من الصعب أن تختزل كلمات بسيطة عن شخصية نسائية عظيمة هزّت العالم بإبداعاتها وطاقتها المتجددة في التحدي لخلق تصاميم تتكلم عن حس إنساني رفيع، متمثلةً في شخصية كشخصية الراحلة العراقية، المهندسة المعمارية زها حديد.
هذه الشخصية النسائية العربية التي أتقنت عملها وعشقت تخصصها لتصل إلى العالمية من خلال بوابة الرسوم الهندسية التي مكّنت من رؤية أعمال زها حديد في كل عاصمة ومدينة حول العالم. فمن مانهاتن وميامي والمغرب والإمارات وصولاً إلى كارديف ولندن وموسكو، في مبانٍ تحدّثت قوائمها وجدرانها عن قيمة الفن والرسم المعماري الذي عكس شخصية امرأة عربية قادمة من بلاد وادي الرافدين، قوية، مبدعة، جريئة في طرح تصاميم معاصرة ومتموجة.
ومن بين أشهر تصاميمها، مركز لندن للرياضات المائية، الذي خصص للألعاب الأولمبية التي أقيمت بالعام 2012، ومتحف «ماكسي» في روما، والمركز الثقافي في أذربيجان، ومركز سينسيناتي للفن المعاصر، وهو التصميم الذي أطلق مسيرتها المهنية، وهو أول متحف في أميركا صُمّم على يد مصممة معمارية.
حديد كانت ترى نفسها خارجةً عن محيطها بكونها امرأة غير بريطانية، لكنها كانت تقول إن هذه النقطة أتت لصالحها في بعض الأحيان، لتكسر المألوف في قطاع يحكمه الرجال. كما أنها لم تكن تحب وصفها بالمرأة المهندسة، ولكنها كانت تكتفي بالقول: «أنا مهندسة».
حديد التي وُلدت في بغداد العام 1950، علمت منذ صغرها أن قدرها يحمل لها فرصاً عظيمة، وهي التي علقت يوماً بعد حصدها شخصية العام 1997 وذلك بعد حصولها على جائزة أفضل تصميم لدار الأوبرا في كارديف بالقول: «منذ الصغر أردت أن أكون مهندسة، لا أذكر بالضبط... أعتقد بأنني رأيت معرضاً في بغداد أثار اهتمامي». وظلّت تكرّر ذلك في كل مناسبة أو لقاء صحافي سنح لها. وكانت أيضاً فرصة لي أن ألتقيها في العاصمة البريطانية عندما كنت طالبة في بريطانيا.
حديد التي ترعرعت في العراق ودرست الرياضيات في بيروت وغادرت البلاد في السبعينيات إلى لندن لتحقّق حلمها، تخرّجت من الجمعية المعمارية في لندن، وأسّست شركتها الخاصة في العام 1979 وانطلقت لتأخذ حدود الهندسة إلى أقصاها في كافة أنحاء العالم. وبحسب التقارير الصحافية، فإن حديد لم تكتفِ بالتصاميم المعمارية فحسب، بل صمّمت أيضاً الأثاث وحتى الأحذية حتى وصفها منتقدوها بأنها «الليدي غاغا في عالم الهندسة». وحازت على العديد من الجوائز لأعمالها، من أبرز إنجازاتها كانت جائزة «بريتزكر» التي تعتبر أرفع الجوائز في عالم الهندسة، لتصبح أول امرأةٍ تحظى بهذا الشرف.
إن الخيال والمثالية هو ما ميّز تصاميم حديد، والتي يدعي البعض أنها غير قابلة للتنفيذ، إذ أن أبنيتها تقوم على دعامات عجيبة ومائلة. ويؤكد بعض النقاد أن هذه التصاميم تطغى عليها حالة من الصرامة. بينما فنّدت المعمارية العراقية عملياً اتهامات بعض النقاد بأنها مهندسة قرطاس، أي يصعب تنفيذ تصميماتها، وذلك بعد اكتمال تشييد متحف العلوم في فولفسبيوج شمال ألمانيا، الذي افتتح في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، والذي يؤكد على أن مقولة مهندسة قرطاس ليست إلا إدعاءً كاذباً من معماريين يعيشون مع الماضي؛ لأن كل الذي وضعته على شاشة حاسوبها استطاع الآخرون تنفيذه، كما أورد موقع الشرقية.
لم تكن حديد مهندسة معمارية عادية. لقد كانت تصاميمها تسير في حركة سائبة، تعكس حسّ فنانةٍ مرهفة، تقدم ما تشعر به من تأثير تقني وفي عالم أصبح قرية صغيرة. لقد تركت حديد إرثاً كبيراً، وغيابها دون شكٍ سيترك فراغاً. وهي التي أوجدت تصاميم تسبح دون تأثير الجاذبية في فضاء مترامي الأطراف، لا فيها جزء عالٍ ولا منخفض، ولا وجه ولا ظهر، فهي مباني في حركة انسيابية في الفضاء المحيط، وذلك في تحدٍ واضح لخلق تصاميم وتاركة العنان لخيالها ليصنع المستحيل في مبانٍ لا يمكن أن تتكرّر فقط لأنها أنجزت من مخيلة زها حديد.
صحيح أن زها حديد رحلت بعمر الخامسة والستين، إلا أن إرثها لا يزال حاضراً في ناطحات السحاب حول العالم. كما ستبقى كل عاصمة وكل بلد تذكر اسمها ومنها البحرين التي تنتظر مبنى متحف الفن الحديث بالمحرق الذي صمّمته حديد، والذي نأمل من القائمين على مجال الثقافة بالبحرين أن يخلّدوا اسمها من خلال حمل اسم المتحف لأسطورة المعمار والفن «زها حديد»... فتلك بلاشك ستكون خطوة أخرى لتقدير قيمة الإبداع الإنساني. فألف رحمة عليك يا ابنة العراق!
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 4957 - السبت 02 أبريل 2016م الموافق 24 جمادى الآخرة 1437هـ
الجامعة
تستحق هذه المبدعة ان يقام لها تمثال في الحرم الجامعي وتسميتة مختبر هندسي او قاعة باسمها تخليدا لابداعها
وضع اسم زها حديد يكون على مبنى متحف الفن الحديث في البحرين .فكرة حلوة لازم هيئة الثقافة تنفذها
لو لم تسافر الى بريطانيا و تدرس و تقيم هناك لما كان العالم يعرف زها حديد. حتى لو كانت تدرس في العراق و لا تهاجر لما حصلت الفرصة و أظهرت تفوقعها. تحية من القلب الى الغرب الذي فتح المجال أمام مبدعينا ليضعوا بصماتهم على المسير الإنساني و نحن لا نحرك ساكنا و لانتغير و نكتفي بالتباهي بأن أولئك المبدعين كانوا قد ولدوا في بلداننا. لا زلنا بين أكبر المصادر لتصدير العقول الى الخارج . ثروة لا تنعكس في إحصاءيات التصدير. لأن البشر أرخص من البضاعة عندنا.
جميل ولكن
صحيح هي أبدعت في الغرب لكنها لم تنكر ابدا ان أساسها المرهف انطلق أولا من موطنه الأم العراق.
تقصد احساسها المرهف انطلق من موطنها الأم العراق.جميل ولكن الفرصة كانت في بريطانيا وليس العراق.أليس كذلك؟