بعد شهر تقريباً من أزمة الرباط مع الأمين العامّ للأمم المتحدة بان كي مون، تبدو الأمور تسير تدريجيّاً نحو الهدوء والحلول الرصينة.
غير أنّ تصريحات بان كي مون، وما خلّفته من ردود فعل، تبعث على الحيرة وتطرح أكثر من سؤال بشأن هذه المنظمة الدولية: فهل تجاوز الرجل الأوّل في المنتظم الأمميّ حالة «القلق» المألوفة والموروثة عن أسلافه الأمناء العامّين السابقين بشأن أيّ حدث يجري في العالم، مهما كبر شأنه، ومهما تعاظم خطره على البشريّة؟ لماذا خرج بان كي مون من حالة «القلق» في موضوع الصحراء المغربيّة بالذات، ولم يُبدِ ذات «القلق»، وبالحدّة نفسها، إزاء ما يقع من إبادة لسكان بورما من «الروهينجا»؟ بل لماذا، وقد صار قلقه بهذه الصورة، لم يخرج علينا بمواقف شبيهة إزاء ما يمارسه الاحتلال الصهيوني من اغتصاب ممنهج للتاريخ والأرض والمقدسات في فلسطين؟ وهل يعقَل من الأمين العام للأمم المتحدة أن يعبّر عن آراء شخصيّة في قضايا شائكة على غرار قضيّة الصحراء؟
تبدأ الحكاية خلال زيارة بان كي مون الأخيرة مخيّماً للاجئين الصحراويين قرب «تندوف» بالجزائر، حيث قال الأمين العام للأمم المتحدة: «إنّه يتفهّم غضب الشعب الصحراوي تجاه استمرار حال احتلال أراضيه». وقد برّر استخدامه هذه الكلمة بعدم قدرة اللاجئين الصحراويّين العودة إلى ديارهم في ظروفٍ تضمن لهم التعبير عن رغباتهم بحرية. وتعتبر هذه أخطر تصريحات لأمين عام للأمم المتحدة بشأن هذا النزاع الذي يعود إلى أكثر من 40 سنة بين جبهة البوليساريو التي تنادي بالاستفتاء لتقرير المصير، والمملكة المغربية التي لا ترى حلاّ بشأن مستقبل الإقليم سوى الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
ولكنّ هذه التصريحات لم تكن معزولةً عن سياق عامّ فيه من القصديّة أكثر ممّا فيه من العفويّة؛ فانحناء بان كي مون أمام راية جبهة البوليساريو وتلويحه بشارة النصر بحضور قياديين من الجبهة غير مُبرّرٍ، في وقت تمارس فيه أوروبا نوعاً من الضغوط على المغرب من خلال ما أصدرته المحكمة الأوروبية من قرارات تلغي بموجبها التبادل الزراعي بين المغرب والاتحاد الأوروبيّ، إضافةً إلى رفض هولندا إعادة توقيع اتفاقية الضمان الاجتماعي مع المغرب، دون أن ننسى طبعاً تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في أبريل/ نيسان 2014، حيث كال بمكيالين في أزمة الصحراء المغربية، وطالب بإيجاد حلّ للأزمة في غضون سنة، حتى لا يضطرّ مجلس الأمن إلى اتخاذ قرار بتدويل القضية عبر تحويلها من مضمون البند 6 إلى البند 7 من ميثاق الأمم المتحدة وما يترتّب على ذلك من تداعيات. كما تكتسي هذه التصريحات خطورةً حين تتنزّل في سياقها الجغراسياسيّ حيث أنّ ما تعيشه ليبيا من أوضاع يعطي قوة لحركات التطرّف في المنطقة وبالخصوص تلك التي تملك الأسلحة.
ولم تمرّ هذه التصريحات دون ردود فعل رسمية وشعبية ودولية؛ إذْ لم تكتف المغرب على لسان رئيس وزرائها باتهام بان كي مون بتشجيع الكيانات الوهمية، وعلى لسان وزير خارجيتها باتهامه بإشعال النيران والاستسلام للأطراف الأخرى، بل إنها اتخذت ما رأته مناسباً بحسب ما تمليه عليها مصالحها الاستراتيجية وفي مقدمتها الوحدة الترابية والوطنية، وقدّمت درساً دبلوماسياً للأمين العام، فأعلنت تقليص حضور بعثة المينورسو أو بالأحرى طردت موظّفي الأمم المتحدة، وأغلقت مكاتبهم بعد خروج الأمين العام عن حياده، وتسجيله سابقة خطيرة في تاريخ الأمناء العامين السابقين «القلقين» فقط وعلى الدوام، ممّا يجري في العالم من إبادة جماعية واستئصال ممنهج هنا وهناك.
ويتواصل الدرس المغربيّ في فصول أخرى؛ لنرى حراكاً لم ينحصر مجاله في مواقع التواصل الاجتماعي، أو المنابر الإعلامية، وإنّما توسّع لتكون أضخم مسيرة احتجاجية بمشاركة كل القوى المدنية والسياسية والعمالية طالما الأمر تعلّق بالسيادة المغربيّة؛ حيث كانت المسيرة الشعبية الحاشدة يوم الأحد 13 مارس/ آذار 2016 تنديداً بتصريحات الأمين العام وتأكيداً على إجماع المغاربة بشأن قضايا السيادة الوطنية.
إنّ انزياح بان كي مون عن موقف الحياد يعتبر خطأ دبلوماسياً لا يمكن تبريره؛ ذلك أنّ تحوّل الوسيط الأممي المسئول عن إيجاد حلّ للنزاع بالطرق السلمية إلى تبنّي موقف البوليساريو لا يمكن قبوله بأيّ شكل من الأشكال. لذلك جاء ردّ فعل المملكة المغربية في شكل دروس قد يستفيد منها المسئول الأمميّ، فيلتزم الحياد بما يفرضه عليه موقعه المهم والخطير.
إنّ التفكير في أي حلّ للنزاع بشأن الصحراء المغربيّة خارج نطاق السيادة المغربية قد يدخل منطقة المغرب العربيّ في متاهات غير مضمونة النتائج؛ ذلك أنّ المغرب العربيّ وخاصة منطقة الساحل والصحراء، إضافةً إلى أوضاع القطر الليبي الشقيق، تمثّل تحديات أمنيّة خطيرة، لذلك فإنّ البحث عن حلول سلميّة يحفظ للمنطقة تماسكها واستقرارها، يعتبر اليوم أولويةً استراتيجيةً حتى لا يزداد المغرب العربي تصدّعاً كما تصدّعت أقاليم عربية أخرى.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4959 - الإثنين 04 أبريل 2016م الموافق 26 جمادى الآخرة 1437هـ
أشكر السيّد سليم على التغيير الذي دأب عليه منذ أسبوعين
هذا التغيير الذي طال عنوان العمود مع أنّنا كنا نشعر بمتعة كبيرة ونحن نقرأ شخصيّة ساهمت في نشر السلام لعلّنا نحيي في نفوس الأجيال القادمة روح السلام والاطمئنان.
مع ذلك نتمنى كلّ التّوفيق للسيّد سليم
أشكرك أخي سليم على طرح هذا الموضوع المهم الذي لا يعرف عنه كثير من الناس شيئا، أو لديهم معلومات بسيطة عن قضية الصحراء المغربية، وفي بعض الحالات قد تكون مغلوطة، ودعما لكلامك أخي سليم، ففي زمن التكثلات والاتحادات نرى هذه المنظمات التي أصبحت ألعوبة بأيدي الدول (العظمى) تشجع تشتيت وتقسيم العالم الإسلامي، وإذكاء نار الخلافات بين الإخوة الأشقاء من أجل الإمعان في إذلالهم أولا، وتكريس تبعيتهم لها ثانيا، ثم تنمية اقتصاداتها من خلال بيع الأسلحة لكل الأطراف المتنازعة، و... وفي الأخير تختتم المسرحية بتدخل...
إنّ التفكير في أي حلّ للنزاع بشأن الصحراء المغربيّة خارج نطاق السيادة المغربية قد يدخل منطقة المغرب العربيّ في متاهات غير مضمونة النتائج؛ ذلك أنّ المغرب العربيّ وخاصة منطقة الساحل والصحراء، إضافةً إلى أوضاع القطر الليبي الشقيق، تمثّل تحديات أمنيّة خطيرة، لذلك فإنّ البحث عن حلول سلميّة يحفظ للمنطقة تماسكها واستقرارها، يعتبر اليوم أولويةً استراتيجيةً حتى لا يزداد المغرب العربي تصدّعاً كما تصدّعت أقاليم عربية أخرى.
اجماع دولى بان الصحراء محتلة ياسيد سليم