مع بروز أزمة الطاقة في العالم في أوائل السبعينات من هذا القرن، اتجه العالم الصناعي لإيجاد بدائل مناسبة تزوده بالطاقة المضمونة والرخيصة وكان من أبرزها الطاقة النووية التي دخلت في معظم المجالات العلمية والطبية والزراعية والصناعية.
و رغم نجاح استخدام الطاقة النووية في مجالات متعددة إلا أن الخوف من مخاطرها ما يزال باقياً في ذاكرة الزمن.
وهذا ما أشارت له الباحثة جميلة يوسف الوطني في رسالتها للدكتوراة في القانون التي حملت عنوان» المسؤولية البيئية في مجال التلوث النووي”، في نوفمبر 2012.
ولكون الوطني إحدى المستشاريين القانونيين المهتمين بقضايا البيئة، أرتينا إجراء لقاء معها، للحديث عن الجانب القانوني الذي يمكن أن يحد من آثار التلوث النووي من خلال تشجيع الاستخدام السلمي للطاقة النووية وحماية عناصر الطبيعة والإنسان والكائنات الحية الأخرى من أضرار التلوث البيئي.
وكشفت الوطني خلال رسالتها للدكتوراة عن غياب بيئة قانونية تنظم المسؤولية البيئية في حالة الكوارث النووية، قبل وقوع كارثة تشرنوبيل التي أسفرت عن أضرار بيئية لعدم كفاية القواعد القانونية المطبقة في ذلك الوقت، فلم يكن آنذاك سوى إتفاقيتين لتنظيم المسؤولية البيئية، الأولى إتفاقية باريس بشأن المسؤولية المدنية في مجال الطاقة النووية لعام ،1960م والثانية هي إتفاقية فيينا حول المسؤولية المدنية في مجال الأضرار النووية لعام 1963م.
حدثينا عن أبرز مصادر التلوث الإشعاعي التي من الممكن حدوثها؟
هنالك قسمان من المصادر، أولها المصادر الطبيعية التي لا دخل لإرادة الإنسان في حدوثها كالأشعة الكونية، أو مواد موجودة في بيئة الأرض كالقشرة الأرضية، مواد مشعة موجودة في الماء، أو مواد مشعة موجودة بالقرب من سطح الأرض.
أما المصادر الثانية فهي المصادر الصناعية التي يكون للانسان دور بارز و فعال فيها، كالتلوث النووي الناشئ عن التجارب النووية أو الناتج من محطات القوى النووية والتي رغم الإلتزام باستخداماتها السلمية يبقى هنالك دائما خطر لتسرب إشعاعات مؤينة بشكل أو بآخر سواء من خلال حوادث المفاعلات النووية أو المخلفات النووية لتلك المحطات التي يجب سن ضوابط صارمة وخاصة بها.
إلى أي حد تصل جسامة الأضرار النووية؟
لقد ثبت الواقع العلمي والعملي إن آثار الإشعاعات والملوثات النووية لا يقتصر على الأشخاص الطبيعيين فقط بل يمتد ليشمل الأشياء الأخرى الحية وغير الحية.
فمثلا الجرعة التي يتم تسريبها من المنشآت النووية وفقا للحدود المصرح والمسموح بها، قد لا تكون ضارة في حد ذاتها عندما تخترق خلايا الإنسان، ولكن حين يتكرر التعرض لذات النسبة قد يترتب عليه زيادة النسبة داخل الجسم مما يؤدي إلى إصابة الخلايا أو تدميرها في بعض الأحيان حسب نوعية الأشعة أو الملوث الضار.
كذلك فقد يحدث تفاعل أو إتحاد بين الملوثات الإشعاعية وبين عناصر أخرى تتعرض لها البيئة بمفهومها الواسع وكذلك الإنسان الذي يعيش فيها وكافة الكائنات.
كما من اللازم إدراك إن التلوث النووي هو تلوث عابر للحدود لايعترف بالحدود والفواصل الجغرافية بين الدول وأبرزها الآثار التي لحقت بالعديد من دول الجوار عند إنفجار مفاعل تشرنوبل.
وعلى مستوى مملكة البحرين، ما هي الجهود المبذولة لمواجهة الطوارئ الإشعاعية؟
تم وضع مشروع خطة وطنية للإستجابة للطوارئ الإشعاعية والنووية في أبريل 2012، من قبل الإدارة العامة لحماية البيئة والحياة الفطرية بالهيئة العامة لحماية الثورة البحرية والبيئة والحياة الفطرية بمملكة البحرين لمنع وقوع آثار ضارة عن حادث نووي، عند حدوثه أو التقليل منها بقدر المستطاع.
كما تهدف الخطة إلى إعداد المساعدات الأولية وإدارة معالجة الإصابات الإشعاعية. بالإضافة إلى إلزام المنشآت الحاصلة على ترخيص بإستخدام وتداول المصادر المشعة، وبدورها تقوم الهيئة الرقابية للحماية من الإشعاع بالتأكد من إلتزام هذه المنشآت بتطبيق خطة الطوارئ المعتمدة.
وفي حالة الحوادث الإشعاعية أو النووية الشديدة على الإنسان والبيئة، يستلزم الأمر تدخل العديد من الوزارات والهيئات الوطنية إلى جانب قد يستلزم طلب المساعدة من الهيئات الدولية المعنية كالوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ما أبرز التوصيات التي قدمتيها في رسالتك؟
توصلت من خلال البحث إلى 11 توصية أبرزها:
تفضيل تبني تأمين إجباري في مجال التلوث النووي، حيث يقوم مراقبي شركات التأمين بزيارات تفتيشية للمواقع النووية للتأكد من إلتزام مستغل المنشأة بمعايير السلامة والوقاية.
نقترح تدخلا تشريعيا لتعديل قانون البيئة البحريني وإضافة مادة أو أكثر تنظم خطر التلوث النووي، وإنشاء صندوق تعويض حكومي يتناسب مع الوضع في البحرين، ويتم تمويله من جانب الدولة بالإضافة إلى مساهمة كافة الشركات والمنشآت العاملة في مجالات متصلة بالبيئة، فضلا عن مساهمة شركات التأمين البحرينية كذلك في تمويل ذلك الصندوق.
إقتراح تعديل تشريعي يهدف لزيادة مدة سقوط وتقادم دعوى المسؤلية الناشئة عن حادث نووي لتصبح ثلاثون عاما بدلا من عشر سنوات والتي تعتبر قصيرة بالنظر إلى طبيعة الخطر النووي وما ينشأ عنه من أضرار.
إنضمام البحرين لإتفاقية فيينا لعام 1963 بشأن المسؤولية المدنية في مجال التلوث النووي مع إصدار تشريعات وطنية تتناسب مع طبيعة الظروف في البحرين.
إنضمام البحرين لإتفاقية الأمان النووي، و إتفاقية التبليغ المبكر عن حادث نووي في مجال حماية البيئة والوقاية ضد أخطار الحوادث النووية، في سبيل تشجيع وتطوير الإستخدام السلمي للطاقة النووية مع الحد من أي آثار ضارة قد تنشأ.
بالنسبة لقرار مجلس الوزراء البحريني بإنشاء اللجنة الوطنية للإستخدام السلمي للطاقة النووية، فنحن نوصي أن يتضمن تشكيل تلك اللجنة كل من رئيس هيئة التشريع والإفتاء القانوني، ورئيس الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية، بإعتبار إن الثاني معني مباشرة بالحفاظ على البيئة، أما الأول فدوره ملحوظ في الجوانب القانونية التي تضفي على القرارات صفة المشروعية.
العدد 4953 - الثلثاء 29 مارس 2016م الموافق 20 جمادى الآخرة 1437هـ