انتقلت إلى رحمة الله تعالى طالبتي عهود الرخيمي، عن عمر يناهز الـ 28 عاماً، ولن أتحدث عن فقدها أو الحزن على طريقة موتها، ولن أتحدث عن القدر، فنحن راضون بقدر الله خيره وشرّه، والموت من القدر الشر ولكنّه محتوم ولا مفر منه، وسأتحدث اليوم عن لمحة من لمحات عهود الجميلة عندما كانت طالبةً في مدرسة الاستقلال التجارية للبنات.

عهود التي أعرفها كانت طالبةً مجتهدةً، وكانت رحمها الله طالبةً مرحةً، مبتسمةً دائماً، في السرّاء والضرّاء، ولم تكن ممّن يبدأ كلامه بالسلبيات، بل كانت فتاة إيجابية إلى أبعد الحدود، وكانت ذات شخصية متّزنة لا تعرف للألم ولا الملل ولا الكسل طريقاً أبداً.

عندما نخسر إحدى طالباتنا، فإننا لا نخسر هذه الطالبة، بل إننا نخسر ابنة عشنا معها 3 سنوات، بحلوها ومرّها. نعم، الألم كبير، ولكن الذكريات الجميلة التي تركتها عهود في حياتنا كانت أكبر، كانت ابنة لا تزال في ذهننا ولن تغيب عنّا.

أتذكّر أوّل مرّة حدّثتني عن الطاقة الإيجابية عندما كانت في الصف الأوّل الثانوي، فكانت تقول لي مهما صعبت الأمور لابد أن ننظر إلى الجانب الايجابي فيها، ولابد أن نسعى من أجل الوصول إلى أهدافنا.

هذه البنت الصغيرة علّمتني الكثير، لا تعبس أبداً، وما أجمل أن نتذكّرها بما تحب، تلك الابتسامة التي لا تُنسى ولم تتغيّر عبر الزمن، فكنتُ أراها في مكانٍ عامٍ مثلاً، وأجد تلك الابتسامة من بعيد تهرع محيّية وسعيدة للقائي، وما أروعها من ابتسامة.

في آخر كلمات لها في الكتاب السنوي المدرسي لسنة 2004-2005، لم تنس عهود أحداً إلاّ وذكرته، فشكرت والدتها ووالدها على العطاء اللا متناهي، وخالها وخالاتها، وأخواتها وصديقاتها، ومن ثمّ كتبت «أقول (حق) الكل تحمّلوا تنسوني في يوم من الأيام، وتذكّروني دايماً بالخير».

نعاهدكِ يا عهود ألاّ ننساك، وكيف ننساكِ وأنتِ بسنّك الصغير علّمتنا بأنّ الحياة قصيرة، وأنّ الموت حق علينا جميعاً، وأنّ ما يبقى بيننا هو العشرة الطيّبة والمعاملة الحسنة والابتسامة التي لا تذهب عن الوجه.

نعاهدكِ يا عهود كذلك بأنّ نبقى على تواصل مع أمّك الحبيبة، وأن نتذكّركِ بالخير دائماً، فلقد نشرته بين أصحابك ومعلّماتك في يوم ما، واليوم لا يبقى إلاّ الدعاء لك، والصدقة التي تصل لقبرك.

رحمكِ الله ألف رحمة يا ابنتي الغالية، واعلمي بأنّكِ كنتِ ومازلتِ في قلوبنا جميعاً لا تغيبين، وليجعل الله قبركِ روضةً من رياض الجنّة، وليبعثك الله يوم القيامة مع الشهداء والصدّيقين، ولقد غبتِ عنّا بالجسد ولكنّك لم تغيبي في الذكرى، وهذه الأخيرة هي ما تبقى. وجمعة مباركة.