«تقرير اقتصاد المعرفة العربي 2015-2016» الذي صدر مؤخراً وتحدث عن انتشار استخدام الإنترنت، توقع أن عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي سيصل إلى 226 مليون شخص بحلول 2018. وكما تمّت الإشارة سابقاً، فإنّ الانتشار لوحده لا يكفي لإدخالنا في الاقتصاد المعرفي، بل إن هناك متطلبات أخرى، تمّ التطرُّق إلى جانب منها من قبل.

الاقتصاد المعرفي يستمد قيمته من المعرفة العملية المفيدة لبني البشر، وهذه المعرفة ينتجها البشر أنفسهم، بالاعتماد على قدراتهم الذهنية، وليس بالاعتماد فقط على ما يتوافر في بلدانهم من ثروات طبيعية، كالنفط، وذلك لأنها سلعة لها أمد محدود وتنتهي من الوجود طال الزمان أم قصر، حتى لو لم تستبدلها سلع أخرى.

ولكن، ولكي يعتمد أي بلد على القدرات الذهنية، فإنّ هذا سيتطلب الإيمان بقدسية النفس الإنسانية والعقل البشري، وبأهمية الإنسان المتساوية، وبفتح الفرص أمام جميع البشر لكي ينطلقوا نحو استخراج أفضل ما لديهم من قدرات في الذكاء من أجل تطبيقها عمليّاً عبر تحويلها إلى منتجات وخدمات راقية ترفع من مستوى المعيشة الكريمة.

نرى أن البلدان التي تهتم بالقدرات الذهنية لديها خطة واضحة لما يسمى بـ «الملكية الفكرية»؛ لأنّها لا تقل أهمية عن ملكية الموارد الطبيعية، بل إنها الأهم في الاقتصاد المعرفي... ولذا نرى كيف أن بلداناً مثل سنغافورة وكوريا واليابان وغيرها، ليس لديها موارد طبيعية كثيرة ولكنها تستطيع أن تنهض باقتصادها ومجتمعها إلى أعلى المستويات اعتماداً على الذكاء البشري. ففي العام 2012، كانت كوريا سجلت أكبر عدد لبراءات الاختراع (نسبة إلى عدد السكان)، بعدها اليابان، ثم سويسرا، ثم ألمانيا، ثم أميركا، ثم فنلندا، ثم الدنمارك، ثم النمسا، ثم هولندا، ثم الصين.

أما منطقتنا فلازالت تعتمد في اقتصادها إمّا على النفط (الذي رفع مستوى المعيشة) أو على الأعمال التجارية والممتلكات العقارية، والعقار هو أكبر القطاعات التي تستقطب المال في منطقتنا. ولكن لو ذهبت إلى البلدان ذات الاقتصاد المعرفي فستجد أن الاستثمار يتجه نحو براءات الاختراع المتخصصة في تطوير التكنولوجيات الناشئة؛ وهذا يعني الاستثمار في تطوير المبتكرين لتحقيق اختراقات علمية وعملية، وتغيير أساليب الحياة وحتى تغيير طريقة رؤية العالم من حولهم.