العدد 4952 - الإثنين 28 مارس 2016م الموافق 19 جمادى الآخرة 1437هـ

هل ستودعنا «السفير»؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الإعلان عن أن 31 مارس/ آذار 2016 سيكون آخر يوم تصدر فيه صحيفة «السفير» اللبنانية كان صادماً، وهناك أنباء أن هذه الصدمة قد تساهم في التراجع عن هذا القرار.

لم يكن مفاجئاً لمن يتابع أوضاع الصحافة في العالم، خبر الإعلان عن العزم على توقيف صحيفة «السفير» اللبنانية عن الصدور، بعد أكثر من أربعين عاماً من النضال بالقلم والكلمة الحرة.

هذه الصحيفة التي صدر عددها الأول في (26 مارس/ آذار 1974)، قبل عام كامل من انفجار الحرب الأهلية في لبنان، اختارت التاريخ نفسه للتوقّف عن الصدور في (26 مارس 2016).

أربعون عاماً اجتازتها «السفير»، كانت تمثل بصدقٍ «جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان»، فكنّا نتطلع إليها كلما غمُضت الرؤية واختلطت الأمور، لنعرف اتجاه البوصلة العروبية في لبنان.

هذه الصحيفة التي رفعت شعار «صوت من لا صوت له»، كان المهتمون بالسياسة من أبناء جيلي يتابعونها في نهاية السبعينيات، حيث سُمح لها التوزيع في البحرين على مرحلتين، ومُنعت نهائيّاً في المرة الثانية، بسبب ما كانت تنشره من تغطياتٍ أو تعبّر عنه من آراء حول ما يحدث في البحرين. وفي المرات القليلة التي زرت فيها بيروت، زرت مقرّها في شارع الحمراء مرّتين، في المرة الأولى شرّفني الزملاء بدعوتي إلى حضور اجتماع التحرير اليومي، وبعد الانتهاء منه طلبت أمرين: الاطلاع على أرشيف البحرين في الصحيفة، فأُخذت إلى أحد الطوابق العلوية، حيث شاهدت صفّاً من الملفات الكبيرة المتراصة على رفين مخصّصين للبحرين، تضمّ الكثير من قصاصات الصحف. كان ذلك في نهاية العام 2004، وهذه الطريقة في الأرشفة التي تتوزع على ثلاثة طوابق أصبحت من الماضي السحيق، بعد التحوّل الضخم الذي تشهده الصحافة إلى النظام الرقمي.

الطلب الآخر أن أشاهد مكتب رسام الكاريكاتير الفلسطيني الكبير ناجي العلي (رحمه الله)، فأخذت المصعد إلى طابق آخر، حيث دخلت غرفةً صغيرةً فيها طاولة مهجورة، قيل إن العلي كان هنا. وأطلعتني صحافيةٌ شابةٌ على النسخ الأصلية لبعض رسومه، ونسختُ بعضها لأحتفظ بها تذكاراً.

جيلنا يحتفظ لـ «السفير» وصاحبها طلال سلمان بتقديرٍ كبيرٍ، حيث نتطلّع إلى معرفة رأيه كصوت قومي ملتزم بقضايا الأمة العربية. وكثيراً مّا دفعت الصحيفة وصاحبها ثمن هذا الموقف، إذ تعرّضت مطابعها للنسف في 1980، واستُهدف مقرّها بالتفجيرات والقصف بالصواريخ خلال سنوات الحرب الأهلية، بل واستهدف منزل سلمان مراراً، وتعرّض لمحاولة اغتيالٍ في العام 1984. ومع ذلك ظلت «السفير» صامدةً في شموخ، حيث كانت الصحيفة اللبنانية الوحيدة التي لم تتوقف حتى بعد اجتياح الجيش الصهيوني نصف لبنان، ودخوله العاصمة بيروت صيف العام 1982.

كانت «السفير» تراهن على قول الحقيقة، وإيصال المعلومات إلى القارئ ليكون في الصورة، وقد أُوقِفت عن الصدور عدة مرات، آخرها في العام 1993، بعدما نشرت وثيقةً سريةً عن المفاوضات التي كانت تجريها الحكومة اللبنانية مع «إسرائيل». لكن القضية تحوّلت لصالحها حيث وقف معها اللبنانيون بمختلف أحزابهم وتوجهاتهم، حفاظاً على ما يتمتعون به من حرية تعبير.

اليوم، قد تتوقف «السفير»، ليس بسبب قرارٍ وزاري متعسف، أو تدخلِ حكومةٍ ضاق صدرها بالكلمة الحرة والرأي المستقل، وإنّما بسبب عوامل خارج الإرادة والتخطيط. فإلى جانب التطورات التقنية الهائلة التي حاولت مجاراتها، عبر النشر بالموقع الإلكتروني؛ هناك أزمةٌ اقتصاديةٌ فاقمها انهيار أسعار النفط، واستتبع تراجعاً حادّاً في الإعلانات التي تقوم عليها صناعة الصحافة؛ إلى جانب تراجع أوضاع الطبقة الوسطى التي تخاطبها، وتشكل القاعدة الأوسع من القرّاء.

العامل الأهم والأخطر من ذلك، ما تشهده المنطقة من انقسامات طائفية وما تعانيه مجتمعاتنا العربية من تشرذمات. في السابق كانت تخاطب مجتمعاً شبه موحد، تجمعه عوامل مشتركة تحت ظلال وطنٍ واحد، أما حين يتحوّل الوطن إلى كانتونات متنازعة و «غيتوات» منعزلة، فذلك أكثر ما يخنق صحيفةً ملتزمةً بهموم الوطن الواحد مثل «السفير».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4952 - الإثنين 28 مارس 2016م الموافق 19 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 5:01 م

      غياب السفير

      نسمع ونقرأ أكاذيب أقل
      نتمنّي يحصل الشيئ نفسه للحزب الذي كان يموّله ويدعمه

    • زائر 7 | 4:00 ص

      لا يريدون في هذا الزمن رأي حر ومتسقل
      يريدون صحافة تطبيل

    • زائر 5 | 1:42 ص

      لازم تغلق دام محد يقرأ جرايد مع وجود الاجهزة الذكية والدور جاي على غيرها بعد

    • زائر 4 | 1:21 ص

      احسنت

      مشكلة الصحافة الحرة انها تمثل الطرف الفاضح للصحفة المأجورة فإذا قرأت صحيفة ....مثلا تستنتج ان باقي الصحف ما هي إلا هرطقات كذلك الحال مع صحيفة السفير إذ أضحت تشكف سوآت باقي الصحف التي تدعي النزاهة والحيادية.

    • زائر 3 | 12:43 ص

      غياب السفير...
      غياب صحيفة السفير اللبنانية عن الساحة خسارة فادحة للصوت العروبي في لبنان و خسارة لصحيفة ضلت لعقود ملجاً للكتاب الممنوعين من الكتابة في اوطانهم. اتمنى ان تسوى اوضاعها المالية و تستمر منارة للصحافة العربية في هذا الزمن الردئ

    • زائر 2 | 12:19 ص

      الجرائد الحرّة تحتاج لدعم الناس والناس تريد منهم المزيد من الحريّة وهناك من يضيق على الجرائد في حريتها ودوّامة مستمرّة

    • زائر 1 | 10:16 م

      الكاسر

      ضاق صدرها من الكلمة الحرة
      عجبتني العبارة
      إليك أعني فسمعي يا جارة

اقرأ ايضاً