العدد 4959 - الإثنين 04 أبريل 2016م الموافق 26 جمادى الآخرة 1437هـ

مستقبل العلاقات العربية الصينية في عالم مضطرب (2) ‏

رضي السماك

كاتب بحريني

لا تخلو أية دراسة علمية مهما علت قيمتها من ملاحظات تعكس تعدد القراءات لها، وتعدد الرؤى المتباينة، وتلك سمة في التفكير البشري لا مناص منها، ولذا فإن ملاحظاتنا إزاء كتاب الأخ السفير محمد نعمان جلال إنما نبتغي منها الاجتهاد لإثراء المزيد من المعلومات والتحليلات بشأن القضايا والموضوعات التي تناولها المؤلف في كتابه المهم «العلاقات المصرية الصينية» الصادر حديثاً عن «دار الجمهورية للصحافة» القاهرية، وهي ملاحظات لا تقلل على الإطلاق، كما أسلفنا في المقال السابق، من أهمية وقيمة الكتاب الفائقتين، وسنكتفي تالياً بأربع ملاحظات:

1 - الملاحظة الأولى هي ملاحظة عامة تتصل بشأن الأسلوب الذي انتهجه الأخ العزيز الباحث الأكاديمي السفير نعمان جلال في كتابه الجديد، فلعل المطلع جيداً على كل أو بعض دراساته العلمية وكتاباته الصحافية الرصينة عندما يقارنها بهذه الدراسة الجديدة يتملكه الإحساس بأن بعض فصوله كُتب تحت ضغط العجلة وسط دوّامة ازدحامه بمهمات بحثية وأعباء وظيفية متشعبة، أي دون تفرغ متصل التفكير في الانكباب المتواصل على كامل فصول الكتاب.

2 - طغيان البُعد الشخصي في تناول سلبيات تجربة العلاقات المصرية الصينية على أسلوب المنهج العلمي المفترض للبحث في بعض فصول الكتاب، وعدد من فقرات الفصول الأخرى، وخصوصاً في المقدمة والفصلين الأول والثاني، ولعل ذلك نابع من المعاناة الذاتية في وظيفته كسفير لبلاده في الصين. ولا يعني هذا بالضرورة عدم صحة أو عدم أهمية الوقائع التي ساقها المؤلف من وحي تجربته الذاتية الثرية، كشاهد عيان عليها وكمسئول تنفيذي مؤثر فيها، لكن أحسب تلك الوقائع رغم ما تكتسبه من أهمية كدروس قيمة للاتعاظ مصرياً إلا أن مجالها ليس هنا في هذا البحث العلمي؛ بل مكان آخر كالمذكرات الشخصية وخلافها.

3 - تكرار عدد من الأفكار والمعلومات في عدد من الصفحات والفصول، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، المعلومة المتعلقة بكون مصر أول دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، واختيار الرئيس الصيني خوجنتاو مصر بداية جولته الإفريقية.

4 - لم يتناول المؤلف بشكل وافٍ تأثير الصراع الايديولوجي المرير بين الدولتين الشيوعيتين، الصين والاتحاد السوفياتي، على العلاقات المصرية السوفياتية الحميمة وهو الصراع الذي وصل إلى حد النزاع المسلح بين البلدين حيناً، أو إثارة الصراعات بين حركات التحرر والأحزاب اليسارية في العالم الثالث تبعاً لتبعية كل منها إليهما حيناً آخر، رغم أن هذه المسألة من العوامل الموضوعية التي أفضت إلى مرحلة فتور العلاقات بين البلدين التي حددها الباحث فترتها ما بين العامين 1958 و1967. ومن جهة أخرى فليس دقيقاً إرجاع حفيظة الصين تجاه القاهرة الناصرية وبغداد القاسمية في أواخر الخمسينيات إلى تعاملهما القومي المعادي للأحزاب الشيوعية فهذا العامل لو صح فتأثيره ضئيل للغاية، عدا أن قاسم لم يكن قومياً، فضلاً عن أن الأحزاب الشيوعية العربية مغضوب عليها من قِبل بكين الماوية لتبعيتها المطلقة ايديولوجياً للحزب الشيوعي السوفياتي الحاكم.

وبعد، فلم يكن غرضنا من هذا المقال بجزءيه أن نعرض عرضاً تقليدياً موجزاً متسلسلاً لفصول الكتاب يقابله تحليل نقدي متكامل لكل فصل، جرياً على المألوف في عروض الكتب، بقدر ما أردنا من خلاله، كما أسلفنا، إثارة وإثراء الحوار لماماً حوله بوجه عام، وأن نتلمس على وجه التحديد أهم النقاط الواردة فيه والمتضمنة بين دفتي الكتاب، كما أدرجناها في المقال السابق، والتي يُحسب للمؤلف شفافيته وصراحته المتناهية في تناولها، والتي قلما نجدها في كتابات ودراسات الدبلوماسيين العرب السابقين. وفي تقديري أن كتاب الباحث جلال «العلاقات المصرية الصينية» هو واحد من أهم وأثمن الكتب العربية النادرة التي تناولت واقع العلاقات العربية الصينية بمنهجية تنطوي على قدر كبير من الصراحة والشفافية والتجرد وتكمن الأهمية الاستثنائية لقيمة الكتاب أن مؤلفه يجمع بين الاختصاص الأكاديمي العلمي والخبرة البحثية وبين التجربة المديدة في حقل العمل الدبلوماسي، وعلى وجه الخصوص تجربته الثرية كسفير لبلاده في الصين رغم قصرها، ناهيك عمّا يلمسه القارئ من عشق المؤلف عشقاً جنونياً لتخصصه في شئون الصين تخصصاً يذوب فيه ويستحوذ على جل تفكيره وأحاسيسه وجوارحه، ولعل من حسن طالعه في نجاحه في مهمته كسفير لبلاده في الصين، أحب المناصب التنفيذية التي شغلها إلى قلبه، أن تكون رفيقة عمره التي رافقته في مهمته مثقفة كبيرة ألا هي الفنانة التشكيلية كوثر عبدالرحيم الشريف والتي ساهمت بدورها من موقع تخصصها الفني الإبداعي بجزء من توطيد العلاقات الثقافية بين بلادها والدول التي ابتعث إليها زوجها كسفير لبلاده في عدد من البلدان، وعلى وجه الخصوص الصين من خلال مشاركتها في معارض فنية خلال مناسبات مختلفة ببكين بلغ عددها ست مناسبات، بدءاً من معرضها في متحف التاريخ وانتهاءً بمعرضها في فندق بكين الدولي، هذا علاوة على مشاركاتها في المناسبات التقليدية الأخرى المعروفة والخاصة بزوجات السفراء، ويخامرني الشعور أن الأخ محمد نعمان جلال سيتناول هذا الجانب تفصيلاً إذا ما قرر كتابة مذكراته الشخصية. والحال أنه بالنظر لأهمية هذا الكتاب الجدير بكل الدبلوماسيين العرب الاطلاع عليه، ولاسيما المعنيين منهم بالشئون الصينية، كما ينبغي تدريسه في المعاهد الدبلوماسية، وإن كان المؤلف ظلم كتابه في رأيي بعنوانه التقليدي المحايد غير الجذاب الذي لا يومئ إلى ما يخفيه بين دفتيه من حقائق ومعلومات وأسرار مهمة وتحليلات جريئة غير معهودة.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4959 - الإثنين 04 أبريل 2016م الموافق 26 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً