في فبراير/ شباط الماضي، أتمّ متحف قلعة البحرين عامه الثامن، توج خلالها «حميمية» الموقع الأثري «الأبرز في مملكة البحرين والخليج العربي»، على حد تأكيدات خبير الآثار عبدالعزيز صويلح.
وبفضل ثلاثية المتحف، الممشى، والكفتيريا، بات الموقع أنموذجاً في اجتذاب السياح، مصحوباً ذلك بدعوات لهيئة البحرين للثقافة والآثار باستنساخ التجربة في عشرات المواقع الأثرية، والتي يتصل عدد منها بحضارة دلمون، قبل أكثر من 4 آلاف عام.
«الوسط» زارت الموقع الذي استعاد حيويته، بفضل موقعه الاستراتيجي الذي يعانق أمواج الشمال، وبفضل جهوزيته لاستيعاب مرتاديه.
جهوزية، عمادها المتحف الذي صمم على هيئة 3 طبقات، تحكي من خلاله ما تتضمنه من لقىً أثرية وصور ومعلومات، العصور الثلاثة المتعاقبة على الموقع، وتشمل دلمون، ثم تايلوس، وأخيراً الحقبة الإسلامية.
ويوثق المتحف لأهمية أحد المواقع الأثرية الرئيسية في شبه الجزيرة العربية، والذي لا يقتصر على القلعة الضخمة، حيث يشكل تلاً فعلياً تبلغ مساحته 17.5 هكتار، فيما تشهد طبقاته الأثرية المتراكمة على ارتفاع 8 أمتار على تاريخ طويل ممتد منذ الإقامة الأولى للإنسان فيه نحو 2200 قبل الميلاد، حتى هجران الموقع تدريجياً نحو القرن 17 ميلادي.
أهمية الموقع، يوضحها المتحف بالإشارة إلى أن الموقع الذي بقي لعدة آلاف من السنين المرفأ الرئيسي للجزيرة، كان أيضاً مركز عاصمة بلاد دلمون التي تعتبر أهم حضارة في الخليج القديم، وذلك من نهاية الألف الثالث إلى منتصف الألف الأول قبل الميلاد، ثم أصبح أحد أهم حواضر الجزيرة في الحقبة الهلينستية.
وبحسب منشورات المتحف، فإن الموقع المحصن في العصور الإسلامية صار موضع تنافس دولي شديد، تشهد على ذلك التعديلات المتعاقبة التي أدخلت على القلعة.
وبالرغم من بعض الفجوات، فإن كل طبقة من طبقات التل الأثري سجلت بإخلاص الفترات المختلفة في تاريخ الجزيرة التي استقلت طوراً وخضعت طوراً لسلطة جيرانها الأغنياء، رافديين أو فرس.
ويضم المتحف لقىً أثرية، تشمل الأختام المصنوعة من الحجر الطري، والتي تمثل جزءاً من الأدوات الأكثر شهرة والأكثر تمثيلاً لحضارة دلمون، فخلال تنقيبات السور الشمالي لقلعة البحرين، العام 1957م، كشفت البعثة الدنماركية عن العينات الأولى التي عثر عليها في جزيرة البحرين، ليتبع ذلك اكتشافات مماثلة في أماكن أخرى من الموقع.
بجانب ذلك، يوثق المتحف لما يعرف بـ «بورشة صهر النحاس»، فخلال العصر الحديدي الذي تنتمي إليه تاريخياً حقبة دلمون الحديثة في الألف الأول قبل الميلاد، كان النحاس والبرونز مستخدمين على نطاق واسع في قلعة البحرين، ففي الفترة من 550 – 500 قبل الميلاد تقريباً، كانت هناك ورشة إنتاج في قلب المبنى الإقامة الكبير الذي كشف عنه في وسط الموقع، فقد اكتشفت هناك العام 1964م، منشأتان لصهر النحاس.
ومن دلمون لتايلوس، ينتقل المتحف بزائريه، محدثاً إياهم عن ما حدث العام 325 قبل الميلاد تقريباً، حين بلغت إحدى حملات الاسكندر الأكبر البحرية جزيرة البحرين الرئيسية، واعتباراً من تلك اللحظة حملت الجزيرة اسم تايلوس. وقد عرفت في تلك الفترة مرحلة ازدهار استثنائية، وتمثل البقايا المعمارية المعاصرة لقلعة البحرين إحدى التجمعات السكنية القليلة التي تعود إلى تلك الحقبة والتي تم الكشف عنها حتى الآن في الجزيرة.
وعلى الرغم من ان التنقيبات في الطبقات السكنية التي تعود لحقبة تايلوس ما زالت حتى الآن قليلة، إلا أن الاكتشافات القليلة تعكس صورة مجتمع متعدد الثقافات حيث كان يتجاوز الأشخاص المنحدرون من سكان دلمون القدماء.
وانتقالاً للحقبة الإسلامية، يضم الموقع عن «المدينة الخامسة»، والتي اكتشف فيها مجموعة من المباني المبنية بالحجارة الصغيرة والممسوحة بمادة الجص، لتمثل هذه المباني منازل صغيرة يتكون كل منزل من غرفتين وحمام ومدبسة وفناء، كما تم اكتشاف سوق مركزي يضم مجموعة من الدكاكين المتقابلة التي تمتد من الشرق إلى الغرب. ويحتفظ المتحف، بقطع أثرية تتحدث عن الحقبة الإسلامية، من بين ذلك الخزفيات والقطع التي صنع الكثير منها في البحرين، وتشمل جرار عسل التمر، طاسات الماء، كؤوس مزخرفة مزججة بيضاء، سوداء وزرقاء (تقليد لقطع الخاليد).