بعدما كانت إجازة التفرغ تعد انتحارًا مهنيًا، فإنها اليوم ليست مقبولة فحسب، بل يحث بعض أرباب العمل الموظفين على الحصول عليها. وفيما يلي نبيّن كيف تحصل على إجازة تفرغ وفي الوقت نفسه تواصل التقدم في مسيرتك المهنية، وذلك وفق ما نقل موقع قناة "بي بي سي" اليوم الجمعة (1 أبريل / نيسان 2016).
حين أخبر وينستون تشين أصدقائه أنه ترك وظيفته كمدير تنفيذي لقطاع التكنولوجيا في شركة لبرامج الكمبيوتر، وانتقل مع عائلته إلى جزيرة صغيرة في شمال النرويج على مقربة من الدائرة القطبية الشمالية، لمدة عام، اتهمه القليل منهم بالجنون.
ولكن في المقابل، أجاب أغلبهم ببساطة: "يا ليتني أتحلى بالشجاعة الكافية لأقدم على مثل هذه الخطوة".
بينما يحلم الكثيرون بالانقطاع لفترة عن العمل في منتصف الحياة المهنية، فلا يفعل ذلك سوى قليل منهم. ولكن يذكر الخبراء أن عدد الأشخاص الذين يحصلون على إجازات تفرع طويلة في مرحلة متأخرة من حياتهم المهنية في تزايد.
ومن بين أسباب ذلك أن الشركات أصبحت أكثر تقبلًا للفكرة وأن معدل إقبال الناس على تغيير وظائفهم ارتفع عن ذي قبل. وبإمكانك أن تعود إلى العمل في وظيفة أعلى من التي كنت تشغلها عندما تركت العمل، ولكن هذا يتوقف على مهارتك في التفاوض.
حان وقت التغيير
يقول تشين إنه قد ظل يعمل في الشركة نفسها طيلة عقد من الزمن حتى ترك العمل في 2011، وكان الوقت قد حان للتغيير. وكانت خطته الأصلية إيجاد وظيفة جديدة، ولكن فكرة الانقطاع لفترة عن العمل، التي استوحاها من أحد مؤتمرات مؤسسة "تيد"، جعلته يفكر جديًا في الحصول على إجازة تفرغ.
ويقول إنه كان متخوفًا في بداية الأمر من الابتعاد عن المجال ممّا قد يضرّ بمستقبله المهني.
وقال في رسالة بالبريد الإلكتروني: "وهذا هو السبب الرئيسي الذي يمنع الناس من الحصول على إجازة تفرغ، وأنا لم أكن استثناء. ولكن أنت الذي يجب أن تضع في مقدمة أولوياتك أن تعيش الحياة كما تريد".
وبعدما ترك تشين العمل، بدأ يبحث بالفعل عن وظيفة أخرى، حتى نبهه أحد أصدقاء العائلة إلى أن ثمة جزيرة صغيرة في أقصى شمال النرويج على مقربة من الدائرة القطبية الشمالية تبحث عن مدرس.
وكانت زوجة تشين، التي ولدت في النرويج، تريد أن تعود إلى العمل بعد تفرغها لتربية الأطفال طيلة خمس سنوات. وقال تشين: "لقد أجرت اتصالاتها وتمكنت من الحصول على الوظيفة. ومن هنا قررنا على الفور أن الأمر قد حُسم بالفعل".
انتشار متزايد
ويعدّ بول باين، وهو مدير منتدب بمؤسسة "وانواي" للتوظيف في مجال السكك الحديدية والإنشاءات، أحدَ العاملين في مجال التوظيف الذين يصادفون بشكل متزايد عدد من العملاء الذين يؤثرون التوقف لمدة سنة عن العمل أو الحصول على إجازة تفرغ في منتصف مستقبلهم المهني.
ويقول باين في إحدى رسائل البريد الإلكتروني: "إنها فكرة رائعة، ولا سيما للشركات التي تسعى إلى توظيف مواهب جيل الألفية (مواليد العقدين الأخيرين من القرن العشرين)، والأهم من ذلك، الحفاظ عليهم، إذ أن هؤلاء يمَلّون من المكان أسرع من سابقيهم".
ويضيف: "ولذا، يزداد عدد الشركات، التي توفر إجازات للتفرغ كوسيلة للحفاظ عليهم، فتقدم لموظيفها إجازات مدفوعة الأجر من أجل السفر، أو لممارسة أعمال تطوعية، أو ببساطة لأخذ قسط من الراحة لاستعادة نشاطهم، بيد أن هذا لا ينطبق على جميع الشركات."
علامة على التكاسل؟
يقول باين إنه ليس من الضروري أن يكون تبرير الانقطاع عن العمل لمدة عام أمرًا سيئًا. وأضاف: "إن حصولك على فترة راحة قد يبرز للمؤسسة أنك تريد أن تشحذ مهاراتك وتخوض غمار تجارب جديدة. وقد يعني أيضًا أنك ستعود من إجازتك برؤية مختلف للأمور، وهذا من شأنه أن يساعد في أدائك للوظيفة".
ومن بين 500 شخص أجري معهم مقابلات في كتاب "ابدأ حياتك من جديد" (ريبوت يور لايف) سنة 2011، الذي يقدم نصيحة عملية عن التوقف المؤقت عن العمل، لم يندم أي منهم قط على قرار التوقف المؤقت عن العمل، الذي تراوح ما بين شهر وعامين، بحسب جاي سميث، الشريكة المؤسسة لشركة ريبوت بارتنرز "إل إل سي" للاستشارات المهنية في نيويورك، والتي شاركت في تأليف الكتاب.
وقالت سميث في إحدى رسائل البريد الإلكتروني: "ذكر الجميع أن تحسُّن طريقتهم في التعامل مع الآخرين وكذا أخلاقيات العمل ساعدا في دفع مستقبلهم المهني قدمًا".
جرِّب شيئًا جديدًا
إذا كنت تفكر في التوقف المؤقت عن العمل في المهنة بغية تعزيز نظرتك للأمور وصقل مهاراتك، فلتفكر في السفر إلى الخارج، حيث قد تجرّب الاضطلاع بأعمال مدفوعة الأجر في إطار غير رسمي، أو التطوع.
فكما يرى باين، فإنه في كلتا الحالتين ستجدّد رؤيتك للأمور عند عودتك إلى العمل. كما ستعضد الخبرة من قدراتك.
وقال باين: "ومن يدري ما الذي يمكن أن تتعلّمه من العمل مع أشخاص ذوي خبرة في المجال، تمكنوا من تطوير مهاراتهم وتدربوا بطريقة مختلفة عن طريقتك".
وتابع: "وبشكل عام، فإن هذا النوع من الإجازات، سيمكنك من تطوير خبراتك في الحياة، ممّا قد يسهم في تحسين مهاراتك الشخصية مثل مهارات التواصل وإدارة الأفراد".
علاوة على ذلك، قد يُكسِبك العمل التطوعي القدرة على تبيُّن كيفية حل المشاكل بطريقة مختلفة. فإن المتطوعين، بطبيعتهم، يؤمنون إيمانًا راسخًا بالأعمال التي يقومون بها ويعملون بموارد محدودة أو بلا موارد.
مخاطرة دائمًا
بالطبع، لن يتقبل كل أصحاب العمل فكرة إجازة التفرغ العلمي لمدة السنة، ولكن توجد دومًا أساليب لإقناعهم بها، بحسب هولي بول، رئيسة "سنتر فور إنتريم بروجرامز، إل إل سي" للاستشارات في مجال إجازة التفرغ العلمي لمدة عام، في ماساتشوستس.
وقالت بول في رسالة بالبريد الإلكتروني: "اعرض على صاحب العمل ما يدور في ذهنك ولترْ كم عدد أيام الإجازة التي سيوافقون على منحك إياها، إذا كنت تلتزم التزامًا صريحًا بالعودة إلى العمل".
وتابعت: "حاول أن تستميل صاحب العمل إلى صفك بإيجاز مزايا الحصول على هذا النوع من الإجازات، فإن أغلب الناس يستعيدون نشاطهم وطاقاتهم بعد فترة التفرغ ويضيفون الكثير إلى وظيفتهم عند العودة إلى العمل".
وتوصي بول بالتحلي بالوضوح التام بشأن الأمور التي تمثل لك أهمية قصوى، وبعد ذلك فقط يمكنك الذهاب إلى صاحب العمل معربًا له عن رغبتك ومقدمًا طلباتك.
وتقول: "لتنظر ماذا سيحدث. أعتقد أن المرء يجب أن يكون مستعدًا للتخلي عن وظيفته إن لم يتقبل صاحب العمل على الإطلاق منحه إجازة تفرغ".
ولكن لا تندهش إن قوبلت فكرتك بالمعارضة. تقول سميث: "لا يحبذ الكثير من أصحاب العمل ابتعاد أحد الموظفين عن العمل لمدة سنة لمقتضيات استمرارية العمل واتساقه".
وعليك أن تضع خطة توضح فيها من سيحل محلك في أثناء غيابك. وقد أوضح أحد عملاء سميث لمديره كم سيوفر من المال في ميزانية هذه السنة بسبب عدم دفع راتبه الشهري، ولكن في الوقت نفسه لن يُضحي بما تحملته الشركة من نفقات للاستثمار في تدريب الموظفين على مدار سنوات.
ويقول سميت: "إن توقف الموظف عن العمل عاد بالنفع على كلا الطرفين؛ الشركة والموظف".
حان الوقت للترقي
ربما يكون الإنقطاع عن العمل لمدة عام بمثابة خطوة تساعدك في الوصول إلى الوظيفة التالية. وقالت بول: "من الأهمية بمكان أن يسأل الناس أنفسهم ما إن كان هذا العمل يبعث على الرضا أم لا، وفي هذه الحالة، فعلى الرغم من أن الإقدام على التغيير قد يكون مخيفًا، إلا أنه من الأفضل، بلا جدال، المجازفة بالوظيفة للبحث عن ما يضفي على حياتهم السعادة والبهجة.
وتابعت: "فإن التفرغ لمدة عام بمثابة نقطة الانطلاق إلى آفاق مختلفة ووسيلة لسبر أغوار الأمور قبل الالتزام الكامل بوظيفة أخرى".
وبينما قد يعرف بعض الناس، في فترة قصيرة للغاية قد تصل إلى بضع أسابيع، ما إن كان هذا العمل مناسبًا لهم أم لا، قضت بول شهرًا في أبحاث الاستزراع المائي لتدرك في نهاية الأمر أنها لا تتحلى بالصبر الكافي للقيام بهذا النوع من العمل المنهجي.
نتائج غير متوقعة
وفي أثناء فترة انقطاع تشين عن العمل، طوّر تطبيقًا على سبيل التسلية، ولكنه غدا مهنته الجديدة، ومهّد لتأسيس شركة لتطبيقات الهواتف المحمولة التي تقوم على الصوت، "فويس دريم"، عندما عاد إلى بوسطن بعد عام واحد.
وقال تشين: "ليس من الضروري أن تفكر في الانقطاع عن العمل كوسيلة لبدء تجارة ما أو مزاولة مهنة جديدة. فإن جوهر الأمر هو: ماذا ستفعل إذا توقفت فترة من الزمن عن التفكير في جمع المال؟"