قال الشيخ محمد صنقور، في خطبته بجامع الإمام الصادق (ع) في الدراز، أمس الجمعة (1 إبريل/ نيسان 2016)، «إن الإرهاب والتطرُّف إنَّما يتخلَّقان غالباً في رحمِ الطائفيَّةِ، فحينَ لا يكونُ للطائفيَّةِ موطئ قدمٍ بيننا فإنَّها سترحلُ بجنينِها إلى الجحيمِ».
وفي خطبته، قال صنقور: «إنَّ المُتابعَ لأدبيَّاتِ الخطابِ الرسميِّ وأدبيَّاتِ المعارضةِ والفعالياتِ الشعبيَّة يجدُ أنَّها تَطفحُ بعناوينَ يذكرُ الجميعُ أنَّها قِيمٌ وغاياتٌ منشودةٌ، هذه العناوينُ هي مثلُ التعايشِ، والتنميةِ المُستدامةِ، والإصلاحِ السياسيِّ والاقتصادي، والتطويرِ والفاعليَّةِ، والأمنِ والاستقرارِ، وحمايةِ السلمِ الأهليِّ والديمقراطيَّاتِ العريقةِ، والقضاءِ على الفسادِ، ونبذِ الطائفيَّةِ، ونبذِ التطرُّفِ والإرهابِ، وبناءِ الثقةِ بين مكوِّناتِ المجتمعِ، وتعزيزِ الثقةِ بين المؤسساتِ الرسميَّة والأهليَّةِ، وتفهُّمِ الأزماتِ الطارئةِ، وتظافرِ الجهودِ في معالجتِها».
وأشار إلى أن «هذه العناوين وما يُشبهُها تَطفحُ بها أدبيَّاتُ كلٍّ من الخطابِ الرسميِّ وخطابِ المعارضةِ والفعاليَّاتِ الشعبيَّةِ ووسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ، فهي لذلك عناوينُ لغاياتٍ مشتركةٍ، إذن فأينَ هي المشكلةُ؟، إذا كانت هذه العناوينُ غاياتٍ لمختلفِ الأطيافِ والفرقاءِ فأينَ هو مَكمَنُ الخللِ؟، لماذا لا يتمُّ التفعيلُ لهذه الغاياتِ؟، وما هي السُّبلُ المُفضيةُ لصيرورةِ هذه الغاياتِ واقعاً على الأرضِ؟، وما هي المعوِّقاتُ التي تحولُ دونَ الوصولِ إلى هذه الغاياتِ؟، على رغم انَّها مشتركةٌ ومنشودةٌ لدى الجميعِ بحسب خطاباتهم».
وأضاف صنقور «لا يبدو أنَّ الإجابةَ عن هذه الأسئلةِ تتطلَّبُ مزيداً من الذكاءِ والفِطنةِ، فطريقُ الوصولِ إلى هذه الغايات واضحٌ وبيِّنٌ، وهو مضافاً إلى وضوحِه ليس بعيدَ المنالِ، ولا يتطلبُ مخاضاتٍ عسِرةٍ ومُكلفَةٍ، فالوصولُ إلى هذه الغاياتِ المنشودةِ لا يفتقرُ إلى أكثرَ من إرادةٍ جادَّةٍ وعزيمةٍ صادقةٍ. فالتعايشُ -مثلاً- وبناءُ الثقةِ والتنميةُ المُستدامةُ وإرساءُ الأمنِ والاستقرارِ الحقيقيينِ يُمكنُ تحقيقُها مجتمعةً حين تُدارُ شئونُ الحياةِ على قاعدةِ العدلِ والإنصافِ لمختلفِ مُكوِّناتِ المجتمع والتعاطي معهم وبينهم على أساسِ المواطنَةِ المتساويةِ، والعدلُ والإنصافُ يستبطنان الرعايةَ للحقوقِ والحمايةَ لها كحقِّ النقدِ والتصويبِ والتعبيرِ عن الرأي، وحقِّ العيشِ الكريمِ، وحقِّ الشَراكةِ في اتِّخاذِ القرارِ، وحقِّ الرَقابةِ على الأداءِ».
وقال صنقور: «حينَ تُدارُ شئونُ المجتمعِ على قاعدةِ العدلِ والإنصافِ يستشعرُ الجميعُ الرضا، وذلك هو الرافدُ لبناءِ الثقةِ بينَ مُكوِّناتِ المجتمعِ وبينَه وبينَ مؤسساتِه الرسميَّةِ، وحينَ تسودُ الثقة وتتوثَّقُ العلائقُ يكونُ التعايشُ هو النتيجةَ الحتميَّةَ لبناءِ الثقةِ المتبادَلةِ والمُرتَكِزةِ على قاعدةٍ ثابتةٍ وصلبة هي قاعدةُ العدلِ والإنصافِ، وحينَ يقومُ التّعايشُ على أساسِ العلائقِ الوشيجةِ والثقةِ المتبادلةِ يكونُ الأمنُ والاستقرار ثمرةً يانعةً وجنيَّةً ينعمُ بها الجميعُ دونَ كُلفةٍ، وحينَ يسودُ الأمنُ والاستقرار المحميانِ بالإرادةِ المشتركةِ والمضمونِ ثباتُهما نظرًا إلى اشتراكِ الجميعِ في إرسائهما يكونُ الشاغلُ للناسِ والمؤسساتِ الرسميَّةِ هو التطويرَ والتنميةَ، وإذا تمحَّضَ الشاغلُ في ذلك كانَ الوصولُ إلى التنميةِ المُستدامةِ حتميّاً».
وأضاف «كلُّ ذلك حينَ تُدارُ الأمورُ على قاعدةِ العدلِ والإنصافِ»، مستدركاً «أما حينَ تُدارُ الأمورُ على قاعدةِ التمييزِ والتهميشِ والإقصاءِ والاستضعافِ والاستخفافِ فإنَّ من غيرِ المُتاحِ الوصولَ إلى غايةٍ من الغاياتِ المنشودةِ؛ لأنَّنا بذلك نكونُ قد سلَكنا غيرَ طريقِ الجادَّةِ، فالنفوسُ لا تمنحُ الثقةَ حين يجتاحُها شعورٌ بالبخْسِ والغبْنِ، والعلائقُ لا تتوطَّدُ حينَ تقومُ على سياسيةِ الاستصغار والاستضعافِ، والتعايشُ في ظلِّ التعاطي مع الناسِ بفوقيةٍ يكونُ على شفا جُرفٍ هارٍ، وحينذاك يكونُ الاستقرار رَخْواً والأمنُ مُرهِقاً فيما يستنزفُه من طاقاتٍ وأموالٍ، هذا مضافاً إلى ما ينشأُ عنه من تشنُّجٍ في الأعصابِ وتَحسُّبٍ لا يَبرحُ النفسَ في ليلٍ ولا نهارٍ ولا يَقظةٍ ولا مَنامٍ. وفي ظلِّ مناخٍ تلك هي سماتُه يكونُ الطموحُ إلى التنميةِ المُستدامةِ أشبهَ بالعبثِ، وأما القضاءُ على الفسادِ والذي هو من الغاياتِ المنشودةِ لدى الجميعِ فطريقُه كطريقِ الغاياتِ الأخرى لا يَعتريه لبْسٌ ولا يشوبُه غموضٌ، فالفسادُ لا ينمو في الأرضِ المفتوحةِ والأجواء المُشمسةِ، والليلُ خيرٌ لَه من النهارِ، فحينَ نفتحُ الأرضَ على الشمسِ يموتُ الفسادُ، فالفسادُ لن تقومَ له قائمةٌ، ولن يُتاحَ له الامتداد حينَ تكونُ حريةُ النقدِ والتصويبِ مطلقةً، وحينَ تكونُ الرَقابةُ على الأداءِ حقَّاً مرعيَّاً ومكفولاً، وحينَ تُناطُ المهامُّ بذوي الأمانةِ والكفاءةِ».
وتابع «حينذاك يتلاشى الفسادُ، وحين يتلاشى الفسادُ ينعَمُ الجميعُ بالميسورِ من المواردِ والثرواتِ لا يتبرمونَ ولا يسخطونَ، لأنَّ الإنسانَ لا يسخطُ على نفسِه ولا يتبرَّمُ من أدائِه، ولا يسعُه أنْ يتَّهمَ أحداً بالتقصيرِ أو الإساءةِ بعد أنْ كان قد أتيح له مراقبتَه والتوصيبَ لأدائِه، وبذلك يكونُ التفهُّمُ للإخفاقاتِ والأزماتِ الطارئةِ تلقائيّاً، ويجدُ الناسُ في أنفسِهم ما يبعثُهم على مقاومةِ كلِّ ما يطرأُ من أزماتٍ، ويجدونَ أنفسَهم مندفعينَ تلقائيّاً للعملِ المشتركِ الدؤوب على معالجةِ كلِّ أزمةٍ أو الحدِّ من تبعاتِها». ورأى صنقور أن «الطائفيَّة لها رجالٌ سيئونَ، لكنَّهم يتضاءلونَ ويخبو أثرُهم حينَ يسودُ العدلُ والإنصافُ، وتُساسُ الأمورُ على قاعدةِ المواطنةِ المتساويةِ القادرةِ على استيعابِ التنوُّعِ المذهبيِّ والدينيِّ والقاضيةِ باعتبارِ الوطنِ هو الحاضن لمكوناتِ المجتمعِ بمختلفِ مذاهبِه وأعراقِه، حينَ يكونُ الأمرُ كذلك فإنَّ كلَّ مَن يعملُ على تمزيقِ المجتمعِ على أساسٍ طائفيٍّ سيكونُ نشازاً منبوذاً لا مكانَ له بين أبناءِ الوطنِ. وأما الإرهابُ والتطرُّفُ فهما إنَّما يتخلَّقان غالباً في رحمِ الطائفيَّةِ، فحينَ لا يكونُ للطائفيَّةِ موطئ قدمٍ بيننا فإنَّها سترحلُ بجنينِها إلى الجحيمِ».
العدد 4956 - الجمعة 01 أبريل 2016م الموافق 23 جمادى الآخرة 1437هـ