تلألأت حلبة البحرين الدولية في السباق الثاني عشر لها باعتبارها موطن رياضة سباقات السيارات في الشرق الأوسط وذلك بتنظيمها ثالث سباق ليلي على التوالي.
سباق الجائزة الكبرى تطور من بطولة تكاد تكون أوروربية لسباقات السيارات إلى حدث عالمي مذهل بأرقام فلكية من ملايين الدولارات، وأقطاب هذا الحدث الهائل هم الابتكار العلمي والتقنيات فائقة التطور وأمهر السائقين في العالم وسلسلة من حلبات السباق المدهشة في بعض المواقع الأكثر سحرا في العالم.
عندما أقامت اللجنة الرياضية الدولية التابعة للاتحاد الدولي للسيارات في 13 مارس/ أذار 1950 بطولة العالم الأولى للفورمولا1 للسائقين على حلبة سيلفرستون في إنجلترا لم يكن أحد ليتوقع أن بطولة الفورمولا1 ستدشن عصرا جديدا محدثة ثورة شاملة في عالم رياضات السيارات والتقنيات المرتبطة بها والقيمة التجارية لهذه الرياضة.
اليوم وفي يوبيلها الماسي تتربع هذه البطولة على عرش سباقات السيارات العالمية وتمنح الشهرة والثروة للسائقين وأعضاء الفرق على حد سواء لكن الأمر لم يكن منذ البداية على هذا المنوال.
فقد شهدت الفترة التي تلت مباشرة سنة 1950 النضج الحقيقي لسباق الجائزة الكبرى للفورمولا1، إلا أن الجذور التاريخية لهذا السباق يمكن تلمسها في سباقات الطرق البدائية الرائدة في فرنسا في التسعينيات من القرن التاسع عشر، أما أول سباق حمل اسم "الجائزة الكبرى" فقد أقيم سنة 1901 في لومان بفرنسا، وفاز فيه فرانسس زيس سائق سيارة الرينو.
كانت السباقات في بدايتها المبكرة تشكل مجازفة كبيرة يتسابق فيها السائقون على شفير الخطر المباشر، إذ كانت الطرقات المعبدة أو الرملية في ذلك الوقت لا يمكن الوثوق بها لتأمين الثبات والاستقرار للسيارات، وكان على المتسابقين في كثير من الأحيان أن يواجهوا سوء الأحوال الجوية مستنزفين الإمكانات المحدودة لسياراتهم البدائية إلى أقصى حد ممكن.
ومع مرور الوقت أصبح تعبير "الجائزة الكبرى" شبه محصور برياضات سباقات السيارات، وكان عدد من منظمي الجائزة الكبرى قد وضعوا قواعد لبطولة العالم في ثلاثينيات القرن العشرين إلا أن هذه القواعد لم يتم إقرارها رسميا حتى سنة 1947، وبعد ثلاث سنوات أقيم أول سباق حمل اسم "فورمولا واحد".
يشير مصطلح "فورمولا" إلى مجموعة من القواعد أو الصيغ (Formula) التي كان على جميع المشاركين الالتزام بها خلال السباق، أما كلمة "واحد"، أو بدقة أكثر "الأول" فقد كان القصد منها أن هذا السباق يجري وفق الصيغة الأكثر تقدما والأكثر تنافسية بين جميع القواعد والصيغ التي وضعها الاتحاد الدولي للسيارات.
كان الفائز في ذلك السباق الأول لبطولة العالم جوزيب "نينو" فارينو سائق سيارة ألفا روميو158، الذي تمكن من هزيمة منافسه الأقرب الأرجنتيني خوان مانويل فانغيو، إلا أن فانغيو سيطرة على ساحة السباقات طيلة العقد التالي بعد انتقاله إلى فريق فيراري العام 1955.
كان فريق فيراري بالإضافة إلى فريقين إيطاليين آخرين هم سادة المشهد في السنوات الأولى من البطولة، ثم دخل فريق مرسيدس بنز الألماني التحدي وفاز في سنتي العامين 1954 و1955 إلا أن الفريق غادر ساحة السباقات بعد أن تعرضت إحدى سياراته لحادث مأساوي في حلبة لومان أسفر عن مقتل 83 شخصا من ضمنهم السائق بيير ليفيغ، ولم تشارك شركة مرسيدس بعدها في سباقات الفورمولا1 حتى سنوات الثمانينات.
وفي ذلك الموسم نفسه شهد سباق موناكو للجائزة الكبرى حادثا مروعا عندما فقد سائق البطولات الإيطالي أسكاري السيطرة على سيارته اللانسيا مما أدى إلى خروجه من المسار وسقوطه في البحر، وتم انتشال أسكاري حيا من المياه وكان يبدو بحالة جيدة لكنه لقي مصرعه بعد أربعة أيام في مونزا أثناء اختبار سيارة رياضية وربما كانت وفاته نتيجة إصابة داخلية لم يتم اكتشافها.
هذه الحوادث الأليمة وخاصة حادثة لومان كانت وراء فرض تطبيق أنظمة السلامة الشاملة في جميع سباقات السيارات وذلك بغرض توفير الحماية اللازمة للسائقين والمتفرجين على حد سواء.
بعد العام 1958 رفرف العلم الإنجليزي عاليا في سماء منصة التتويج في المواسم التي تلت هذا العام إذ كان السائقان مايك هاوثورن وستيرلنغ موس يحصدان ألقاب البطولة.
تلك أيضا كانت الفترة التي شهدت فيها تكنولوجيا السيارات تطورات ثورية في تصميم المحرك والهيكل إيذانا ببدأ عهد جديد من المنافسة أكثر أمانا وهي الحقبة التي تصدر فيها فريق لوتس البريطاني بانتظام بسائقيه جيم كلارك وغراهام هيل المراكز الأولى على لوحة النتائج حاصدا لقب الصانعين ست مرات ولقب السائقين خمس مرات بين عامي 1963 و1973.
ومع تقدم سنوات السبعينيات انتقلت الصدارة إلى فريقي فيراري وماكلارين في هذه الأثناء كانت أعداد المشجعين في أنحاء العالم وكذلك الدعم المالي من رعاة هذه الرياضة في ازدياد متسارع وبالتزامن مع استخدام المحركات التوربينية الأكثر حداثة والأكثر تطورا تحولت الفورمولا1 إلى متعة هائلة مع مستويات عالية من الأمان أكثر من أي وقت مضى.
وبالعودة إلى سنة 1950 التي افتتحت فيها بطولة العالم للفورمولا1 جرت ستة من السباقات الأساسية السبعة في أوروبا وكان السباق الغير أوروبي الوحيد هو سباق أنديانابوليس 500، والذي تم استبداله لاحقا بسباق الجائزة الكبرى للولايات المتحدة نظرا لقلة عدد فرق الفورمولا1 المشاركة بعد ان تطلب السباق سيارات بمواصفات مختلفة عن السباقات الأخرى.
بعد ذلك توسعت بطولة الفورمولا1 تدريجيا لتشمل المزيد من البلدان غير الأوروبية فاستضافت الأرجنتين سباق الجائزة الكبرى لأول مرة في أمريكا الجنوبية العام 1953 واستضافت المغرب السباق الإفريقي الأول سنة 1958 تبعته اليابان العام 1976 واستراليا العام 1985.
أما جدول السباقات الـ 20 لهذا العام فتنتشر عبر أوروبا وآسيا والشرق الأوسط والمحيط الهادئ وأميركا الجنوبية.
قد يكون الشرق الأوسط حديث العهد نسبيا بهذه الرياضة لكنه في الحقيقة موطن لما لا يقل عن خمس حلبات سباق ذات مستوى عالمي بما في ذلك حلبة أبو ظبي التي أدرجت على جدول الفورمولا1 للمرة الأولى العام 2009، ومملكة البحرين بالتأكيد التي تستضيف سباق الجائزة الكبرى للمرة الـ 12 هذا العام.
ومن اللافت أن البحرين حازت على امتياز افتتاح اليوبيل الماسي للفورمولا1.
وبهذه المناسبة جرت احتفالية لتعلن انطلاق عهد جديد في عالم الفورمولا1 بدئا من حلبة البحرين الدولية التي باتت احدى الحلبات العريقة في مجال سباقات السيارات.
يذكر أن المرة الأولى التي استضافت فيها حلبة البحرين الدولية سباقات الفورمولا1 كان في 4/4/2004.