قالت منظمة هيومن رايتس ووتش اليوم الخميس (7 أبريل/ نيسان 2016) أن سكان مدينة الفلوجة المحاصرة يتضورون جوعا.
وأضافت "على قوات الحكومة العراقية السماح بسرعة بدخول المساعدات إلى المدينة، وعلى تنظيم (الدولة الإسلامية) المتطرف، المعروف بـ (داعش)، والذي استولى على المدينة أوائل 2014، السماح للمدنيين بالمغادرة."
وقال نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جو ستورك: "سكان الفلوجة يواجهون الجوع بسبب الحصار الذي تفرضه الحكومة وداعش. على الأطراف المتحاربة ضمان وصول المساعدات إلى المدنيين."
ومن جهة أخرى قال 3 مسئولين عراقيين إن القوات الحكومية قطعت طرق الإمدادات إلى المدينة منذ أن استعادت منطقة الرمادي القريبة، عاصمة محافظة الأنبار، أواخر ديسمبر/كانون الأول 2015، ومنطقة الجزيرة الصحراوية شمالي الفلوجة في مارس/آذار 2016. لا يزال عشرات الآلاف من المدنيين عالقين في المدينة التي يزيد عدد سكانها على 300 ألف نسمة.
ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من الوصول إلى الفلوجة، وصار من الصعب جدا الحصول على معلومات من السكان المتبقين نظرا لحظر داعش استخدام الهواتف المحمولة والإنترنت. يمكن للسكان أحيانا التقاط إشارات خلوية ليلا، حيث يردون على بعض رسائل النشطاء الحقوقيين في بغداد والذين حصلت منهم هيومن رايتس ووتش على معلوماتها. تمكنت هيومن رايتس ووتش مؤخرا من التحدث مع أحد سكان الفلوجة و7 آخرين من المنطقة على اتصال مع مقيمين هناك.
وقال نشطاء عراقيون على اتصال بعائلاتهم في الفلوجة إن الناس باتوا يتناولون الخبز المصنوع من نوى التمر وحساء العشب. يُباع ما تبقى من الطعام هناك بأسعار باهظة. قال أحد السكان إن كيس 50 كيلوغرام من الطحين يباع بسعر 750 دولار، وكيس السكر بـ 500 دولار، بينما في بغداد، على بعد 70 كيلومترا شرقا، تباع نفس الكمية من الدقيق بـ 15 دولار والسكر بـ 40 دولار. في أواخر مارس/آذار 2016، قال مصدر طبي في الفلوجة لـ هيومن رايتس ووتش إن المستشفى المحلي يستقبل أطفالا جوعى بشكل يومي، ومعظم المواد الغذائية لم تعد متوفرة مهما كان ثمنها.
وزود مسئول عراقي، في اتصال مع بعض عائلات الفلوجة، هيومن رايتس ووتش بقائمة من 140 شخصا، أغلبهم مسنون وأطفال، قال إنهم لقوا حتفهم خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب نقص الغذاء والدواء. لم يرغب المسؤول في نشر أسماء القتلى خوفا من أن يعاقب داعش، الذي يمنع الناس من الاتصال بخارج المدينة، أقاربهم.
سعت حملة جديدة باسم "الفلوجة تُقتل جوعا" للفت الانتباه إلى تأثير الحصار. في أحد مقاطع الفيديو التي قدمها نشطاء مقيمون في بغداد لـ هيومن رايتس ووتش، تظهر امرأة مجهولة الهوية تقول إنها من الفلوجة وأن أولادها يموتون جوعا لعدم وجود الأرز أو الطحين – أو حتى التمر المحلي – مع نفاذ طعام الأطفال من المشافي.
عرض حساب فيسبوك "فلوجة مدينتي" شريط فيديو يوم 23 مارس/آذار 2016، تظهر فيه جثث هامدة في الماء. قال نشطاء في بغداد، إنه يُظهر أما أغرقت نفسها مع طفليها لأنها لم تستطع العثور على الطعام. أيد ناشط آخر من الفلوجة، مقيم الآن في كردستان العراق، ما جاء في الحساب بناء على معلومات من أقاربه ممن لا زالوا في الفلوجة.
قال "برنامج الأغذية العالمي" في 24 مارس/آذار إنه "يشعر بالقلق إزاء حالة الأمن الغذائي في الفلوجة المحاصرة، مع عدم توفر المواد الغذائية في الأسواق".
وقال مسئولان عراقيان ومصادر أخرى إن القوات العراقية الحكومية و"قوات الحشد الشعبي"، وهي قوة مساعدة شبه عسكرية، منعتا وصول شحنات المواد الغذائية وغيرها من السلع إلى المدينة. لم تستجب وزارة الدفاع وقيادة العمليات المشتركة في بغداد ولجنة التعبئة الشعبية لطلبات هيومن رايتس ووتش بالحصول على تعليق.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن المدنيين داخل الفلوجة لم يتمكنوا من مغادرة البلاد. قال محام عراقي لديه اتصالات هاتفية مع مقيمين في المدينة إن داعش أعدم في 22 مارس/آذار رجلا لمحاولته المغادرة قبل يوم. أضاف: "ذهب الرجل مباشرة إلى نقطة تفتيش لـ داعش قائلا إنه يريد المغادرة لأنه لا يستطيع تحمل الوضع أكثر. اقتاده داعش إلى المدينة وأعدمه".
وأبلغ 3 أشخاص، على تواصل مع الفلوجة، هيومن رايتس ووتش أواخر فبراير/شباط أن داعش أعدم عائلة حاولت المغادرة. لما ثار أقاربها ضد داعش، سُجن منهم أكثر من 100 رجل. أكد صحفي لديه مصادر داخل الفلوجة أن داعش يمنع الناس من المغادرة ويعاقبهم على ذلك. في 30 مارس/آذار، قالت قوات الحشد الشعبي إن داعش أعدم 35 مدنيا في الفلوجة لمحاولتهم الهرب.
قال جو ستورك: "يُظهر تنظيم الدولة الإسلامية تجاهلا تاما لحماية المدنيين في الصراعات. عليه ألا يضيف تجويع الناس لسجله البائس، وأن يسمح فورا للمدنيين بمغادرة الفلوجة".
وقالت نائب ممثل الأمم المتحدة الخاص في العراق، ليز غراندي، ، في 20 فبراير/شباط: "يحاول الناس مغادرة المدينة، لكنهم ممنوعون من ذلك." قال مسؤول محلي لـ هيومن رايتس ووتش في 25 مارس/آذار إن الحكومة فتحت 3 طرق لخروج المدنيين من الفلوجة، وهو ما أكده محافظ الأنبار صهيب الراوي في تقرير نُشر في صحيفة الصباح في 29 مارس/آذار. مع ذلك، قال نشطاء في بغداد إن داعش مازال يمنع المدنيين من المغادرة.
لا تمنع قوانين الحرب حصار القوات العسكرية المتحاربة؛ إلا أنها تمنع تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، وتعتبره جريمة حرب. على الجانبين أيضا اتخاذ جميع الخطوات الممكنة لإخلاء السكان المدنيين من المناطق المجاورة للأهداف العسكرية.
يُحظر على أطراف النزاع مهاجمة الأعيان التي لا غنى عنها لحياة السكان المدنيين، مثل المواد الغذائية والإمدادات الطبية والمناطق الزراعية ومرافق مياه الشرب. كما أن عليهم تسهيل تقديم المساعدات الإنسانية بسرعة ودون عوائق إلى جميع المدنيين المحتاجين. لا يجوز المنع المتعمد للمساعدات الإنسانية أو تقييد حرية حركة موظفي الإغاثة الإنسانية.
في 1998، قال العراق "للجنة الدولية للصليب الأحمر"، ضمن التزامه بتطبيق قوانين الحرب، إن عدم استخدام حظر الغذاء والدواء كسلاح من قبل أحد الأطراف المتنازعة هو مبدأ ثابت وراسخ من قبل القوات المسلحة العراقية في النزاعات المسلحة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن المدنيين في الفلوجة تضرروا أيضا كثيرا بسبب القتال. بحسب سكان محليين، نفذت الحكومة هجمات بالطائرات والمدفعية أسفرت عن مقتل مدنيين. ذكر جيران لأحد سكان الفلوجة سابقا إنه يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، قتلت القنابل 12 شخصا في الحي الذي يسكن فيه، بينهم 9 أطفال. قال قريب أحد موظفي المستشفى لـ هيومن رايتس ووتش إن قنابل جوية أصابت مشفى الأطفال في الفلوجة في 13 أغسطس/آب، ما أسفر عن مقتل عدة أشخاص. قال مصدر طبي في المدينة – لم يتسنى لـ هيومن رايتس ووتش التأكد منه – إن 5769 مقاتلا ومدنيا أصيبوا منذ يناير/كانون الثاني 2014، وقُتل 3455 آخرون، ربعهم نساء وأطفال.
قال جو ستورك: "الصورة الإنسانية في الفلوجة قاتمة وتزداد قتامة. هناك حاجة لمزيد من الانتباه الدولي للبلدات والمدن المحاصرة، وإلا فإن المدنيين سيواجهون نتائج كارثية."