أقرّ مجلس الشورى في جلسته بتاريخ 27 مارس/آذار 2016 نقل صلاحيات الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية إلى المجلس الأعلى للصحة وذلك بالموافقة على المرسوم بقانون رقم 32 لسنة 2015 المتعلق بتعديل بعض أحكام القانون رقم 38 لسنة 2009 الخاص بإنشاء الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية. وقد اعتبر بعض الأعضاء هذه الخطوة إضعافاً لدور وزارة الصحة وخاصة في مجال وضع السياسات والإجراءات (بوليسيز اند بروسيجرز). في حين رآى البعض الآخر في ذلك خطوةً للنهوض بمستوى الخدمات الصحية في مملكة البحرين.
يستعرض هذا المقال الهيكلة الجديدة للقطاع الصحي في مملكة البحرين، ومدى إمكانيتها في تحقيق الأهداف المرجوة وذلك باستعراض المرجعيات الآتية.
- دليل تقييم الوظائف التنفيذية الصادر في 11 فبراير/ شباط لعام 1992.
- القانون رقم 38 لسنة 2009 بإنشاء الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية.
- القانون رقم 5 لسنة 2013 بإنشاء المجلس الأعلى للصحة .
إن المتتبع لموضوع إعادة هيكلة الخدمات الصحية في مملكة البحرين يلاحظ ما يلي :
في العام 2009 أنشئت الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية بالقانون رقم 38 لسنة 2009. وقد حدّد القانون في مادته الثالثة الهدف من إنشاء الهيئة في مراقبة تطبيق نظم المهن والخدمات الصحية، واقتراح سياسة تطوير نظم الخدمات والرعاية الصحية بالمملكة سواءً في القطاع الحكومي أو الخاص. ونصّ القانون في مادته الرابعة على أن تحل الهيئة محل الوزارة في مباشرة اختصاصاتها في الأمور الآتية: المستشفيات الخاصة – مزاولة غير الأطباء والصيادلة للمهن الطبية المعاونة – مزاولة مهنة الطب البشري وطبّ الأسنان – تنظيم مهنة الصيدلة والمراكز الصيدلية.
وعلى رغم إخضاع الهيئة لسلطة مجلس إدارةٍ يحلّ محل الوزير في مباشرة مهامه وصلاحياته، إلا أن القانون قد منح وزير الصحة سلطة اعتماد أية مقترحات لتطوير نظم الخدمات والرعاية الصحية، مما يعزّز سبل التنسيق بين الوزارة بما تملك من بنى تحتية إدارية وبين الهيئة التي تعوزها هذه الإمكانيات الكبيرة والتي من دونها ليس بوسعها اقتراح سياسات لتطوير خدمات صحية قابلة للتطبيق، لكون مثل هذا التطوير يتطلب دعماً معرفياً لوجستياً وحضوراً ومعايشة مستدامة في صلب العمليات الإدارية في وزارة الصحة.
وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى نموذج التخطيط السليم الذي يستند على برامج عمل يتم تطويرها على مستوى الإدارات وفقاً لتقييم أدائها وتجارب عملياتها الإدارية، ثم تتدرج على الهيكل الوظيفي قبل أن تصل إلى قمة الهرم لدراستها واعتمادها. وهذا النموذج يختلف عن نموذج التخطيط المركزي الذي يجرّد الجهاز التنفيذي من جوهر مسئولياته التنفيذية، بالإضافة إلى افتقار هذا النموذج للمعرفة التي توفّرها تجارب العمليات الإدارية في موقع العمل.
وبالإضافة إلى اقتراح السياسات والنظم، فقد أوكل القانون للهيئة مسئولية رقابية تتعلق بمراقبة تطبيق نظم المهن والخدمات الصحية. وقد أضيف لهذا الدور الرقابي وظائف تنفيذية وإدارية متشعبة وغير متناسقة مع دورها الرقابي متمثلة في تحديد الرسوم، ومنح وتجديد تراخيص المهن الصحية، ووضع قواعد تسجيل وتسعير وضمان جودة الأدوية والعقاقير ودراسة شكاوى المرضى، وتحديد شروط وقواعد استخدام المعلومات في المؤسسات الصحية. وهذه المهام المتشعبة وغير المترابطة تتطلب جهازاً إدارياً كبيراً ونظماً إدارية شاملة واعتمادات مالية كبيرة، إذا ما أريد لها أن تتم خارج منظومة العمل والنظم التي تراكمت في وزارة الصحة على مر السنين.
وإدراكاً لهذه الحقائق، فقد تم ربط الهيئة في قمة الهرم بوزير الصحة الذي أعطته المادة 15 من القانون سلطة الرقابة على الهيئة من حيث التزامها بأحكام القانون، وسياسة تطوير الخدمات الصحية. ومن جهة أخرى فإن مثل هذا الارتباط يمكن الهيئة من الاستفادة من البنى التحتية المتوفرة لدى الوزارة وتجنب الازدواجية والتكاليف المالية الباهظة.
بعد أربع سنوات من إنشاء الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية، صدر المرسوم رقم 5 لسنة 2013 بإنشاء المجلس الأعلى للصحة، وأوكلت له مسئوليات غير مترابطة، تنوّعت بين ما هو تخطيط استراتيجي كوضع الاستراتيجية الوطنية للصحة في مملكة البحرين، وما هو تنظيمي وإداري كتنظيم المؤتمرات الصحية، وإقرار سياسات التدريب في المستشفيات.
وإلى جانب التداخل في المهام مع وزارة الصحة، أضيف تداخلٌ آخر في المهام مع تلك الموكلة للهيئة أيضاً، وخاصةً في مجال السياسات والنظم كنظم المعلومات وعملية شراء الأدوية وتطوير المعايير. وهذه المهام المتشعبة تتطلب بدورها اعتمادات مالية إضافية وقوى عاملة مدربة. وقد تمخض عن هذه الهيكلة استحداث ثلاثة أجهزة رسمية لقطاع الصحة في المملكة تتقاسم في ما بينها مسئوليات ومهام وظيفية متداخلة، ترفع من تكلفة الخدمات الصحية وتربك سبل تقديمها وتطويرها.
وفي محاولةٍ للتخفيف من التداخل بين الأجهزة الثلاثة المعنية بالخدمات الصحية في المملكة، صدر المرسوم بقانون رقم 32 لسنة 2015 والذي نقلت بموجبه صلاحيات الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية إلى المجلس الأعلى للصحة، ما يعني فك الارتباط الوظيفي بين الهيئة ومنصب وزير الصحة وإبعادها بصورة أكبر عن البنى التحتية المتوفرة لدى الوزارة، والتي تعتبر لازمةً لتمكين الهيئة من تنفيذ مسئولياتها. كما يعتبر هذا الإجراء إخلالاً بمبدأ وحدة القيادة (ينيتي أوف كوماند)، والمساءلة (أكونتابيليتي) أمام السلطة التشريعية، والذي أصبح مربكاً في ظل الهيكلة التنظيمية الجديدة.
وعلى ضوء هذه التطورات يمكن استنتاج ما يلي :
- لا جدال بشأن أهمية دور المجلس الأعلى للصحة في مجال التخطيط الاستراتيجي للصحة في مملكة البحرين، وفي وضع السياسات والمعايير الصحية في المؤسسات العامة والخاصة، كما جاء في المادة الخامسة من قانون إنشائه، إلا أن دمج مهام التخطيط ووضع السياسات والنظم والمعايير مع مهام تنفيذية كإصدار التصاريح الطبية وشراء الأدوية والمعدات الطبية، بالإضافة إلى مهام الرقابة في جهاز واحد، يتناقض ومبدأ التجانس والتوازن.
- حدّدت المادة الثالثة من القانون رقم 38 لسنة 2009 الدور الرقابي للهيئة، وهو ما أكّده ممثلو الوزارة أيضاً عند مناقشة القانون في لجنة الخدمات في مجلس النواب، حينما أكّدوا أن فكرة المشروع تأسست على إيجاد هيئة مستقلة تتولى الرقابة وتطبيق المعايير والأنظمة والقوانين على المستشفيات الحكومية والخاصة. كما أكدوا على سلطة الوزير في محاسبة الهيئة من خلال العلاقة الإشرافية. إن دمج هذا الدور الرقابي مع مهام تنفيذية يخل بمبدأ التوازن المتعارف عليه (شيكس أند بالانسيز). وهذا ما عبّر عنه وفد جمعية الأطباء في اجتماع لجنة خدمات النواب حينما تساءلوا عن جدوى مراقبة مقدّمي الخدمات لأنفسهم.
- إن تحويل مهام التخطيط ووضع السياسات ومهام تنفيذية أخرى إلى المجلس الأعلى للصحة، يحصر مسئوليات وزارة الصحة في العمليات الإدارية للمراكز الصحية ومستشفى السلمانية الطبي والمتعلقة بالرعاية الطبية، وتنفيذ حملات التثقيف الصحي والرقابة على الأغذية. ومثل هذه المهام لا ترقى إلى مستوى وزارة وفقاً للتعريف الإداري والتنظيمي المتعارف عليه.
- إن الالتباس التنظيمي الذي أصبح يعتري هيكلة الخدمات الصحية في المملكة يصبح أكثر وضوحاً إذا ما تم استعراض المهام الوظيفية لوزارة الصحة، وهيكلها التنظيمي الذي يضمّ أجهزةً تتعلق بوضع سياسات وإجراءات العمل والخطط. فالهيكل التنظيمي للوزارة يضم أجهزة تنفيذية على مستوى وكيل وزارة وخمسة وكلاء مساعدين، وستا وعشرين إدارةً وقسماً تتوزع مسئولياتها بين الشؤون القانونية والمراجعة الطبية، وإدارة الجودة، والتخطيط الصحي، والصحة العامة، وخدمات التمريض، والعلاقات الدولية، وتسجيل الأدوية ومراقبة جودتها. من هنا فإن نقل السجلات والملفات من وزارة الصحة إلى الهيئة كما نصّت عليه المادة رقم 17 من قانون إنشاء الهيئة، لن يكون مجدياً من دون نقل نظم العمل والمهارات والموارد المالية. إن استحداث أجهزة تنظيمية تنفيذية إضافية في ظل هذا التداخل والازدواجية في المهام، لا يربك عمل إدارة الأجهزة المعنية بتقديم وتطوير مستوى الخدمات الصحية فقط؛ بل يحمّل ميزانية الدولة تكاليف باهظة لا مبرّر لها.
إن الحل السليم لمعالجة هذه الإشكالية التنظيمية هو أن يقتصر دور الهيئة على الرقابة والتدقيق على جودة الخدمات، وأن يكون دور المجلس الأعلى للصحة تطوير ووضع الاستراتيجية الصحية لمملكة البحرين على المستوى الوطني (الماكرو).
- أن تكون وزارة الصحة مسئولةً عن وضع السياسات والخطط الصحية على المستوى الجزئي (المايكرو)، وتنفيذ البرامج والخطط. ولتحقيق مبدأ المساءلة، يكون وزير الصحة مساءلاً أمام السلطة التشريعية عن أداء وزارته، ووفقاً لتقارير التقييم والتدقيق والرقابة التي يصدرها المجلس الأعلى للصحة ممثلاً في الهيئة .
- بعد أن تمّ دمج الهيئة في المجلس الأعلى للصحة، تنتفي الحاجة لوجود مجلس إدارة منفصل لكل منهما، لذا وجب إعادة تشكيل المجلس الأعلى للصحة ليكون ممثلاً عن القطاعات المعنية بتقديم الخدمات الصحية في القطاعين العام والخاص، على أن يضم المجلس في تشكيلته كفاءات في مجال الطب والتمريض والقانون وإدارة المستشفيات والمالية والإدارة والاستثمار، وأن يراعى مبدأ التكافؤ في التمثيل .
- أن يكون التنسيق بين المجلس الأعلى ووزارة الصحة وفق آلية واضحة تتكامل من خلالها جهود المجلس الأعلى مع وزارة الصحة، في توليفةٍ تمنع الازدواجية والتداخل، وتحقق أهداف التنمية، وتجعل من البحرين مركزاً للاستثمار في الخدمات الصحية، وتحقّق للمواطن ما يصبو إليه من أمن في المجال الصحي .
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 4965 - الأحد 10 أبريل 2016م الموافق 03 رجب 1437هـ
يقال العِبره عبر العَبره في يوم أو ليوم لا ينفع فيه لا جاه ولا مال ولا مناصب ولا اولاد ولا بنات ولا صبيان ولا .. ولا ... فيقال من جد وجد ومن سار على الدرب وصل الى طريق مسدود. فهل تعاد الكرة مرة بعد مره