يذكر أوشو في كتابه «الإبداع» قصة ملك ذهب ليتعلم فن العناية بالحدائق لدى أحد المعلمين المعروفين بدقتهم وبراعتهم، وكان للملك حديقة جميلة يعمل بها آلاف الجنائنيين، فكان يطبق ما تعلمه خلال فترة ثلاث سنوات على هذه الحديقة، كي تبدو بالشكل الأمثل، وبالفعل أصبحت الحديقة بعد ثلاث سنوات نامية ومكتملة، فدعا الملك معلمه كي يرى ثمار تعليمه ويشاهد حديقته.
كان المعلّم يتجول في الحديقة وعلامات عدم الرضا باديةً على وجهه، فتملك الخوف الملك خصوصاً أن معلمه كان يهز رأسه كلما شاهد جزءًا منها، ويقول لا بصوتٍ مسموع، فسأله الملك: ما المشكلة يا معلّمي؟ هل هناك خطأ ارتكبته؟ لقد طبقت كافة إرشاداتك وتعليماتك حتى غدت حديقتي جنة. فقال المعلم: «إن الحديقة في غاية الكمال لدرجة أنها تبدو ميتة، لذلك هززت رأسي وقلت «لا» عند كل مكان أراه، فأين الأوراق اليابسة؟ لم أرَ أي ورقة صفراء في الممرات أو في الأشجار؟ فأجاب الملك أنه طلب من الجنائنيين أن يزيلوها جميعاً، فقال له المعلم: ولهذا تبدو الحديقة باهتةً ومصنوعةً من قبل الإنسان، ما يصنعه الله لا ينتهي ولا يكتمل.
ثم ذهب وأحضر أوراقاً يابسة في دلو ونثرها في الحديقة، فأخذتها الرياح ووزّعتها في الأرجاء، وبدأت تتحرك وتصدر أصواتاً وموسيقى وقال: «الآن أصبحت الحديقة ناطقةً. لقد كانت ميّتةً وصامتةً كقبر».
في كثير من الأحيان نسعى للكمال ونحن نعلم أننا لن نصل إليه إلا بشق الأنفس وبكثير من الجهد، وربما لن يسعنا الفرح أو الشعور بالسعادة حين ندركه، هذا إن أدركناه فعلاً؛ لأن الكامل هو الله وحده، وما نظنّه كاملاً قد يراه غيرنا ميتاً لا روح فيه كما في القصة أعلاه.
نقضي حياتنا في البحث عن اللحظة التي نصل فيها إلى ما نريد، نلهث ونعمل وننسى الحاضر؛ لأننا نفكر طوال الوقت في مستقبلنا الذي ربما لن ندركه، فنخسر حاضرنا ومستقبلنا ولا نملك من وقتنا وحياتنا شيئاً.
وهو ما أثبتته تجارب الكثيرين حين سئلوا عن الحكمة التي يودون إيصالها لغيرهم بعد النجاح الذي حقّقوه في حياتهم، ليقولوا: تمنينا لو يعود الزمن لننعم بحياة هانئة مع أسرنا وأصدقائنا بعيداً عن اللهاث والجري وراء ما حققناه اليوم، والذي كان من الممكن أن نجده في تلك اللحظات بشكل أو بآخر.
لا أدعو إلى الخنوع والاستكانة إلى الظروف الآنية التي لن توصلنا إلى النجاح، لكنني أدعو إلى استثمار كل لحظة من حياتنا استثماراً لا يمنعنا من الاستمتاع بها؛ أن نعيش لحاضرنا كما نفكّر في مستقبلنا؛ وأن ندرك أن النجاح هو ألا نخسر عمرنا في السباق مع الزمن من غير الاستمتاع بما وهبنا الله، بحجة أن الحياة قصيرة، وأننا نريد تحقيق كل شيء كما نحلم، فنخسر ثلاثة أرباع حياتنا في الركض وراء المجهول الذي ربما لا يأتي.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4965 - الأحد 10 أبريل 2016م الموافق 03 رجب 1437هـ
صباح الخير استاذه سوسن، انا من المتابعين لمقالاتك. أجد فيها الابداع والقدرة على توصل الفكرة للقارئ باسلوب ممتاز، خصوصا تلك التي تتناول تجارب البشر في الحياة. اتمنى لك كل التوفيق.
صوت موسيقى كل صباح مع مقال شيق كفيل بيوم جميل!
ولك الساعة التي أنت فيها
وتمتع بالظل ما دمت فيه * لا تخف أن يزول حتى يزولا
ف. ع
جميل جدا
زائر
مقال اكثر من رائع