العدد 4952 - الإثنين 28 مارس 2016م الموافق 19 جمادى الآخرة 1437هـ

المخرج المسرحي العراقي كاظم نصّار: الغرائبية نفَّرت الجمهور من المسرح

تنافس عرضه «وعاشوا عيشة سعيدة» على جوائز «أيام الشارقة»...

جانب من عرض «وعاشوا عيشة سعيدة»
جانب من عرض «وعاشوا عيشة سعيدة»

الوسط - منصورة عبدالأمير 

تحديث: 12 مايو 2017

أكَّد المخرج العراقي كاظم نصّار أن مزْجه العبث بالواقعية في مسرحية «وعاشوا عيشة سعيدة»، محاولة منه لإقامة صِلة بالمتلقي، مشيراً إلى أن الجمهور من حقِّه أن يفهم الأرضية التي يتحرّك عليها العرض بدل أن يتوه مع الأساليب المسرحية التي يستخدمها المخرج.

نصّار أخرج عمله لمسرح كلباء بتكليف من دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، ليتنافس على جوائز أيام الشارقة المسرحية التي عقدت في الفترة ما بين 17 و 27 مارس/ آذار 2016.

التقته «الوسط» قُبيل تقديم عرضه المسرحي، ليدور معه حوار بشأن عمله المتنافس... أسلوبه الإخراجي وتجربته العراقية.

- تتعاون مع مسرح كلباء الإماراتي، وهي المرة الأولى التي تخرج فيها عملاً غير عراقي، ما أهمية هذه التجربة بالنسبة لك؟

تم الاتفاق معي من قبل دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة لإنجاز عمل مسرحي مع مسرح كلباء للمشاركة في «أيام الشارقة المسرحية». هذا الاتفاق جاء بهدف تطوير المسارح التي يوجد بها حركة مسرحية جيدة لكن تحتاج إلى خبرات جديدة. المشروع بدأ منذ عام تقريباً، وأُعطيتُ صلاحيات أن أحضر ممثلات باعتبار أن الحضور النسائي قليل في مسرح كلباء، وأن أحضر سينوغرافياً محترفاً من العراق، وأن اختار النص وهو نص عراقي أيضاً للكاتب علي الزيدي، وهو كاتب له صدى في العروض العربية وتم الاشتغال على نصوصه كثيراً.

هذه التجربة جِدُّ مهمة بالنسبة لي، ما يميّزها هو أنها تجربة عربية أخوضها للمرة الأولى. عادة اشتغل مع ممثلين عراقيين محترفين. هذه المرة هناك تنوّع وتعدّد ثقافي فأنا أعمل مع ممثلين شباب لهم تجارب سابقة من الإمارات والأردن، وأنا أعرض في مهرجان محلي وأمام جمهور مختلف وهي تجربة لم أخضها كثيراً. لا أخفي عليك، التجربة اكتنفتْها صعوبات حاولت أن أذلّلها وأتغلّب عليها، وآمل أن تكون النتائج تليق بي وبمسرح كلباء، وسأراقب كيف يتلقى هذا الجمهور المختلف مزاج عرضي.

- عمّا يتحدث العرض، وأي موضوعات يناقشها علي الزيدي في نصه؟

فكرة النص تتحدّث عن الانتظار، وهو مفهوم وفكرة تم تناولها كثيراً، لكن في هذا العرض المسرحي لم تكن الفكرة هي الأهم، بل كيفية تقديمها. النص يتحدّث عن عروستين في صالون تبحثان عن الفرح والسعادة والأمل، لكنهما تصابان بالخيبة من التغيير الذي حدث في العالم العربي وهو ما سيجده المتفرج في خلفية العرض. هناك بنية اجتماعية متحركة عبر هاتين العروستين وهناك إلى جانب ذلك صاحب الصالون وعامل الصالون. نرى معاناة هؤلاء جميعاً ورعبهم وقلقهم وخيبتهم ونستمع لحكاياتهم. لم أكن ملزماً بأن أقدم كامل حكاياتهم لكني أخذت مقطعاً عرضياً من هذه الحكايات واشتغلت عليها بطريقة يبدو لي، كمراقب، أنها مختلفة قليلاً في مزاجها المسرحي عن العروض الإماراتية التي تابعتها، وهو مزاج يجمع بين مسرح العبث والمسرح الواقعي وبين طريقتي الإخراجية. لا أقول إن عرضي أهم لكنه مختلف عن باقي عروض المهرجان في طريقة معالجته المختلفة.

- ما هي المعالجة المختلفة التي يمكنك تقديمها لأفكار النص التي تبدو مألوفة ومكرّرة مسرحياً؟

أفكار الانتظار والحب والسعادة والأمل قدِّمت كثيراً. الجديد الذي يمكن أن أقدّمه سيكون في معالجة الفكرة، والمخرج مطالب دائماً بأن يقدّم معالجة وليس فكرة. أقدّم هذه الأفكار عبر العبث الممزوج بالواقعية. وأنا أختار الواقعية لحرصي على أن أقيم صلة بالمتلقي بدل أن أذهب إلى الجنون؛ إذ يجب عمل أرضية لهذا الجنون وللتفاهم مع المتلقي وإلا سيتوه مني، وخاصة في مهرجان مثل هذا فأنا لن أتنافس وفق المنطق التقني ومن حق الجمهور أن يفهم الأرضية التي أتحرَّك عليها ومن ثم أذهب إلى ما أريد من أساليب قد يؤدِّي تعددها إلى حدوث خلط لدى المتلقي.

- يبدو وكأن المسرحيين يلجئون إلى مسرح العبث كلما استبد بهم اليأس من التغيير ومن تجاوز احباطات الواقع حولهم، وكأنه يشكّل لهم مهرباً من الواقع لكيلا يتعرضوا له على المسرح. ما موقفك أنت كمخرج ذي باع طويل ومعروف عنك وعيك ومعرفتك بالاتجاهات المسرحية المختلفة؟

اشتغلت على مسرح العبث منذ مطلع التسعينات، ولذلك علاقة بوضعنا في العراق، وبحياة ما بعد الحرب والتغييرات التي طرأت على الأفراد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. قدّمت عدداً من العروض في هذا الاتجاه، وحصلت على جوائز عديدة وحققت حضوراً عربياً. بعد العام 2003 وبعد التغيير في العراق أصبح لدينا انفتاح قليل في اختيار نصوص تراقب الظواهر المتغيرة سياسياً، وهنا أصبح عملي مختلفاً في أساليبه وفي معالجته لقضايا مثل: الإرهاب والعنف والديكتاتورية والهجرة. هذه الملفات أتناولها ولكن ليس على حساب المستوى الفني، وهو أهم من الفكرة. لجأت إلى ما يسمى في السابق بالكباريه السياسي الذي يعتمد على الكوميديا السوداء.

بالنسبة إلى نص «وعاشوا عيشة سعيدة»، وجدت نفسي منساقاً لهذا النص وحيثياته وجماله وعلاقته بالربيع العربي. وهنا لم أذهب لتقنية مسرح العبث بطراً وإنما لأنها الأفضل لمعالجة النص. نحن نلجأ إلى العبث عند ما نصل إلى حائط أو نهايات مسدودة. عند ما نصل إلى حياة متكررة مُغلقة، نعالجها عبر السخرية والكوميديا أو العبث.

في معالجتي، ستجدين ملامح لمسرح العبث ولكن الواقع يطغى، لا أستطيع أن أذهب بعيداً، فهذه ليست مباراة في الأساليب والتقنيات وإنما المهم هو كيف أخلق تواصلاً مع المتلقي وأرتفع به.

أما اللجوء الدائم إلى العبث بعد الإحباطات، فأنا لست ضد الأساليب، من حق أي مخرج استخدام الأسلوب الذي يرغب بشرط إلا يؤدِّي ذلك إلى فقدان المسرح لجمهوره، وهو ما حصل في مصر وفي العراق وفي أماكن أخرى حيث فقد المسرح جمهوره وتسيُّد المسرح التجاري. على رغم ذلك، أرى أنه يتوجَّب على المسرحي أن يهتم بكسر الفجوات بينه وبين المتلقي.

في التسعينات، قمنا بتقزيم الجمهور العراقي، ولذا ذهب جمهورنا إلى المسرح التجاري، لأننا اخترنا الغرائبية والعبث. بعد العام 2003 وبعد أن أصبح كل شيء مفتوحاً ورفع المحظور، انتبهنا، أنا وبعض زملائي المسرحيين إلى أن الناس تنتظر أن ترى جزءاً من نفسها على المسرح ويجب ألاّ نعمل لها غربة مضاعفة مع المسرح. بالطبع يجب ألاّ يكون ذلك على حساب الجانب الفني، لكن يجب أن نركّز على إغراء الجمهور ليترك استرخاءه أمام التلفزيون ويأتي إلى المسرح.

- تتحدَّث عن مُغريات كثيرة تتجاذب الجمهور وتأخذه بعيداً عن المسرح. برأيك هل يفرض هذا الأمر أي مسئولية على المسرحيين لإعادة الجمهور إلى المسرح ولاستغلال المسرح لإحداث تغيير مجتمعي ما؟

نعم، هذا السؤال يحمّلني مسئولية. طوال تاريخه أحدث المسرح تغييراً وتأثيراً لكن بشكل سلحفائي ومحدود. لا أريد أن أتبجّح هنا وأقول إن المسرح غير أو ما شابه، هو يهذب الذات جمالياً ويرتقي بالذوق العام. الحضور إلى المسرح بحد ذاته كما كان يحدث في السبعينات حين كانت العائلة ترتدي أفضل ما لديها لتذهب إلى المسرح، هذا الأمر لوحده يشكل قمعاً للعنف، وللنزعة الفردية الغريزية للقبح والتدمير. لا أريد أن أصبح طوباوياً لكن التغيير يحدث حين يتمكّن المسرح من خلق قاعدة جماهيرية كبيرة، وجمهور المسرح اليوم هو من الصحافيين والفنانين فقط. لم نخلق صلة حاسمة مع المتلقي، وحتى اليوم هناك شك عمّا هو المسرح، وما وظيفته.

- ألا تتفق معي في أن المسرح هو الفن الوحيد الذي يمكنه أن يصمد أمام ضغوط التحوُّل إلى الجانب التجاري، لو كانت هناك جدِّية أكبر من المسرحيين ووعي أفضل بضرورة القضاء على غربة الجماهير مع المسرح.

يأتي هذا الأمر ضمن المساعي الشخصية. سأطرح تجربتنا كمسرحيين عراقيين. تعرفين أن العراق كان محاصراً لمدة 13 عاماً، وكنا نمر بظروف معيشية صعبة للغاية، كانت العائلة تبيع مقتنياتها وصولاً إلى أعضائها لتعيش. في ظل هذا الأمر ما الذي يمكنك فعله كمسرحي، لذلك أمسك بعضنا بأعمدة المسرح العراقي، وأنا واحد منهم. كنا نؤمن بأن الذهاب بالمسرح إلى المنطقة التجارية يعني أن تتفهمه، أن تأخذه إلى منطقة يرفضها، وأشخاص لا علاقة لهم به. لكن لتحقق هذا الأمر تحتاج لأشخاص زاهدين لديهم حب لبلدهم ولقضيتهم العربية ولقيم العدالة والحق والمساواة، وهي أمور لا تجد لها سوقاً اليوم.

الأمر يحتاج لوضع استراتيجية تلقّي تقرّب الجمهور منك، للاهتمام بالمرتكزات الأساسية للمسرح في العالم العربي، فليس هناك مسرح بدون حرية، بالإضافة إلى ذلك يجب أن تكون هناك رؤية استراتيجية مسرحية، لا يمكن أن تسير الأمور بتقديم عروض فحسب. الركن الثالث هو أن توجد إدارات ثقافية مدرّبة، وهو أمر أصبح علْماً خاصاً ولا يمكن أن يتم «بالتفاطن». الركن الرابع هو تأمين تمويل منظم للمسرح لا أن يتم الأمر بالمكارم والهبات. الركن الخامس هو تأسيس البنى التحتية للمسرح، وهذا الأمر موجود في دول عربية كثيرة، في الشارقة، وفي أبوظبي، وفي البحرين.

- أشرت إلى تجربتكم كمسرحيين عراقيين في التسعينات، كيف استطعتم أن تصمدوا بالمسرح في ظل تلك الظروف وقتها، ثم كيف أعدتم الروح وأشعلتم جذوتها فيه من جديد؟

لنكن موضوعيين، لم نكُ نعيش في التسعينات، كان هناك حصار ولدينا مشاكل مع كل جيراننا. لدينا أزمة اقتصادية خطيرة. هناك العاطلون عن العمل، وهناك قتل وموت يومي. هناك أشخاص يموتون بسبب نقص الغذاء. ما الذي يستطيع أن يفعله المسرح في هذا الوضع؟ أغلب المسرحيين ذهبوا إلى المسرح التجاري لكي يأكلوا. المجموعة التي رفضت الذهاب إلى المسرح التجاري، وأنا واحد منها، أطلق علينا مسمَّى المثاليين، ونحن نطلق على أنفسنا المجانين، بقينا ورفضنا المشاركة في هذه المهزلة حتى لو جعنا. انعكس ذلك على صحتنا وعلى أوضاعنا وأوضاع عائلاتنا وأصبحت لدينا مشاكل اجتماعية مثل الطلاق وغيره. اليوم لا يعني هذا الأمر شيئاً وسط كل المتغيرات السريعة. المسرح العراقي اليوم لا ينقصه شيء، تلف عروضه العالم ويشاهدها الجميع.

- بعد تعاونك مع مسرح كلباء، كيف تجد التجربة المسرحية في دولة الإمارات؟

التجربة الإماراتية متطوِّرة كثيراً بسبب رسوخ المرتكزات الأساسية للمسرح التي ذكرتها في حديثي، وبسبب وجود الشارقة كمدينة مسرح جعلها حاكم الشارقة سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي واحة للمسرحيين العرب. المسرح الإماراتي يتطور عاماً بعد عام وبدأت بعض أسمائه تلمع وتنافس على الجوائز، وبدأت الفرق المسرحية فيه تتحرَّك وتتطوَّر مثل فرقة مسرح كلباء التي أعمل بها والتي تأسست العام 1980 واستمرت منذ ذلك الحين.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً