العدد 4961 - الأربعاء 06 أبريل 2016م الموافق 28 جمادى الآخرة 1437هـ

القمة الإنسانية العالمية منصة مهمة جدًا لتناول التحديات التي تواجهها المنظومة الإنسانية

مولود جاويش أوغلو

وزير خارجية الجمهورية التركية

(كلمة بمناسبة القمة الإنسانية العالمية التي ستعقد في إسطنبول في 23 – 24 مايو/أيار 2016)

رغم الصدمة والغضب اللذين يسودان كافة أنحاء العالم، فإن طريقة الموت المأساوية للطفل أيلان الكردي في الصيف الماضي قد غيّرت من الأوضاع قليلاً. وإذا ما زال بالإمكان أن نتحدث عن هذا المفهوم فإن هذا الوضع يعتبر انتقاداً مؤسفاً ومؤلماً للإنسانية جمعاء.

وقوة المشاهد ووسائل التواصل الاجتماعي ذات التأثير الفعال للغاية والتي تهدف إلى الشهرة، تبدو وكأنها فقدت فعاليتها عندما يتم الحديث عن حشد المساعدات لمن أسعفهم الحظ. وفي حقيقة الأمر، فقد الكثير من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء حياتهم منذ وفاة أيلان قبل ستة أشهر، حيث كان بالإمكان الحيلولة دون وفاتهم جميعاً.

صحيح أننا نواجه أكبر أزمة إنسانية لم نشهد لها مثيلاً منذ الحرب العالمية الأخيرة، ولكن لا يمكن أن نجد أي مبرر للصمت العالمي السائد حالياً. وفي الوقت الذي تعتبر فيه الكوارث الطبيعية الكبيرة سبباً مهماً لحدوث الوفيات وعمليات النزوح، إلا أن غالبية الأزمات الإنسانية المقلقة هي تلك الأزمات المتعلقة بالنزاعات والتي تدوم لمدةٍ طويلةٍ من الزمن. ولا يبدو هذا الأمر واضحاً في أي مكان آخر مثلما هو واضح وجلي في سورية.

وإضافة إلى سورية، نجد أن الأزمات الإنسانية التي يشهدها الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا والمناطق الأخرى، قد تجاوزت كل الحدود. واليوم، يوجد نحو 125 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بحاجةٍ إلى المساعدات الإنسانية. وأعداد النازحين البالغ 60 مليوناً، ارتفع ليصل إلى الضعف في غضون عشرة أعوام فقط. وتعتبر هذه الأعداد بمثابة دليل على تعقد الأزمات الإنسانية، وعدم كفاية الكفاح الذي نخوضه في مواجهة هذه الأزمات، وعدم رغبتنا في خوض المزيد، والعجز المالي الذي يتعمق بين الاحتياجات المتزايدة والمصادر المحدودة.

يتوجب علينا القيام بشيء ما. وتركيا في هذا الصدد لا تشكل أنموذجاً فقط، بل تعتبر رائدةً على صعيد العمل الذي يدفع المجتمع الدولي إلى التحرك.

وإضافة إلى كونها دولة مانحة كبيرة، فإن تركيا اليوم تستضيف أكبر عدد من اللاجئين (أكثر من 2.7 مليون لاجئ). وتعتبر الحرب التي تشهدها سورية السبب الأكبر لذلك. وتأمين الخدمات المعيشية اليومية كالخدمات الصحية والتعليمية والمهنية، وتأمين المأوى، يشكل عبئاً مالياً كبيراً اضطرت تركيا لتحمل القسم الأكبر منه بمفردها.

وإضافةً إلى ذلك، لا تعتبر الدبلوماسية الإنسانية التي نتبعها مقيدة بالمناطق القريبة منا فحسب. فاعتباراً من القرن الخامس عشر استقبلت تركيا المدنيين العزل دون تمييز بينهم من حيث العرق أو الإثنية أو المنطقة التي ينتمون إليها، وهي اليوم تستجيب لكافة أنواع الأزمات الإنسانية انطلاقاً من هايتي وصولاً إلى نيبال، ومن غينيا إلى الصومال، ومن الساحل الإفريقي إلى إندونيسيا. والجهود الإنسانية التي نبذلها لا ترمي إلى إزالة الأعراض فحسب، بل تهدف إلى معالجة هذا المرض أيضاً. وهذه المقاربة المتكاملة تشمل المساعدات الإنسانية والدعم التنموي على حد سواء، وتهدف إلى معالجة الأسباب والعوامل الرئيسية التي أدت إلى اندلاع الأزمات الإنسانية. وترتكز هذه المقاربة إلى الطلب، بحيث يمكن ملاحظتها بشكل واضح وجلي في دول الساحل الإفريقي والصومال التي تتبع فيها تركيا سياسة متكاملة ومتعددة الأبعاد. وتقوم المساعدات الرسمية بالجمع بين أوساط الأعمال والمجتمع المدني، وتحقق النجاح في تحسين الكثير من أوجه الحياة إلى حد كبير جداً.

وتكتسب الجهود الفردية أيضاً أهمية بقدر الأهمية التي تكتسبها الجهود التركية، إلا أن المنظومة الإنسانية الدولية تبقى محرومةً من الصناديق القائمة، وتبدأ عقارب الساعة بالدوران في غير مصلحة الأشخاص المتأثرين من الكثير من الأزمات التي نشهدها على صعيد العالم. وبعبارةٍ أخرى، هناك أعداد كبيرة من الناس الذين تتهدّد الأخطار حياتهم، وعدم الاكتراث بهم والصمت تجاههم لا يعتبر خياراً.

وفي هذه اللحظة الحرجة، ستستضيف إسطنبول يومي 23 - 24 مايو 2016 القمة الإنسانية العالمية التي تنظّمها الأمم المتحدة. واختيار تركيا لاستضافة هذه القمة لم يكن من قبيل الصدفة بتاتاً، إنما يشكل اعترافاً في الوقت المناسب بالدبلوماسية الإنسانية الناجحة التي نتبعها.

ستؤمن القمة الإنسانية العالمية منصةً مهمةً جداً لتناول التحديات التي تواجهها المنظومة الإنسانية. كما ستتناول هذه القمة المواضيع العاجلة كالتمويل الإنساني المستدام والموثوق، إضافةً إلى المواضيع المتعلقة بالبحث عن حلولٍ للأزمات المتكرّرة وطويلة الأمد، وموجات النزوح. كما ستبحث القمة الوسائل المبتكرة التي يجب اتباعها، وكيفية تشجيع الأعمال الإنسانية المحلية بواسطة اتباع مقاربات خاصة بالاحتياجات، وموضوع الوثوقية والأمان بالأعمال الإنسانية.

ستكون القمة الإنسانية العالمية مناسبةً لدفع المجتمع الدولي وقادة الدول إلى التحرك في وقت تقف فيه الملايين من البشر على حافة الموت. وعندما رأيت صورة أيلان لأول مرة، عانيت الكثير من الهموم التي جثمت على كاهلي، وأنا أتذكر الأبرياء العزل والأطفال الذين بدأوا للتو بالمشي. أريد أن أصدّق أننا تعلمنا شيئاً ما من هذه الصورة، وأننا لسنا بحاجة إلى رؤية المزيد من الصور المشابهة لكي نبدأ بالعمل.

كلنا مسئولون عمّا يواجهه هؤلاء الناس العزّل الذين ينظرون إلينا طلباً للمساعدة. وقمة إسطنبول ستشكّل فرصةً للتحرك وتحمل هذه المسئولية. وأتوجه بدعوة جميع القادة في العالم إلى المشاركة في القمة الإنسانية العالمية التي ستعقدها الأمم المتحدة في إسطنبول، وإلى العمل المشترك من أجل إيجاد حل لأولئك الناس العاجزين والمحتاجين للمساعدات الإنسانية.

إقرأ أيضا لـ "مولود جاويش أوغلو"

العدد 4961 - الأربعاء 06 أبريل 2016م الموافق 28 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً