أثار تصريح وزير المدينة والشباب والرياضة الفرنسي باتريك كانر الأخير جدلا واسعا في فرنسا، بعد ان قال إن بلاده تضم حوالي 100 حي يشبه حي مولنبيك البلجيكي، الذي تحول بمرور السنوات الى معقل وحاضنة للارهاب في العالم ، وذلك وفق ما نقلت صحيفة "القبس" الكويتية اليوم الإثنين (4 أبريل/ نيسان 2016).
وفيما تركز فرنسا جهودها كلها على محاربة الارهاب الذي ضرب بقوة باريس في 13 نوفمبر الماضي، تتقاطع الاصوات المطالبة بسحب الجنسية من الارهابيين مع اولئك الذين ينادون بتعزيز اندماج ابناء الضواحي للقضاء على الفكر الجهادي، فهل فعلا هناك في فرنسا احياء تشبه حي مولنبيك الذي لا يختلف عن اي حي شعبي مغربي في عمرانه أو سحنة ساكنيه؟
قبل ايام قال الوزير الفرنسي باتريك كانر الذي كان الذراع الأيمن للوزير الاول الاسبق بيير موروا ومن ثم مارتين اوبري (عمدة المدينة) في مدينة ليل بأن حوالي مئة حي فرنسي تشبه بشكل كبير حي مولنبيك البلجيكي الذي ترعرع فيه منفذو هجمات باريس الاخيرة، وايضا منفذو هجمات بروكسل، وشرح الوزير موقفه في قوله «ما هو حي مولنبيك؟ انه تجمع كبير للفقراء والعاطلين عن العمل ونظام مافياوي يغذي اقتصادا غير مكشوف، انه نظام اختفت فيه المرافق العامة او اوشكت على الاختفاء، وهو نظام ايضا تنازل فيه المنتخبون عن دورهم».
اتفاق اليمين واليسار
في العمق، يقول رئيس الوزراء الفرنسي، مثل وزير المدينة والشباب والرياضة، إن الاحياء التي سيطر عليها الفكر الاصولي في فرنسا تعد بالعشرات، وهو امر غير معروف لكن حين يصرح وزير يساري وغير معروف بهذا، فهذا يعني تطورا في عرض ما يجري على الارض، ويعكس عدم التناغم الذي تجلى بشأن هذا الموضوع حتى في المعسكر الاشتراكي الذي ينتمي اليه الوزير، علاوة على اليمين.
لم تواجه الأجهزة الامنية المختصة في فرنسا عاصفة مثل التي تواجهها اليوم بسبب الارهاب، وتكفي الارقام التي اطلعت عليها صحيفة لوفيغارو حتى تعيش هذه الاجهزة على وقع بركان، ذلك ان آخر الاحصاءات تشير الى ان 1859 فرنسيا يقيمون على التراب الفرنسي، ينتمون الى شبكات مختصة في تجنيد مقاتلين متطوعين للجهاد في سوريا، بينما تلقت اجهزة الامن بلاغات تخص تبني 4784 فرنسيا للفكر الجهادي، ما عزز المعلومات في قاعدة البيانات الخاصة بمحاربة الجهاد، والتي اطلقها وزير الداخلية برنار كازنوف في ابريل 2014 حتى يضع حدا لانتقال الجهاديين الفرنسيين الى منطقة الشرق الأوسط.
وارتفع عدد المتطرفين مقارنة بالعام الماضي بنسبة %54، حيث لم يكن عددهم يزيد على 3100 حالة في مارس 2015.
مراقبة المساجد
وتتكفل عناصر الاستخبارات الإقليمية بمحاربة التطرف، وتعكف منذ فترة على مراقبة المساجد في منطقة باريس، وتحدد كل فترة أهدافاً معينة ترتبط بطبيعة المعلومات التي تتوافر. ومنذ الاعلان عن حالة الطوارئ في فرنسا غداة هجمات نوفمبر الماضي، تلقى الجهاز المركزي للاستخبارات الاقليمية الضوء الأخضر لمراقبة كل الأحياء التي يعيش بها تجار الأسلحة أو المخدرات او يتواجد بها سلفيون يشتبه بتطرفهم. وفي هذا الشأن يقول شرطي متخصص «حتى نتمكن من تفكيك اي شبكة جهادية علينا أن نتمكن من تفكيك الشبكات الاقتصادية الخلفية حتى نعلم ما إذا كانوا على علاقة مع داعية او خطيب سبق أن ألقى خطباً متطرفة».
ويقضي أفراد الشرطة بالزي المدني أياماً، وأحياناً أسابيع في قلب هذه الأحياء الفرنسية التي تشبه حي مولنبيك البلجيكي، من أجل تصوير لوحات ترقيم سيارات ترتبط بأشخاص مشبوهين والتعرف على من يتصل فجأة بأي اسلامي مشتبه فيه. ووفق لوفيغارو فإن السلطات الأمنية الفرنسية ترصد حركات من يترددون على 148 مسجداً وقاعة صلاة تم التأكد من انها اماكن لنشر الفكر المتطرف. ويقول مسؤول كبير «علينا القيام بذلك، فأماكن العبادة هذه ليست سوى جزء من اللغز».
مهد الإسلاميين.. واللصوص
يقول أفراد الشرطة إن أحياء مثل ميراي، حيث عاش محمد مراح، او تراب، حيث تحول تفتيش بسيط لامرأة محجبة الى تظاهرة عنيفة في 2013، او روبيه التي كانت مهد اللصوصية والاسلاموية في 1996 وملاذ من يرغب في الالتحاق بـ «داعش»، أو ضاحية لاني سور مارن التي كان مسجدها السابق يحتضن قبل فترة قصيرة مدرسة قرآنية سرية، عثر فيها على اشرطة لأناشيد دينية تمجد قتلى جبهة النصرة.
ويقول محلل مطلع «لقد تمكنت الاجهزة الامنية من رصد كل قطاعات الحياة، سواء التي تتعلق بالتجارة أو الرياضة أو الثقافة والتي يلجأ فيها السلفيون الى استخدام الشريعة الاسلامية بدل قوانين الجمهورية، لكن تطرف مجموعة لا يزيد انتشارها على بضعة شوارع وتتطور شيئا فشيئا لا يمكن اختصارها في فكرة الحي وحدها، واختصار مشكلة الجهاد والانتماء الى جماعات إرهابية في جغرافية الضواحي هو مغالطة».
ويعتقد مسؤول أمني أن تجنيد الشباب للقتال أو تنفيذ هجمات إرهابية يتم أيضا في المناطق شبه الحضرية وفي الريف، مذكراً بحالة جلاد داعش الذي أثار جدلا واسعا، وهي حالة ماكسيم هوشار الذي ظهرت صوره خلال فيديوهات لعمليات قتل جماعي نفذها «داعش» في 2014.
وهذا الارهابي الذي يبلغ من العمر 24 عاما واطلق على نفسه اسم أبو عبدالله الفرنسي ترعرع في بوسك روجي أون روموا، وهي بلدية تقع بالقرب من روان ولا يتعدى عدد سكانها 3200 شخص. وتشير خريطة جديدة اعدتها مصالح الأمن الى ان عمليات التبليغ عن متطرفين والتي بلغت 8250 حالة شملت كل محافظات فرنسا.
ويحرص جهاز الاستخبارات الإقليمي منذ فترة على تبديد طيف الارهابيين الذي يزعج الارياف، حيث تم نشر 2500 شرطي ودركي، من بينهم 2250 فردا تم توزيعهم في الضواحي والمناطق البعيدة.
وتهتم الأجهزة ايضا بالانترنت، حيث تتركز دعاية داعش، لكن تشير الاحصائيات في فرنسا إلى ان 95 في المئة من حالات التطرف والارهاب ترتبط باتصال شخص اي مقابلات مع المتطرفين سواء بعد الخروج من الثانوية او بالقرب من العمارة او حتى في قاعات الرياضة سواء كانت تقع في تجمع سكاني او في قرية عكس ضواحي بروكسل.
العمل الإنساني ضروري
يقول المحلل النفسي الان روفيون الذي يدير المنظمة غير الحكومة يونيسماد التي تعد جزءا من مجموعة الخبراء الذين كلفتهم الحكومة بإقامة مراكز اعادة الإدماج والمواطنة التي اعلنت عنها خلال الصيف «بعد هجمات باريس ارتفع عدد الشباب الذين يتم التبليغ عن تطرفهم وهناك اباء يستبقون ذلك بالتوجه للشرطة بغية منع اطفالهم من مغادرة التراب الفرنسي في 48 ساعة، لكن في المقابل ثلث الاباء يتجاهلون ذلك».
وعما اذا كانت فرنسا تضم احياء شبيهة بحي مولنبيك البلجيكي، قال روفيون «لا اعتقد انه في امكاننا التحدث عن حي أو اقليم. في الواقع التشدد منتشر بشدة ويمكن أن يتعلق بأفراد أو مجموعات متحركة جدا، انها مشكلة كبيرة والشباب الذين يتم التبليغ عنهم ينتمون الى فئات اجتماعية وثقافية واقتصادية مختلفة ولا توجد صورة نمطية واحيانا يمكن أن يهز 30 شابا استقرار حي كامل، لذلك ينبغي الاعتماد على البلديات والاباء والجمعيات لاقامة شبكات يقظة حتى تتم رعاية الشباب المرشحين للانتماء الى جماعات ارهابية. ويقول المحلل النفسي ذاته انه بتعزيز العمل الانساني وتعليم مهن يمكن القضاء وبشكل فعال على التطرف.
فرنسا والإرهاب بالأرقام