لم يعد خافياً على أحد أنّ المسألة الليبيّة باتت تتحكّم فيها عناصر مختلفة، لاشتباك المصالح الدوليّة وتقاطعها في هذه البلاد التي لم تَعرِف الاستقرار منذ سنوات بحكم عدد الحكومات التي توالت على ليبيا منذ سقوط الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، عام 2011. حكومات بدأت بتأسيس المجلس الوطني الانتقالي في فبراير/ شباط 2011، وانتهت من أيامٍ بإعلان حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، التي تشكلت بعد تسوية سياسية برعاية الأمم المتحدة، في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2015. غير أنّ هذه الحكومة ليست كسابقاتها سواء في حجم التحديات الملقاة على عاتقها، أو في مستوى الفرص السانحة للإقلاع بليبيا، واستعادة مكانتها ودورها الذي يتناسب مع حجمها الإقليمي والدوليّ.
تتوفّر لحكومة الوفاق الوطني، التي انبثقت عن اتفاق سلام وُقِّعَ في المغرب في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فرص عديدة يمكن أن تكون مساعدة لفايز السرّاج ولمجلسه الرئاسيّ؛ إذْ يتمتّع السراج بدعم داخليّ وخارجيّ: فبعد أكثر من عام ونصف العام من حكم سلطة الإنقاذ الوطني التي لم تحظ بمساندة خارجية كبيرة، دخلت حكومة الوفاق العاصمة طرابلس في الـ 30 من مارس/ آذار الماضي، وحظِيَت بدعمٍ سياسي كبير، إذْ أعلنت بلديات مدنٍ في الغرب والجنوب الولاء لها.
كما نالت تأييد المؤسسات المالية والاقتصادية الرئيسية، وهي المصرف المركزي، والمؤسسة الوطنية للنفط، ومؤسسة الاستثمار. وانشقت العديد من الجماعات المسلحة، التي كانت داعمةً لحكومة الإنقاذ عنها لتنضمّ إلى صفّ السراج وتلاشت بالتالي، حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة خليفة الغويل مقابل خطوات ثابتة لسلطة الوفاق المحمَّلة بوعود الإصلاح المالية والأمنية.
وما يحسب لهذه العمليّة السياسيّة الانتقالية مرورها دون مواجهات مسلّحة كبيرة؛ حيث تمّت ترتيبات أمنيّة تمهيداً لمباشرة حكومة الوفاق الوطنيّ عملها؛ فقد جرى اتفاق مع قادة الجماعات المسلّحة يقضي بتهدئة الأوضاع وعدم الدخول في مواجهات، وقد برّرت حكومة الغويل المدعومة من ميليشيات فجر ليبيا قرار انسحابها بحرصها على سلامة الوطن وحقن دماء اللّيبيّين وتغليب المصلحة العليا للبلاد. وقد رأى مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر في تنحّي حكومة الغويل مؤشراً إيجابيّاً. ورأى خبراء آخرون أنّ تخلّي حكومة الإنقاذ عن السلطة هو بداية فعليّة لتوحيد البلاد، كما ظهر مؤشّر إيجابيّ آخر بإعلان اللواء خليفة حفتر استعداده للتعامل مع الحكومة التي تحظى بالشرعية البرلمانية.
أمّا على المستوى الخارجيّ، فتحظى حكومة الوفاق الوطني بدعم المجتمع الدولي وهي المنبثقة عن إرادة دولية في تجنيب المنطقة ويلات التمدد الداعشيّ؛ إذْ يُنتَظرُ من المجتمع الدوليّ أنْ يُقَدِّمَ دعماً للحكومة الجديدة في عدّة ملفّات، أهمّها المساعدة في توجيه هجمات لتنظيم «داعش» خاصة في مدينة سرت، كما سيتعاون في ملف الهجرة غير الشرعية وتأمين حدود ليبيا التي تمتد لأكثر من 4000 كم مع دول الجوار. هذه وغيرها من المساعدات يلخّصها السفير الروسي في مجلس الأمن، فيتالي تشوركين، للصحفيين بقوله: «علينا أن نواصل العمل لضمان وجود أقصى ما يمكن من درجات الوحدة بين مختلف القوى السياسية في البلاد وهو الأمر الذي لم يحدث بعد».
وأمّا السفير الفرنسي فرانسوا ديلاتر، فقد أكد أن دعم الحكومة الليبيّة الجديدة مهمّ في مواجهة تهديد تنظيم الدولة الإسلامية الذي يرسخ وجوده في ليبيا». وتؤكّد باريس أنّها لا تنوي شنّ ضربات جويّة في ليبيا أو إرسال قوات إليها، فقد تحدّث وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك إيرولت، مؤكداً «لا يجوز تكرار أخطاء الماضي. إذا كنتم تفكرون في ضربات جوية وإذا كنتم تفكرون في قوات على الأرض، فالأمر غير وارد، وعلى كل حال هذا ليس موقفنا».
أمّا التحديّات فلا حصر لها؛ إذْ تسلّمَ السرّاج المهمّة وسط أزمة ماليّة تمرّ بها البلاد فقد باتت حكومة طرابلس عاجزة عن دفع الرواتب وخاصة للجماعات المسلّحة ممّا جعل هذه الأخيرة تندفع لتأييد حكومة السراج، وهي تنتظر ما يمكن أن تقدّمه حكومة الوفاق بدعم المجتمع الدوليّ. ويُذكر أنّ بعض الاشتباكات بالأسلحة الخفيفة وقعت في طرابلس تزامناً مع استلام السراج للسلطة، وهذه الاشتباكات دلالة على هشاشة الوضع في المدينة، ولا يستبعد تدهور أكبر ومفاجئ للأوضاع الأمنيّة في العاصمة طرابلس قد ينتشر إلى مدن أخرى تتراوح السيطرة فيها بين ميليشيات مسلحة لكل منها ولاء قد لا يكون الضرورة للوطن. وقد أكّد السرّاج أنه أمام تحدٍّ كبير هو توحيد مؤسسات الدولة الليبية، وتنفيذ حزمة من التدابير العاجلة من أجل التخفيف من معاناة المواطنين الأمنية والاقتصادية، والإسراع في إنجاز ملف المصالحة الوطنية وجبر الضرر.
هذا على المستوى الأمني، أمّا على المستوى السياسيّ فلا تزال الحكومة في انتظار الاعتراف بها والمصادقة عليها من طرف البرلمان المعترف به في طبرق؛ إذْ تشترط الحكومة المستقرة في الشرق حصول حكومة الوفاق على ثقة مجلس النواب المعترف به دولياً قبل تسليمها الحكم.
ويُعتَبرُ التمددُ الداعشيُّ التحدّيَ الأكبرَ لحكومة السراج، ولدول الجوار الليبيّ، وللمجتمع الدوليّ؛ إذْ انتشر آلاف المقاتلين من تنظيم «داعش» في الأراضي الليبية، وبات يتراوح بحسب التقديرات الأميركية بين 4 و6 آلاف مقاتل، حيث تضاعف عددهم خلال الـ18 شهراً الماضية. وأعربت الدول الغربية عن تخوّفها من إمكانيّة سيطرة التنظيم على جزء كبير من الأراضي الليبية، غير أنّ هذا التخوّف يتلاشى إذا أخذنا في عين الاعتبار أنّ الميليشيات الليبية لا يروق لها أن تتدخّل جهات غير ليبية في تقرير مصير بلادها، وعليه فإنّ «داعش» ستكون أمام جبهات كثيرة.
إنّ حكومة السرّاج ستمشي طويلاً على الأشواك، قبل أن تضع نقطة نهاية السطر قبل الأخير من صفحة الأحزان والآلام، التي تراكمت على مدى خمس سنوات. ويُتَوَقّعُ أن يُؤذِن استلامها التامّ للسلطة في ليبيا بفتح عهد جديد من العمل المفعم بآمال استعادة ليبيا أمنها واستقرارها، وإعادة إعمارها وبناء الإنسان الليبيّ كما يتطلّع إليه الشعب الليبيّ وكما يحدّده الدستور الليبيّ الجديد.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4966 - الإثنين 11 أبريل 2016م الموافق 04 رجب 1437هـ
أذا غاب الولاء للوطن، ضاع الوطن
نتمنى للاشقاء في ليبيا مزيدا من التوافق، فدونه ستتعثّر الحياة.
هذا أكيد:
إنّ حكومة السرّاج ستمشي طويلاً على الأشواك، قبل أن تضع نقطة نهاية السطر قبل الأخير من صفحة الأحزان والآلام، التي تراكمت على مدى خمس سنوات. ويُتَوَقّعُ أن يُؤذِن استلامها التامّ للسلطة في ليبيا بفتح عهد جديد من العمل المفعم بآمال استعادة ليبيا أمنها واستقرارها، وإعادة إعمارها وبناء الإنسان الليبيّ كما يتطلّع إليه الشعب الليبيّ وكما يحدّده الدستور الليبيّ الجديد.
لا نقول من اعماق القلوب الا ان شاء الله ولجميع الدول لحفظ كرامة الانسان والانسانية
ا نقول من اعماق القلوب الا ان شاء الله ولجميع الدول لحفظ كرامة الانسان والانسانية .