في بيته وتفعيل دوره الديني والاجتماعي في القرية والتفاعل مع الأهالي، لكن الشيخ علي رفض ذلك وظل معتكفا في بيته – لأسباب لا مجال لذكرها هنا - ، ولم يبارحه حتى وفاته في العام 1979. (يتبع)
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"العدد 4967 - الثلثاء 12 أبريل 2016م الموافق 05 رجب 1437هـ
مقالة ممتازة جدا بويعقوب.. سلمت وننتظر الحلقه التالية. وسام
شكرا اشتاذ مقالاتك دائما رائعه