تتخوّف غالبيّة أميركيّة من المواطنين من طيّ ملفّ مراسلات بريد كلينتون الإلكترونيّ الخاص، وصرف نظر وزارة العدل عن مذكرة اتّهام بحقّها في حال صدرت من القضاء، ما يشكّل بنظرهم ضربة للشّفافيّة الأميركيّة لمصلحة حملة هيلاري الانتخابيّة، وذلك وفق ما نقل موقع "إيلاف" الإلكتروني اليوم الجمعة (1 أبريل/ نيسان 2016).
واشنطن: ترى شريحة واسعة من الأميركيين أنّ المرشّحة الدّيمقراطية هيلاري كلينتون تواجه احتمالين في قضيّة استخدام بريدها الالكترونيّ الخاصّ في مراسلات رسميّة، حين كانت وزيرة الخارجية.
فساد إداريّ
الاحتمال الأول صدور مذكّرة اتهام بحقّها لتهديدها معلومات مصنّفة باستخدام بريدها الالكترونيّ الخاص، وهو نتيجة تبدو بديهية برأي هؤلاء. والاحتمال الثاني هو أن وزارة العدل ستصرف النظر عن إصدار مذكرة اتهام لأسباب سياسية تتعلق برغبة الوزارة في حماية المرشحة الديمقراطية. والخلاف الوحيد يدور حول ما إذا كانت وزيرة العدل لوريتا لينتش ستتحرّك بمفردها أو بأوامر من الرئيس أوباما.
عليه، فإمّا مذكرة اتهام بحق كلينتون أو إن هذه "الإدارة فاسدة"، برأي هؤلاء الأميركيين، الذين يستبعدون أن تعيّن الإدارة في أيّامها الأخيرة محقّقين مستقلّين نزيهين يدرسون الأدلة ويلتزمون بالقانون.
يذهب محللون إلى أن هذا الموقف يثير مشكلة، ليس بوجه كلينتون، التي ستكون سعيدة بعدم صدور مذكرة اتهام ضدها، بقدر ما سيكون مشكلة للنظام القضائي الأميركي نفسه ومكتب التحقيقات الفيدرالي. وسيتعيّن على وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي أن يبذلا جهودًا استثنائية لتبديد هذه الشكوك بإطلاع الاميركيين على معلومات أكثر مما هو معهود في مثل هذه الحالات، على الرّغم من أنّ وزارة الخارجية قدمت إلى القضاء 52 ألف صفحة من مراسلات كلينتون الالكترونية.
حماية انتخابية
كان مثل هذا الشك يُقطع باليقين في السابق، من خلال قانون المحقق المستقل. وتعرف كلينتون أفضل من سواها أن هذا الطريق يمكن أن يكون طويلًا ومحفوفًا بالمخاطر. فالمحقق المستقل، الذي عُيّن للنظر في أنشطة بيل وهيلاري كلينتون الاستثمارية، توصل في مجرى تحرياته إلى علاقة الرئيس بمونيكا لوينسكي.
وعلى الرّغم من مرور سنوات على هذه الواقعة، ما زالت وزارة العدل تحتفظ بصلاحية تعيين محقق خاص، إذا قررت الوزيرة أن لمثل هذا التحقيق مسوغات قانونية. لكن ليس هناك ما يشير إلى أن وزارة العدل تفكر في مثل هذه الخطوة، بل لا يُعرف ما إذا كانت ترى أن هناك مسوغات قانونية لاتخاذها. وعلى أي حال، فإن اللجوء إلى تعيين محقق خاص الآن، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، لن تكون فيه مصلحة عامة قوية، كما يرى محللون، مقترحين بدلًا من ذلك أن تكشف الوزارة عن أكبر قدر ممكن من المعلومات للأميركيين.
ولدى ضباط مكتب التحقيقات الفيدرالية والمحققين الفيدراليين حساسية مفهومة من نشر المعلومات بكميات كبيرة. وعلى الإدعاء العام أن يصدر مذكرة اتهام أو يسكت من دون تقديم أسباب. لكن في حالة شخصية عامة، أدى سلوكها إلى إجراء تمحيص دقيق في ممارساتها، فإن مثل هذا الموقف قد لا يكون الموقف الأمثل للشخص ذي العلاقة، والأهم من ذلك للجمهور الأميركي عمومًا.
انتحار غامض
يمكن الاسترشاد هنا بقانون المحقق المستقل وسوابق وزارة العدل نفسها. فالقانون يشترط على الإدعاء العام أن يقدم تقريرًا نهائيًا تستطيع المحكمة التي تنظر في القضية أن تكشفه للرأي العام، كما في حالة التقرير الذّائع الصّيت، الذي قدمه المحقق الخاص كنيث ستار في قضية لوينسكي.
في سياق ذي صلة كانت وزارة العدل نشرت في العام 2010 تقريرًا يقع في 92 صفحة عن الأدلة التي توصل إليها التحقيق ضد العالم بروس آيفنز المشتبه فيه في هجمات الإنثراكس في العام 2001، لكنه انتحر أثناء التحقيق معه.
في الأحوال الاعتيادية كان ملف القضية سيُغلق بانتحاره، ولكن المسؤولين قرروا أن هناك مصلحة عامة كبيرة، بما فيه الكفاية لنشر المزيد من المعلومات. ومما له مغزاه أن عامًا مر قبل نشرها، وهو وقت ليس متاحًا في قضية مراسلات كلينتون الالكترونية.
مبررات الإغلاق
وعلى افتراض أن مذكرة اتهام لن تصدر بحق كلينتون، فإن بقاء الوضع كما هو ليس كافيًا. وفي مثل هذه الحالات لا يصدر عادة إعلان رسمي بأي شكل. وفي بعض القضايا، التي كانت شخصية كبيرة طرفًا فيها، اتخذت وزارة العدل خطوة غير معهودة بغلق الملف. ففي العام 2011، أعلن وزير العدل وقتذاك إريك هولدر أن تحقيقًا لن يجري في موت شخصين كانا معتقلين لدى وكالة المخابرات المركزية، قائلًا "إن الأدلة المقبولة لن تكون كافية لإصدار حكم بإدانة المسؤولين عن موتهما".
في حالة كلينتون لا بد من إيجاد طريقة لتقديم مزيد من المعلومات في الوقت المناسب من مصدر ذي مصداقية. وبحسب واشنطن بوست، فإن مثل هذا المصدر هو مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، الذي عمل في وزارة العدل في إدارة جورج بوش، مشيرة إلى أن مسئولي وزارة العدل الكبار سيكونون موضع شبهة أيًا يكن ما يقولونه، على حد تعبيرها.
ويرى محللون أنّه إذا أُغلق هذا الملف من دون متابعة سيتعيّن تقديم ايضاح لأسباب غلقه الى الاميركيين، ليس من اجل ان تطوي كلنتون هذه القضية في غمرة حملتها الانتخابية، ولكن من اجل سمعة وزارة العدل والمهنيين العاملين فيها.