في الحادي والعشرين من هذا الشهر، أعلنت الوكالة اليهودية لإسرائيل أنها نجحت في نقل 19 يمنياً يهودياً من اليمن إلى «إسرائيل» في عملية سرية معقدة كما وصفتها. اليهود المنقولون، هم 14 فرداً من مديرية ريدة بمحافظة عمران شمال غرب اليمن بينهم حاخام كبير، بالإضافة إلى خمسة أشخاص يسكنون العاصمة صنعاء هم عبارة عن أسرة واحدة، بينما بقي خمسون يمنياً يهودياً آخرين، رفضوا مغادرة اليمن.
الحقيقة، أن موضوع يهود اليمن، نشأة وتاريخاً وتفاعلاً جدير بأن يُكتَب عنه؛ وذلك لما له من أهمية خاصة. فمعرفة ذلك التاريخ هو في جوهره معرفة بتاريخ هذه المنطقة، على مستوى علم الأديان والطبيعة السوسيولوجية لإنسان تلك الأديان، ودور السياسة والجغرافيا في تشكيله والتأثير على خياراته. لذلك آثرت في هذا المقال تناول الموضوع للأهمية التي ذكرتها، مستعيناً بعدد من المصادر التاريخية القديمة والحديثة التي كتبت بصبر ومثابرة عن هذا الموضوع المغيّب.
دخلت اليهودية إلى اليمن منذ عهد غابر عن طريق القوافل التجارية القادمة من بلاد الشام، فضلاً عن أسباب الاضطهاد السياسي الذي لَحِقَ بهم في بعض المناطق. لكن وكتحديد أكثر، يذكر المؤرخون أن تُبَّان أَسْعَد أبو كرب (وقيل تبع بن حسان) أحد ملوك اليمن القدماء من الحِمْيَريين هو الذي أدخلها بعد أن تأثر باليهودية عند مروره بيثرب والتقائه بِحِبْرَيْن من أحبار اليهود من بني قريظة بعدما أنهى حرباً في الشمال، حيث جعل اليهودية ديانةً رسميةً لبلاده بعدما كانوا يعبدون الأوثان.
وعند الرجوع إلى نصّ عمره 1500 عام، نرى أنه يشير إلى أن اليمنيين قد اعتنقوا اليهودية أيام الملكة بلقيس ملكة سبأ، لكنهم عادوا إلى الوثنية، ثم دخلوا النصرانية أيام أنسطاس ربما خوفاً وتستراً من بطشه. لكن كل هذا لا يمنع وجود اليهودية بشكل راسخ في بلاد اليمن. وقد وُجِدت نصوصٌ تشير إلى العلاقة الوثيقة بين يهود فلسطين (وبالأخص الأحبار الطبريين) ويهود اليمن.
وخلال القرن التاسع عشر، وعندما بدأ المستشرقون يأتون إلى اليمن ومعهم خرائط الوجود اليهودي التي وفرتها لهم أعرق جامعات أوروبا، اكتشفوا العديد من النصوص التي تدلّ على تلك الجذور وعلى تلك العلاقة، كورود كلمة «يسرائيل». ويُقارب جواد علي بين التواجد اليهودي في اليمن الذي عثر عليه أولئك المستشرقون وبين التواجد اليهودي في فلسطين بنصّ وُجِدَ جنوب شرق حيفا في فلسطين عند مقبرة الأحبار عليه اسم حِمْيَري يهودي يعود إلى 1816 عاماً من الآن.
لكن، هناك تفسير آخر يتعلق بطريقة تغلغل اليهودية في اليمن أكثر، وهو تفسير ينطوي على بُعد سياسي خلال بدايات العصر الجاهلي. وهو أن يهود اليمن أثّروا على الملك ذي نواس، أحد ملوك التبابعة، كي يعتنق اليهودية. وأن هذا الملك قد استجاب لذلك لا رغبةً في اليهودية بل خوفاً من تغوّل النصرانية الحبشية، التي في النهاية دخلت اليمن انتقاماً من معاملة اليهود هناك للنصارى.
أعود إلى حقبة تالية وهي لحظة الصِّدام اليهودي المسيحي لتفسير انتشارهم خلال الحقبة الجاهلية. فمما يذكره المؤرخون أن صِداماً دموياً قد حصل بين يهود الشام وبين القيصر طيطوس بعد ولادة المسيح (ع) بـ70 عاماً، ثم مع هدريان بعد 62 عاماً من الصِّدام الأول، فهرب جزء كبير منهم إلى اليمن. وتفسير لجوئهم إلى اليمن هو وجود تجمعات يهودية هناك حتى بعد دخول الأحباش إليها، لأن التاريخ يشير إلى أن اليهود استطاعوا إخراج الأحباش من اليمن بمساعدة الفرس.
ومما ساعد على بقاء اليهودية في اليمن، أن اليهود اليمنيين لم يكونوا يحملون نزعة الجلاء من الأرض مهما كلّف الأمر، بعكس التجمعات اليهودية الأخرى في المنطقة. وربما كانت عملية البساط السحري التي قامت بها الوكالة اليهودية بعد قيام إسرائيل سنة 1948 لنقل خمسين ألفاً من يهود اليمن إلى فلسطين المحتلة، حالة استثنائية على طول خط تاريخ الوجود اليهودي في اليمن.
الحقيقة، أن البحث أكثر في المسألة اليهودية اليمنية هو أمر مهم، فهذه التجمعات اليهودية في المنطقة العربية قد أخذت ممارساتها اليومية وأعرافها الثقافية من البيئة التي عاشت فيها، وبالتالي ظلت جزءًا أساسياً من هذه المنطقة، ودليلاً على التجاور الديني والثقافي الذي كان يجمع الأديان الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام، وظروف علاقاتهم على أثير الأحداث السياسية.
ومما يدل على تأثر اليهودية اليمنية بالبيئة التي عاشت فيها هو نفوذ القبيلة على اليهود اليمنيين وتمايزهم الطبقي، الذي أنتج حالة ثنائية اجتماعية قسّمت المجتمع اليهودي طبقياً، فضلاً عن العلاقة التي جَمَعتهم ببيئة الحكم وذلك لتوفير الحماية لمجتمعهم الضئيل. وهي ثقافة قديمة دَرَجَ عليها اليهود منذ الأزمة القديمة حين كانت المنطقة تتصارع بين قواها الرئيسة.
أمر آخر، يتعلق بالإرث اليهودي القديم في اليمن، فما نُقِلَ عن أحد الحاخامات الذي تم إجلاؤه مؤخراً من هناك، وبحوزته مخطوطة توراتية على جِلدِ ماعز عمرها 600 عام قد لا تكون وحدها العاكسة للإرث اليهودي القديم في اليمن. وربما استحضار مساعي المستشرق الفرنسي جوزيف هاليفي قبل 147 عاماً هو أهم مما أعلِن مؤخراً، حيث نقل مئات النقوش التي كانت تتحدث عن المحيط الأوسع للبيئة اليمنية في العصور الغابرة، والتي كانت اليهودية تعيش فيه خلال تلك الفترة. وربما تسنح الفرصة لاحقاً لتناول هذا الموضوع بشكل أوسع.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4951 - الأحد 27 مارس 2016م الموافق 18 جمادى الآخرة 1437هـ
لا الصدق لهم ولكن المكر ديدنهم! أقرب اليهم مما لا شك فيه أن اليهود ليسوا من الشعوب ولكنهم من الناس.كما يقال أجناس اي أنثى وذكر وكما يقال أيضا الناس معادن! اليهود التجار أو كما يقال كل فاجر تاجر والعكس صحيح. فالتجارة بلا خسارة لا تكون إلا عند اليهود. قصص اليهود كثيره منها التعامل بالسحر والشعوذه. قصة الملكان هاروت وماروت في بابل لا ينكرها أحد. كما قصة الكهنه في أرض الكنانة أيضا لا تخفى على أحد.اليوم هل يهود مصر يهود الحبشة أو يهود العراق اليوم أو يهود من إحتل أرض فلسطين هم نونع مطور من اليهود؟
مخطوطة توراتية على جِلدِ ماعز عمرها 600 عام
أمر آخر، يتعلق بالإرث اليهودي القديم في اليمن، فما نُقِلَ عن أحد الحاخامات الذي تم إجلاؤه مؤخراً من هناك، وبحوزته مخطوطة توراتية على جِلدِ ماعز عمرها 600 عام قد لا تكون وحدها العاكسة للإرث اليهودي القديم في اليمن.
لا تعليق ، اقول فقط ان كتابات الاخ محمد مميزة بالرقمية
كتاباتات دائما تتفرد بالرقمية والعددية .
شكرا لاسرة الوسط ، التي تتميز دائما بالتنوع والابداع في الكتابه .
كل يوم جديد وتجديد بالموضوعات ، بالتوفيق ان شاء الله .
صح كلامك عزيزي
والدليل العائلات اليهوديه البحرينيه المتواجده معنا هنا في البلد أناس في قمة الخلق والثقافه وعملهم في الشأن الإقتصادي بكل حرفيه عكس الطرف (المسلم ) سب و شتم وتخوين وعدم ولاء ومساندة الإرهاب عيني عينك وبكل وقاحه.
بصراحه
اليهودي له كرامة في كل مكان وخصوصا إسرائيل عندها كرامة اليهودي أغلى من أي شي في الدنيا عكس المسلم في وطنه ماله قيمه ولذالك تشوف اليهود أهل علم وتجارة وفكر عكس قاطعي الرواس والطائفيين المرضى