في خطوة لفتت الانتباه لدى الأوساط الأدبية، نشرت الكاتبة الإنجليزية صاحبة السلسلة الأشهر «هاري بوتر»، ج. ك. رولينج، جزءاً من الرسائل التي تلقتها من عدد من دور النشر التي رفضت نشر أعمالها في بداية مسيرتها الأدبية، وذلك على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر». مايف كينيدي، تتبَّعت التغريدات وأعدَّت تقريراً نشرته صحيفة «الغارديان» يوم الجمعة (25 مارس/ آذار 2016)، ولم تكتف بالوقوف عند الرسائل المتعلقة برولينج، بل تناولت فيها حالات شبيهة لكتَّاب كبار واجهوا مشكلات ورفضاً من قبل دور النشر، وهم في بداياتهم الأدبية، لكنها لم تكن بدايات بمقياس الأثر الكبير الذي أحدثته تلك الأعمال، والمفارقات المصاحبة لمواقف دور النشر تلك. نورد هنا أهم ما جاء في التقرير، مع ملاحظات وهوامش من قبل محرر «الوسط».
شاركت مؤلفة سلسلة «هاري بوتر»، الروائية البريطانية ج. ك. رولينج، متابعيها بعض الرسائل التي تلقَّتْها من ناشرين رفضوا أعمالها الأولى يوم أن كانت تكتب باسم مستعار، استوحتْه من أبطالها الشخصيين: روبرت كينيدي، وإيلا غالبريث، لتكوِّن منه: روبرت غالبريث. كشف رولينج عن الرسائل/ المراسلات، جاء محاولة منها لتهدئة مخاوف الكتَّاب الطموحين.
الاسم المستعار الذي كتبت به أعمالها الأولى، وتحديداً رواية «ذي كوكو كولينج» تم الكشف عنه في 14 يوليو/ تموز 2013، مقرَّة بأنها هي المؤلفة التي تقف وراء الكتاب مستخدمة اسماً مستعاراً. ويوم أن أعلنت الحقيقة إلى الصحافة والجمهور، تمنَّت رولينج لو أن هذا السر استمر لفترة أطول من ذلك.
400 مليون نسخة
رسائل رفض نشر أعمالها الأولى وجدت طريقها إلى «تويتر»، بناء على طلب معجبي رولينج، وهي ترتبط تحديداً بروايتها «ذي كوكو كولينج»، أول رواية لها باسم مستعار. رولينج شهدت تحوُّلاً في انحدار «هاري بوتر» عدَّة مرات قبل أن يُصبح الصبي الساحر واحداً من أعظم الظواهر في أدب الأطفال، بتحقيقه مبيعات تجاوزت 400 مليون نسخة حول العالم.
وسُئلت رولينج عن الكيفية التي بها تحفَّزت للوصول إلى ما وصلت إليه، فردَّت عبْر تغريدة «لم يكن لديَّ أي شيء لأخسره، وذلك يجعلك أحياناً شجاعاً بما يكفي كي تذهب في المحاولة».
عندما طُرحت أعمالها باسم غالبريث، من دون الكشف عن هويتها الحقيقية، واجهت الكثير من الزجْر والازدراء. ومنذ ذلك الحين، نشرت «غالبريث» ثلاث روايات ناجحة، إلاَّ أن العمل الأول تم رفضه من عدد من الناشرين، ونُصحت بأن تأخذ دورة في الكتابة!
عمدت رولينج إلى مسح التواقيع عندما نشرت الرسائل على صفحتها، قائلة، إن الدافع من وراء ذلك «هو الإلهام وليس الانتقام». (إلهام الجيل الطالع من الكتَّاب كي يستمر في تطلّعاته ودوافعه وطموحه في الكتابة، بغضِّ النظر عن الظروف التي تعترض المحاولات الأولى، ومواقف دور النشر، وتهيُّبهم من الأسماء الجديدة التي لا تضمن لهم حصة من كعكة الأرباح في السوق بفعل الطبعات المتكرِّرة للأعمال). وكتبت إنها لم تكشف عن النص الكامل المليء بالقسوة والوحشية، والذي وردها عن طريق البريد الإلكتروني من جانب أحد الناشرين الذين رفضوا نشر عملها الذي امتد أثره إلى العالم «هاري بوتر».
لا ضمان في نجاح تجاري لـ «بوتر»!
وقالت رولينج، إنها لن تستطيع أن تشارك مُتابعيها ومُعجبيها رسائل رفض نشر «بوتر»، لأنها «تحتفظ بها في صندوق في عليّة منزلها» قبل تقديم الخطابات التي وجِّهت إليها باعتبارها غالبريث. وأشارت رولينج إلى أن أكثر الرسائل المليئة بالطِيبة في تقرير رفض نشر أعمالها، والأكثر تفصيلاً جاءت من دار نشر «كونستابل وروبنسون»، والتي على رغم احتوائها على نصائح بضرورة الدخول في دورات تتعلَّق بالكتابة، إلا أنها تضمَّنت نصائح مُفيدة حول كيفية بدء العمل مع الناشر («بالنسبة إلى غلاف الكتاب - لا تُسلِّم بشكله النهائي!»). وأضاف الناشر في رسالته: «يؤسفنا أننا وصلنا على مضض إلى استنتاج بأننا لن نتمكَّن من نشر العمل، مع ضمان تحقيق نجاح تجاري له». العمل نفسه الذي لم تكن دار النشر تتوقع نجاحه التجاري، وكما أشرنا سابقاً حقق مبيعات هي من بين الأعلى في تاريخ دور النشر العالمية (400 مليون نسخة).
هنالك ملاحظة قصيرة أيضاً وردت من الناشرين «Crème de la Creme» أوضحت بأن المؤسسة قد تُصبح جزءاً من مجموعة نشر أخرى، وهي الآن لا تقبل طلبات النشر الجديدة.
عندما وجدت رواية «ذي كوكو كولينج» ناشراً في نهاية المطاف العام 2013، حققت مبيعات كبيرة، قبل أن يتم كشف سر مؤلفها، لتنطلق بعد ذلك إلى قمة أكثر الكتب مبيعاً.
في السياق نفسه، انضمَّت الكاتبة البريطانية مؤلفة مجموعة من الروايات جوان هاريس، إلى المناقشات في «تويتر»، ومن بين أشهر أعمالها رواية «شوكولا»، التي لاقت الكثير من رفض نشرها، وصدرت في العام 1999، وتم تحويلها فيما بعد إلى أحد أفلام «هوليوود». كانت هاريس تكدِّس رواياتها التي لم تجد دار نشر تقبل بها. أنجزت روايتها الأولى «بذرة الشيطان» ونشرتها في العام 1989، وحققت الكثير من الجوائز، لتليها الأعمال الآتية بحسب الترتيب الزمني: «نامي يا أختي الشاحبة»، (1993)، «رواية شوكولا»، (1999)، «خمر التوت... المطبخ الفرنسي»، (كتاب طبخ 2002)، «الحمقى المقدَّسون»، (2004)، و «لطفاء ولاعبون»، في العام 2005.
إيمير ماكبرايد، الفائزه بجائزة بيليز في العام 2014 عن روايتها الأولى «الفتاةُ شيءٌ بنصف هيئة»، والتي ظلت مكدَّسة في أحد الأدراج لعام كامل، بسبب تلقيها العديد من رسائل رفض نشرها، أتيحت لها الفرصة لإحياء النص حين التقى زوجها المخرج المسرحي ويليام غالينسكي، صاحب متجر للكتب في نورويتش، والذي استهل عمله بالنشر المستقل، متطلّعاً إلى أن يحمل متجره علامة نشر كتاب ماكبرايد، فكان أن رأت الرواية النور.
من بين المثير في تلك القصص، تُحفة جيمس جويس «عوليس»، والتي تُعتبر اليوم من أعظم كتب اللغة الإنجليزية في القرن العشرين، أمضى جويس سبع سنوات في كتابتها، إلا أنها مُنعت في البداية في الولايات المتحدة وبريطانيا، ورفضت مراراً وتكراراً من قبل الناشرين، قبل أن تصدر في نهاية المطاف في طبعة صغيرة في باريس العام 1922. التحفة/ الملحمة تتكوَّن من نحو 265 ألف كلمة، واستخدم فيها قاموساً يصل إلى 30 ألف مفردة. وعلينا ألَّا ننسى ت. إس. إليوت، حين كان محرراً في دار نشر «فابر وفابر»، حين رفض رواية جورج أورويل «مزرعة الحيوان» وتعليقه عليها: «غير مُقنعة»! وكذلك الأمر بالنسبة إلى رفض «كاتش 22» لجوزيف هيلر، ورد دار النشر عليها بأنها «غير مدهشة على أي مستوى فكري».