لا يُقدِّم كتاب «العبور نحو الدولة الحديثة... البحرين ما بين 1919م - 1939م»، الصادر في أغسطس/ آب 2015، للمؤلفة البحرينية رملة عبدالحميد، ضمن سلسلة أبحاث في تاريخ البحرين، التابعة إلى مركز أوال للدراسات والتوثيق، أي جديد أو إضافة في تغطيته لتلك الفترة من تاريخ البحرين، وذلك باستناده إلى معظم المراجع التي صدر بعضها قبل عقود؛ وإن عمد الكتاب إلى تغطية تلك الفترة تحديداً ضمن جوانب سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية، إلا أنها لم ترد للمرة الأولى في الكتاب موضوع الاستعراض؛ بتناول عديد المصادر لها ضمن محاور وجوانب قد تكون عامة.
هل نحن إزاء خديعة في العناوين؟ يحدث ذلك كثيراً؛ وخصوصاً في الحقول التاريخية؛ إذ لا يتجاوز بعضها إعادة إنتاج ما كُتب، التقاطاً لمدخل يكون هو الفضاء الذي يتحرك فيه، من دون أن يُلفت إلى تصحيح لتوقيت حدث أو وقوعه أساساً، ومن دون الاتكاء على مصادر جديدة، على الأقل تلك التي لم تجد طريقها إلى التعريب، وتظل غنية بالكثير من المعلومات والإحصاءات، وأحياناً مسارات مغايرة لعدد من الروايات والأحداث، وإن حدث ذلك، فهي كثيراً ما تكون في حدود النقل؛ عدا الحديث عن «التحقيق».
ربما تكمن أهمية الكتاب في توقيت صدوره، ضمن مرحلة متقلّبة في الإقليم إلى فضاء أكبر وأوسع - عربياً - وبداية ضمور أو ما يمكن تسميته بتآكل ما يسمَّى «الدولة الحديثة» في عدد من البلدان والأقاليم، أو تلك التي مازالت في مرمى تهديدات تجعل من حضورها رخواً أو هشَّاً.
في تقديم المؤلفة للكتاب تبيِّن الموضوعات التي تعالجها وتأتي على ذكرها واستعراضها، استناداً إلى عدد كبير من المصادر العربية والأجنبية. وبحسب المؤلفة فإن الكتاب «دراسة تاريخية للأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية في البحرين خلال الفترة 1919 - 1939، انتقلت خلالها البحرين من النظام القبلي التقليدي إلى الحكم المركزي القائم على أساس التنظيم الإداري والمالي، وتم تشكيل المجالس البلدية المنتخبة، كما إنها فترة سياسية مضطربة عرفت فيها البحرين المعارضة السياسية بشكليها السلمي والثوري.
في الجانب الاقتصادي، شهدت البحرين انتكاسة الغوص، بظهور النفط الذي غيَّر مجرى الحياة الاجتماعية. وفي المجال التعليمي والثقافي، أنشئت للمرة الأولى المدارس النظامية في البحرين، بدأت بإدارة أهلية ثم خضعت للحكومة، ومع النهضة التعليمية انطلقت الأندية الأدبية الثقافية والرياضية، وبرزت الصحافة، والمجالس الأهلية، والمسارح الفنية».
ستقتصر مراجعة الكتاب على الباب الثاني الذي تناول الحركة التعليمية في البحرين للفترة نفسها التي تحرك الكتاب ضمن فضائها، على رغم أن هذا الفصل بالتحديد لم يحْوِ جديداً لا من حيث التناول أو المعالجة، وكأنه رجْع صدى لمجموعة من الإصدارات التي برزت في السبعينات وبعض من سنوات الثمانينات والتسعينات.
الحركة التعليمية والثقافية
الباب الثاني من الكتاب الذي حمل عنوان «الحركة التعليمية والثقافية في البحرين» للفترة نفسها التي يتحرك ضمن فضائها، يبدأ فصله الأول بتناول التعليم الأهلي في البحرين، وارتباط التعليم والحركة الثقافية بسير الأحداث السياسية وتوجهها، بحسب عبارة المؤلفة.
تشير المؤلفة إلى أن الحركة العلمية «اقتصرت على فئة خاصة حتى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي»، بتحرُّكه ضمن فضاء محدود تمثل في الكتاتيب، قفزاً إلى العام 1892، وهو بروز ملامح ما يمكن أن يطلق عليه بالتعليم شبه النظامي، التي وفَّرت الأرضية له الإرسالية الأميركية؛ انتقالاً إلى تقريرها بأن التعليم بدأ بمبادرات أهلية «اتخذت المنحى الطائفي والعرقي لسببين، أولهما: أن التعليم في بداياته كان تعليماً دينياً مرتبطاً باختلاف المذهبين السني والشيعي، وثانيهما: يكمن في تمركز الطائفتين كل على حدة في مناطق معينة»، من دون أن تنسى شريحة ثالثة تمثلت في الإيرانيين ومناطق توزيعهم التي تركَّزت في كل من المحرق والمنامة.
تبدأ المؤلفة بمدارس الإدارة الخيرية، والتي تم إنشاؤها بمبادرة من المثقفين وقتها (1919)، قامت بجمع التبرعات من الأهالي، عزَّز من تلك الخطوة الدعوة التي وجهها ولي العهد وقتها سمو الشيخ حمد بن عيسى بن علي، وتحديداً في 5 ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، «إلى اجتماع في مجلسه للتشاور بشأن تأسيس المدرسة». من الوجوه الثقافية المعروفة في ذلك الوقت، الشاعر الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، عبدالوهاب الزياني، وعبدالعزيز القصيبي.
تورد رملة عبدالحميد أسماء أول مجلس لإدارة الخيرية للتعليم، استناداً إلى إصدار إدارة المتاحف والتراث «البحرين حضارة وتاريخ»؛ إذ تكوَّن المجلس من كل من: الشيخ عبدالله بن عيسى بن علي آل خليفة، رئيساً، الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، نائباً للرئيس، وعبدالوهاب بن حجي الزياني، نائباً ثانياً للرئيس، محمد صالح خنجي، كاتباً للإدارة، يوسف عبدالرحمن فخرو، أميناً للصندوق، والأسماء الآتية أعضاء: عبدالعزيز القصيبي، محمد صباح البنعلي، عبدالرحمن بن عبدالوهاب، عبدالرحمن بن أحمد الوزان، سلمان بن حسين بن مطر، محمد بن راشد بن هندي، علي عبدالله العبيدلي، وأحمد حسن بن إبراهيم. ليتم بعد إشهار المجلس استئجار منزل الحاج علي بن إبراهيم الزياني في المحرق، وعُرف المقر باسم مدرسة الهداية الخليفية للبنين.
تشير المؤلفة إلى أن بعض الأهالي تخوَّف من إرسال أبنائهم إلى المدرسة خشية تعلُّم اللغة الإنجليزية، إضافة إلى محاولات بدرت من بعض «المطاوعة» لإفشال إقبال الطلبة على المدرسة؛ علاوة على «انتشار شائعة بين الأهالي مفادها أن التمارين السويدية التي يقوم بها طلاب الهداية هي في حقيقتها تدريبات عسكرية لإرسال الأولاد للحرب»، بحسب الإحالة إلى كتاب «الهداية... رجال وآفاق» لعبدالحميد المحادين. إلا أن طمأنة من الشيخ عبدالله بن عيسى أكدت أن المدرسة ستحرص على تعليم أبناء المسلمين أمور دينهم (...).
المدارس الجعفرية والفارسية
من جانب المذهب الجعفري، اتجه الوجهاء منه إلى التعليم الحديث، في تحرك شجَّعته مبادرة إخوانهم في المذهب السني، ومن خلال الأوقاف الجعفرية، التي كان يرأسها في ذلك الوقت سيدعدنان الموسوي؛ إذ بدءوا جمع التبرعات من الأهالي ، وكان لزاماً تشكيل لجنة تتابع مسار هذا المشروع، تكونت من: سيدأحمد العلوي، رئيساً، محمد البحارنة، أميناً للصندوق، وأربعة أعضاء هم: سيدعلوي المشقاب، محمد علي الإبريق، إبراهيم عبدالعال، وسلمان سليم. مشيرة إلى أن اللجنة تلقت دعماً مالياً من الحكومة لتأسيس مدرستين هما: المدرسة المباركية العلوية في قرية الخميس العام 1927، والمدرسة الجعفرية في المنامة العام 1928.
أما فيما يتعلق بالمدارس الفارسية في البحرين، فتشير المؤلفة بحسب المصادر التي استندت إليها إلى أنها ظهرت قبل المدارس التي أسسها الأهالي من الطائفتين؛ بحكم أن التعليم في إيران سبق نظيره في دول الخليج. إذا تشير المصادر إلى أن الجالية الفارسية «بدأت تمارس نشاطها التعليمي منذ العام 1913، حين قامت بتأسيس مدرسة نظامية لتعليم البنين، وتتبع إدارتها لمأتم العجم الكبير في المنامة».
وتوضح المؤلفة بأن الجالية الفارسية مرت بخلافات دفعتها إما إلى الانسحاب من مدارس وتأسيس أخرى، أو الدخول في اندماج كما حصل مع مدرسة التربية التي تحولت إلى مدرسة الإخوة الإيرانية، واتحادهما تحت مسمى مدرسة الاتحاد الوطني، وتغيير الاسم بعد قيام الثورة في إيران، إلى أن تم «إغلاقها بأمر حكومي بسبب الأحداث الأخيرة التي شهدتها البحرين في العام 1996».
مدارس أخرى
ومن بين المدارس الأهلية الأخرى التي عرفتها البحرين في وقت مبكر من تاريخها، المدرسة الأهلية، وأسسها شاعر البحرين الكبير إبراهيم العريض في المنامة العام 1931، واستمرت حتى العام 1933، ومدرسة دار العلم، ومؤسسها عبداللطيف الشملان، الذي ترك المدرسة بعد تعرضه لمضايقات عديدة، ومغادرته البحرين لإكمال دراسته في دار العلوم بالقاهرة.
وهنالك مدرسة الإصلاح الأهلية، وأسسها الشاعر عبدالرحمن المعاودة في 3 يوليو/ تموز 1939، بفضل تبرعات الأهالي، وكذلك تبرع حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى الذي قدَّم 200 روبية. ومدرسة الفلاح، وأسسها التاجر محمد علي زينل العام 1928 «وكان الهدف من تأسيسها هو مجابهة مد المدارس التبشيرية في البحرين، فلذلك وجَّهت مناهجها الدراسية نحو تعليم الدِّين الإسلامي واللغة العربية والحساب»، ومدرسة اللواء، وتأسست في 21 يوليو 1925 «على يد الشاب المصري المثقف محمد علي ناصر، الذي قدم من العراق إبان الحرب العالمية الأولى إلى البحرين، واستطاع تأسيس المدرسة بمساعدة الشيخ عبدالرحمن ابن القاضي المعروف قاسم المهزع، ومعه بعض التجَّار والمثقفين في البحرين».
تفرد المؤلفة في الفصل نفسه مساحة للتعليم الحكومي، بعد انتقال التعليم من المجالس الأهلية إلى إدارة المعارف، والتطورات المهمة التي مرَّ بها. وتبيّن في هذه المساحة الأسباب التي دفعت الحكومة إلى سحب صلاحيات التعليم من مجالس التعليم الأهلية، ومن بينها: الصراع الدائم بين الحكومة والمجالس الأهلية. تحوُّل المدارس إلى بؤر سياسية مناهضة للإنجليز. انعدام صلاحية الحكومة في التعيين والإدارة. وإثارة الطائفية وانتشار المدارس الخاصة.
انهم سراق الكلمة