إذا صحّ ما ذهب إليه المفكر والمعارض السوري برهان غليون من أنَّ الأزمة السوريَّة تتَّجه، ولو ببطء، نحو حلحلة سياسية ما، وأنَّ نهاية مأساة الشعب السوري بدأت تلوح، فإنَّ سؤالاً يلقي بوَهَجِه على كل متابع: ما الوجهة الجديدة لمقاتلي داعش، ولاسيما القادمين من المغرب العربي أو من أوروبا ولهم أصول مغاربيَّة؟ وخاصة أنَّ عددهم ليس بالقليل. كيف يمكن أن يتعامل المغرب العربي، وهو على حاله التي عليها الآن، مع هذا السيل الجارف من المقاتلين المتدرِّبين على حرب الشوارع وصناعة الموت في كل آن وحين؟
على الرغم من أنه يُعتَبر تقليديّاً منطقة مستقرة نسبيّاً مقارنة بالشرق الأوسط، فإنَّ المغرب العربي قد فَقَدَ شيئاً من توازنه بسبب حالة اللااستقرار في ليبيا؛ حيث فشل الأشقاء الليبيون في أوَّل امتحان للتغيير السلمي في تاريخهم، وتحوَّلت أراضي البلاد مسرحاً للميليشيات والتنظيمات القبلية والإرهابية، وهو ما هيّأ الأرضيَّة لتنامي المدِّ الداعشي، ذلك أنَّ تنظيم الدولة قد استشعر بداية نهايته في العراق والشام، فاتّخذ من ليبيا ملاذاً له ولقادته وجنده، وخاصَّة أن هذا التنظيم متعدّد الجنسيات يتغذَّى من الفوضى والدول الهشَّة.
وطويلاً ما حذَّر المحلِّلون من أنَّ تنظيم «داعش» سينقل دول المغرب العربي إلى قلب المعركة؛ فبانضمام آلاف من تونس والمغرب وليبيا إلى صفوف التنظيم للقتال في سورية والعراق، ثمّ وبعودة قسم من هؤلاء إلى بلادهم عاجلاً أو آجلاً، بهذا وذاك سينتقل المغرب العربي إلى قلب المعركة؛ ذلك أنَّ وجود داعش في ليبيا وعودة المقاتلين خلسة إلى بلادهم سيشجِّع الخلايا النائمة هنا وهناك للمحاولة من جديد سواء في أعمال منظَّمة أو منفردة.
لذلك نادى البعض إلى توجيه ضربة عسكرية دوليَّة موجعة إلى التنظيم في ليبيا للتخفيف من الخطر المتنامي في ليبيا لتنظيم داعش، والذي يمثِّل تهديداً للأمن القومي في كلٍّ من الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا وكذلك مصر ودول الجوار الليبي عموماً. غير أنَّ هذه الأخيرة لم توحِّد موقفها من ضرب ليبيا وخاصة دول المغرب العربي. وعلى رغم كونها ليست صاحبة القول الفصل وخاصة في هذه المرحلة فإنَّ تباين وجهات النظر بين الدول المغاربيَّة بشأن ضربة عسكريّة في ليبيا يؤكّد حالة الانقسام بينهما بشأن الاستراتيجية الكفيلة بدحر هذا الأخطبوط.
أمّا بشأن التعامل مع العائدين من المشرق، فإن المتابعة القضائية هي المسلك الأوّل لمن عاد تائباً من سورية أو العراق، ليأتي بعد ذلك دور المؤسسات السجنيّة في إصلاح هؤلاء التائبين وتأهيلهم للاندماج بسلام في المجتمع من جديد. لكنّ الخوف كل الخوف ممن يعودون متظاهرين بالتوبة ويرتضون كل أشكال العقوبة من أجل أن يكون له موطئ قدم في بلاده من جديد ثم يعود إلى سالف خطره حين يطلب منه ذلك. لذا لابدَّ من التعاون بين الدول المغاربيَّة في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة.
ولئن كان التعاون الأمني بين دول مثل تونس والجزائر متقدماً للغاية في محاربة التنظيمات الإرهابية، فإنَّه يبقى تعاوناً ثنائيّاً فرضته المخاطر المحدقة بالبلدين على الحدود، وعلى رغم ذلك لا نجد لهذا التعاون مثيلاً بين المغرب والجزائر، بل ربما الخلاف القديم بشأن الصحراء المغربية من شأنه أن يخلق بيئة حاضنة وجاذبة للدواعش، وهو ما من شأنه أن يعرض أمن البلدين إلى الخطر. وممّا يتخوّف منه المغاربة وخصوصاً أن يتمطَّط التنظيم الداعشي ويصل إلى منطقة «تندوف» المضطربة فيشكِّلَ تهديداً صريحاً للبلديْن معاً.
وإذا كانت المملكة المغربية قد حقَّقت انتصارات متتالية على تنظيم الدولة بتفكيك العديد من الخلايا الإرهابية في الشمال خصوصاً بفضل خبرة جهاز المخابرات والأمن الاستباقي، غير أنّ ذلك لا يعصمها من خطر الوجود الداعشي، وخاصة أنَّ الرحلة العكسية قد بدأت بعودة زهاء 200 مقاتل مغربي من مقاتلي داعش في سورية إلى المغرب، علماً بأنَّ المقاتلين المغربيين قد تقلدوا في هيكلة تنظيم دولة البغدادي مناصب مهمة ما يجعل خبرتهم الميدانية والقيادية متقدمة جدّاً وهو ما يشكّل خطراً متزايداً على المغرب العربي.
لئن عبَّرت الولايات المتحدة الأميركية والغرب معها، عن التخوّف من تغوُّل الجماعات المتطرفة في ليبيا بما تمثِّله من تهديدات لأمن المغرب العربي واستقراره بل واستقرار أوروبا أيضاً فإنَّه من باب أولى أن تكون دول شمال إفريقيا سبّاقة للتعبير عن هذه المخاوف، وخاصة بعد العمليات الإرهابية المنفردة في هذه الدولة أو تلك، بل وسباقة في اقتراح الحلول، كما تطمح شعوب المغرب العربي أن تتجاوز دولها، ولاسيما المغرب والجزائر خلافاتها بشأن الصحراء المغربية مع ما يتطلّبه ذلك وتفرضه المرحلة والتهديدات من ضرورة التحلِّي بالحكمة والجرأة والشجاعة.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4952 - الإثنين 28 مارس 2016م الموافق 19 جمادى الآخرة 1437هـ
داعش خطر فكك أوصال المشرق العربي وهاو بعد تنفيذ مهمته على أحسن وجه يتجه نحو المغرب العربي
سترك يا رب
هذا يحسب للمملكة المغربية: وإذا كانت المملكة المغربية قد حقَّقت انتصارات متتالية على تنظيم الدولة بتفكيك العديد من الخلايا الإرهابية في الشمال... لكن ما دورها في التنسيق مع الجزائر
شكرا على المقال وخاصة قولك:
تطمح شعوب المغرب العربي أن تتجاوز دولها، ولاسيما المغرب والجزائر خلافاتها بشأن الصحراء المغربية مع ما يتطلّبه ذلك وتفرضه المرحلة والتهديدات من ضرورة التحلِّي بالحكمة والجرأة والشجاعة.