العدد 4953 - الثلثاء 29 مارس 2016م الموافق 20 جمادى الآخرة 1437هـ

رئيس «الناشرين الأردنيين» لـ «الوسط»: صناعة النشر العربية تنهار... ونقيم مشاركاتنا في معارض الكتاب

رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين فتحي البس متحدثاً إلى «الوسط»   - تصوير : محمد المخرق
رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين فتحي البس متحدثاً إلى «الوسط» - تصوير : محمد المخرق

أطلق رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين، فتحي البس، صرخته حيال واقع دور النشر العربية، مؤكداً مرور صناعة النشر بـ «لحظة انهيار»، وأرجع ذلك إلى جملة عوامل، من بينها غياب الدعم الرسمي الثابت، الاضطراب السياسي، وسقوط المشاريع الفكرية في العالم.

عطفاً على ذلك، وفي حوار مع «الوسط»، خلال مشاركته في معرض البحرين الدولي للكتاب، أكد البس أن دور النشر العربية، تقيّم جدوى مشاركاتها في معارض الكتاب الدولية على مستوى المنطقة العربية، وذلك من الناحيتين الثقافية والاقتصادية.

وأضاف «نحن نحاول بالتنسيق مع الناشرين العرب، ان نضع تصورات للمستقبل، ولا أذيع سراً إذا قلت اننا نعيد النظر في العلاقة مع الكثير من ادارات المعارض العربية التي تتغول على الناشر العربي»، مؤكداً أن حجم التراجع بالمجمل، يتجاوز 60 في المئة من المردود الاقتصادي في المعارض العربية، محذراً «نتوقع المزيد من الانهيار».

وفيما يأتي نص الحوار:

حدثنا عن أحول دور النشر على صعيد المنطقة العربية.

- بشكل مباشر، أشير إلى أن دور النشر العربية، ونتيجة تعرض صناعة النشر لحالة انهيار، تقيّم في الوقت الحالي جدوى مشاركاتها في معارض الكتاب الدولية على مستوى المنطقة العربية، وذلك من الناحيتين الثقافية والاقتصادية.

أتحدث هنا عن المعارض بشكل عام، وللأمانة ومن دون مجاملة، فإني أنوه هنا بما يبذله مدير معرض البحرين الدولي للكتاب بشار جاسم، من جهود هائلة ليخرج المعرض بالشكل الجميل والأنيق، وبالمشاركة المتنوعة والواسعة، وهو جهد يقدر عالياً، وكان للمشاركة أن تكون أقل لولا عاملان أساسيان، محبة الناس لمملكة البحرين، والجهود المبذولة من قبل الأخ بشار.

بعد تعبيرك عما تمر به دور النشر العربية بـ «الانهيار»، هل لك ان تضع الاصبع على الجرح؟ أين تكمن المشكلة تحديداً؟

- تكمن المشكلة في تدني الاقبال على القراءة لا بل العزوف الهائل عنها، وتراجع برامج الدول في اقتناء الكتاب الورقي، في الجامعات والمؤسسات والمعاهد، حيث انخفاض موازناتها وتراجع اقتنائها للشراء الورقي، إلى جانب تصور هذه المؤسسات ان الكتاب الورقي بدأ يفقد دوره، الأمر الذي يدفعها إلى الانفاق الهائل على ما تعتقد أنه أكثر أهمية، ممثلاً في النشر الالكتروني او الاشتراك في المواقع الالكترونية التي تؤمن الكتب.

إذاً نحن نتحدث عن مجموعة عوامل...

- نعم، وأهمها الاضطراب السياسي خلال السنوات الخمس الماضية، فهذا العامل له دور كبير جدّاً، إلى جانب سقوط المشاريع الفكرية في العالم، وبالتالي أصبح هناك لا يقين عند القارئ أو الباحث عن المعرفة. بماذا يؤمن؟ بالفكر القومي؟ بالفكر الماركسي واليساري؟ للأسف كل ذلك تعرض للانهيار. وحتى الفكر الإسلامي (أتحدث هنا عن الفكر لا العقيدة)، وأخص بالذكر هنا الإسلام السياسي، حيث بتنا أمام سؤال كبير جدّاً: أي إسلام سياسي أتبع كإنسان وأقرأ لأتبحر فيه؟

هل ترى أن ما تسميه بـ»التراجع الفكري»، وضع القارئ في حالة تيه؟

- هو كذلك، فقد بات القارئ يعيش حالة تيه وفقدان للبوصلة، فبدأ يبحث عن الخفيف من الكتب وبدأ يبحث عن المعرفة السطحية والخفيفة عبر وسائل الإعلام السمعية والمرئية والالكترونية.

يبدو أن هذا هو مرد الإقبال على الروايات؟

- الروايات على أي نوع من الروايات، فصحيح أن الرواية تحظى بنصيب أكبر من القراءة، غير أن المثقف يبحث بصعوبة ليجد عملاً إبداعيّاً فيه شروط الرواية. فيه معرفة ومتعة وتشويق. وعليك ان تبحث بصعوبة هائلة جدّاً حتى تجد ضالتك، وبالطبع فإن الساحة الثقافية تشهد أيضاً انتاجاً إيجابيّاً وجيداً.

هل ترى أن الغث يطغى على السمين فيما خص الروايات؟

- هناك عدد هائل من الروايات التي لا تستحق أن تنشر حتى، لكن أيضاً، هناك إبداع جيد يقدر ويثمن.

طيب، أنتم كناشرين، ما عساكم فاعلون أمام حالة الانهيار التي تتحدثون عنها؟

- كما تفعل الآن المؤسسات الكبرى. إعادة النظر. وإعادة النظر قد تطول، ولعلي أستشهد هنا بمثال صحيفة «السفير» اللبنانية العريقة، التي كانت ومنذ 3 سنوات وهي تعيد النظر إلى أن وصلت إلى قرار الإغلاق، و«الإندبندنت» الانجليزية، قررت قبل أيام طباعة آخر نسخها الورقية، ولا أعرف إذا ما كانت ستستمر لاحقاً حتى كنسخة إلكترونية، فهذا الفضاء «السيبيري» ازدحم كثيراً جدّاً، بالغث أيضاً وأكثر من السمين.

تتحدث عن تحديات عاصفة، يبدو فيها أن البقاء سيكون للأقوى...

- طبعاً، بل تحديات هائلة جدّاً، وحين تشير إلى عنوان «البقاء للأقوى»، فإنني أعقب بالقول اننا نتحدث عن قانون طبيعي.

والآن، أكرر تحذيراتي: إذا تركت الصناعات الثقافية للسوق، سنخسر جميعنا، فالصناعات الثقافية تريد مستهلكاً، وتحتاج إلى أسواق كبيرة.

ولمعلومات الجميع، فإن الصناعات الثقافية في الغرب، نتيجة السوق الواسع، لا نتيجة الدعم الحكومي، فبفضل السوق الواسع تستطيع الوقوف على رجليها وتحقيق الأرباح الهائلة جداً، أما دول العالم الثالث، فإن الأمر مختلف، حتى قالت «اليونسكو»: «لا تترك الصناعات الثقافية لاقتصادات السوق».

وبالتالي، فإن صناعة النشر والصناعات الثقافية الأخرى، بحاجة إلى دعم حقيقي، مادي ومعنوي.

لماذا لا تبادرون بخطوات عملية لإنقاذ هذه الصناعات؟

- نحن نطالب، وأنا شخصيّاً أطالب حيثما كنت.

هل هذه المطالبات، موجهة للجانب الرسمي العربي؟

- نعم، وأيضاً للمجتمع: يا أفراد المجتمع المدني، بدون صناعات ثقافية، تفقدون هويتكم، وتاريخكم وحاضركم ومستقبلكم، وبالتالي لا تقبلوا على المواقع المقرصنة، لا تقبلوا على الكتاب المزور، خصصوا بعضاً من موازنتكم لشراء الكتاب وهو خير جليس، كان كذلك وسيظل.

وصرخة لمؤسسات الدول، لا تكتفوا بالمظاهر البراقة للمشاريع. ابحثوا عن المشاريع الجوهرية. اقتنوا الانتاج الثقافي الجيد. شجعوا أبناءكم على اقتناء الانتاج الثقافي الجيد، شجعوهم على استعمال العقل والتفكير للتمييز ما بين الغث والسمين، لحظتها سنكون بخير.

هل أنتم في وارد القيام بخطوات معينة لرسم خارطة طريق الإنقاذ، والتي أشرت إلى بعض ملامحها؟

- نحن نحاول بالتنسيق مع الناشرين العرب، أن نضع تصورات للمستقبل، ولا أذيع سرّاً إذا قلت اننا نعيد النظر في العلاقة مع الكثير من ادارات المعارض العربية التي تتغول على الناشر العربي، ثقافيّاً واقتصاديّاً، فالناشر العربي هو صاحب العرس، فإذا أفسدتُّم هذا العرس عليه في أي جانب من جوانبه، فسيعيد النظر في هذه المشاركة.

ومن هنا أطلق صرخة: تفهموا وضع الناشر العربي، ولك أن تدور في الأجنحة وتسأل الناشرين عن أوضاعهم الاقتصادية، فهم سعداء بالمشاركة الثقافية لكنهم ليسوا سعداء بالمردود المادي.

هل يمكن الحديث عن «عدم السعادة المادية»، بالأرقام؟ هل من توضيح لحجم تراجع المبيعات؟

- حجم التراجع بالمجمل، ولا نتحدث هنا عن معرض بعينه، يتجاوز 60 في المئة من المردود الاقتصادي في المعارض العربية، ونتوقع المزيد من الانهيار.

نحن نشكو من حالة نزيف مستمر، وأؤكد أن هنالك العديد من دور النشر التي تعيد جدولة انتاجها، بمعنى أن الناشر الذي كان يطبع 5 آلاف نسخة من سنوات، قلص ذلك ليطبع ألف نسخة، والآن هناك الكثير من الناشرين والمؤسسات الكبرى التي كانت تطبع ألف نسخة، خفضت لـ 500 نسخة. وهنا الصرخة، 500 نسخة لمن؟ ولا تجد أساساً من يقتنيها، وهي كتب جيدة، لكن مادامت المؤسسات لا تقتني، الجامعات لا تقتني، الطلاب يدرسون في كتب مقرصنة ومزورة ومنسوخة، فإننا أمام تحد كبير جدّاً، هذا التحدي، بدأنا نلحظه في السنوات الأخيرة، وبالتالي هناك من يقول إن الناشرين لا يزالون قادرين على الوقوف على أقدامهم، ونحن نرد: نعم! ونضيف: هذا الصراع من أجل الوجود ومن أجل البقاء.

هل يمكن أن نرى مؤتمر إنقاذ للناشرين؟

- نحاول، ودعني اتحدث بصراحة، فدار النشر هي مشروع صناعي، له مدخلات ومخرجات، وبالتالي فان اقامة مؤتمر للحديث عن دور صناعة النشر الثقافية غير مفيد، بل اننا عقدنا 3 مؤتمرات للناشرين العرب ورفعنا من خلالها توصيات، وقريباً سينعقد المؤتمر الرابع، لكن الناشرين يتحدثون بحياء، فلا يريدون إعلان أنهم امام جرف قد يبتلع الجميع، لكننا نحاول أن نتشبث بالامل.

الصرخة الخجولة لا تؤتي أكلها عادةً...

- لكنها تتحول من صرخة خجولة، إلى صرخة حقيقية، إلى اتخاذ قرار.

ومتى ستتحول صرخة الناشرين العرب إلى صرخة حقيقية؟

- لا أحد يعرف، فالمسألة مرهونة بالتطورات.

هل أنتم في وارد خطوة، قد تهز المنطقة العربية، من قبيل إعلان التوقف عن المشاركة في المعارض؟

- القرار بعدم المشاركة في أي معرض، يجب ان يكون له مبررات واضحة. وقد حصلت بعض المواجهات مع بعض الادارات وكان هنالك دائماً نوع من المراجعة للمواقف.

كانت المواجهات مجدية، غير أن ما حصل هو الاكتفاء ببضع عشرات من دور النشر في حالة رضا عما تحققه، لكننا نؤكد ان بضع دور نشر لا تصنع صناعة نشر عربية قوية، فالتنوع ضرورة، وهناك بعض دور النشر ذات تخصصات محددة، تكسب، ولكننا نعرف ان هذه التخصصات هي التي تدعمها، ولكن ماذا عن الانتاج الثقافي المتنوع؟

فقبل أيام، اطلق مشروع نقل المعرفة الذي تتبناه مملكة البحرين، والكتاب الذي صدر، يحمل عنوان «تفكر»، وهو من اهم الكتب، لكن ماذا بعد؟ فما كان ليصدر مثل هذا الكتاب الجاد لولا الدعم الذي قدمته مملكة البحرين ممثلة في رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة مي بنت محمد آل خليفة.

مد اليد للصناعات الثقافية، ضروري، كما تعتقدون؟

- بالتأكيد، فإذا أخذت هذا الكتاب اقتصادياً، وتولاه ناشر، لن يصدر، فحسابات السوق ستقول: كلفة الترجمة والاخراج والتدقيق والسفر كذا، اذن نستطيع ان نبيعه بكذا، اذن نستطيع ان نطبع هذا العدد من النسخ، واذا وزعت كل ذلك على الكلفة الهائلة تكون كلفة الكتاب مرتفعة جداً، وبالتالي لا يصل لأي مكان.

ولكن حين يتبنى الجانب الرسمي العربي هذه المشاريع، فإن المسألة ستختلف لحظتها، والسؤال: هل يستطيع أن يغطي جوانب المعرفة الضرورية للانسان العربي؟ فأنت تريد صناعة، وإذا كانت هنالك صناعة نشر قوية تكون حركة التأليف قوية. لا يجوز ان يبقى المؤلف والمترجم والكاتب، في حالة انتظار حتى تظهر مبادرة من مكان مّا، فالمبادرة مهما كانت جيدة تبقى استثناء.

ومن هذا الموقع، نطلق صرختنا كناشرين بالحاجة لاستراتيجية، نريد أن نشجع دور النشر لتقبل على نشر مشاريع فكرية كبرى، نقتني ما تنتجه ونوزعه على مراكزنا الثقافية وعلى مدارسنا وجامعاتنا، فهذا أجدى ويحقق جدوى مستقبلية.

العدد 4953 - الثلثاء 29 مارس 2016م الموافق 20 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً