هناك خلطٌ بين ما هو رأي، وبين ما هو يقين، إذ أن الثاني هو سكون النفس لأمر ما والعلم به، أما الرأي فله عدة مسميات؛ فهو الاعتقاد والتدبر والتعقل واصطلح عليه المتشرعة بأنه الاستنباط.
الفرق بين الاثنين: أن اليقين ليس له نهاية وقد لا دليل حوله إنما هو اطمئنان؛ إذ أن وجود اليقين في نفوس الناس يختلف من فرد إلى آخر، ولا يتغير هذا اليقين الذي يقبع في النفوس حتى وإن جلب لها ألف دليل، لا يتغير مادام صاحبها مقتنعاً حتى بدون دليل عيني. مثالٌ على ذلك القناعة بوجود الله أو مبدأ العدالة وغيرها، بخلاف الرأي عادةً ما يكون أمده قصيراً ومتحولاً، حيث يعترضه رأي آخر ويتبدل أو يتطور، فليس معنى ذلك أنه خاطئ، فقد يكون صائباً في وقته، لكن في وقت آخر لا يصح التعامل به.
مجتمعنا مع الأسف يميل ويتعامل مع الرأي كيقين، إذ لا اختلاف معه ومسلم به، على العكس من ذلك في المجتمعات المتقدمة تدفع بالآراء ولا تتعامل معها كمسلمات لكي تتولد أفكار منها جديدة.
كثيرٌ من الآراء تتغيّر مع تغيّر الزمان وهذه هي طبيعة الحياة، لكن هناك من ينزعج من الآراء الجديدة؛ لأنها تخالف ما ألف من رأي، لذلك يعتبر المألوفات يقينيات وتغيّرها من المحظورات، إلا أن تغيّر الآراء ينبئ عن تقدّم المجتمعات والتحديث في أفكارها، فينبغي دائماً وأبداً الاستمرار في التحديث على المستوى الفكري والذي ينعكس ذلك على المجتمع بكامله.
وجود أديان أمر يقين عند البشر، لكن فهمهم لها يعتبر آراء مختلفة، لذلك الدين من حيث هو لا يتغيّر ولا يتبدل، بعكس الآراء فإنها تختلف من زمن إلى آخر، مثال على ذلك المسائل الفقهية تختلف من وقت إلى آخر؛ لأنها تعتبر رأياً، والدليل على ذلك اختلاف الفقهاء حول المسائل، فحكم الله يقين لكن حكم الفقيه يعتبر رأياً، لهذا فإن الدين له مرونة وسهولة في المواكبة والانسجام مع أي عصر، ثوابته راسخة لكن فروعه متغيرة، إذ هي التي يختلف عليها من حيث الفهم لمتطلبات العصر.
لذا من الصعب أن تصبح الآراء الفقهية قبل ألف سنة هي الآراء نفسها المتبعة في عصرنا الحاضر، لو كان ذلك لصارت قيداً على الناس ولا تنسجم مع ما جاء به الدين لإسعاد الناس.
عيسى العيد
السعودية - القطيف
مقال في غاية الروعة سلمت يد من خطته
أحسنت, بارك الله بكم يا وسط! موضوع رائع! شيق!
الإمام علي عليه السلام: هي نبوة ورسالة وإمامة , وليس بعد ذلك إلا: موالين متبعين , أو عامهين مبتدعين ,
إنما يتقبل الله من المتقين.
(تحف العقول)