تقول الحكمة/ العبارة الشهيرة «قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت»... في إشارة صريحة منه للأهمية البالغة للقراءة في حياة الشعوب، بوصفها مؤشراً يفصح عن الاتجاهات الفكرية والثقافية السائدة.
في السياق ذاته، أظهر استطلاع أجرته «الوسط»، لزوار معرض البحرين الدولي للكتاب، استمرار هيمنة الرواية على اهتمامات الشباب، فيما كانت اتجاهات الفئات العمرية الأعلى، تؤشر لمجالات عدة، تصدرها التاريخ، الدراسات الإسلامية، الفكر، والتنمية البشرية.
وشمل الاستطلاع الذي أجري في رابع أيام المعرض، أمس الأحد (27 مارس/ آذار 2016)، عينة عشوائية، ضمت أعماراً متفاوتة ومن الجنسين، فيما بين مدير المكتبة الوطنية إبراهيم القوتي أن التجربة المباشرة لعمله، تشير لتصدر الروايات بين القراء من فئة الشباب، تحديداً الإناث، لافتاً في الوقت نفسه لتعدد اتجاهات القراءة بين البحرينيين، بين المجالات الفكرية، التاريخية، السياسية، والتنمية البشرية.
البداية كانت مع المواطن عبدالله عمران (في العقد السادس من عمره)، والذي استوقفته «الوسط» بعد خروجه من المعرض الذي يحتضنه موقع متحف البحرين الوطني، وبيده كتابان، الأول للكاتب عبدالله يتيم «في ذاكرة المكان»، والآخر للكاتب محمد جمال «التراث الشعبي».
يتحدث عمران، الذي يحمل تجارب في التأليف، عن اهتماماته بالقول: «قراءاتي تتركز حول الجانب التراثي، تحديداً ما يرتبط بتاريخ المكان»، مضيفاً أن «صدر لي كتاب (ذاكرة الماحوز)، وحالياً أنا بصدد طباعة كتابي (الأبقار في البحرين... بين الأصالة والتهجين)، ويبحث في الجانب التراثي، بما في ذلك الأمثال والحكايات والقصص المرتبطة بموضوع الكتاب».
من جانبه، قال الباحث علي السلاطنة إن التاريخ بشكل عام والبحريني بشكل خاص، يستولي في الغالب على اهتماماته في الوقت الحالي، فيما كانت القراءات في السابق تتجه للأدب والدراسات الدينية.
وفيما إذا كان يجد ضالته في المعرض في نسخته الـ 17، قال: «في ظل هذه المشاركة الواسعة من دور النشر والعارضين من مختلف الدول، من المؤكد أن يجد المرء ما يبحث عنه، غير أن عملية البحث لا تخلو من صعوبة في ظل شغفي بالبحث المباشر، بدلاً من الاستعانة بالبحث الإلكتروني».
ويرى السلاطنة أن الاتجاهات البحرينية للكتاب، تتنوع بين الرواية التي لها النصيب الأكبر، ثم كتب التنمية البشرية والدراسات الدينية والتاريخية.
أما المواطن مرهون طاهر (في العقد الخامس من عمره)، فكان ميالاً للمجالات الدينية والفكرية.
يقول بعد اقتنائه كتابي «الخطابة الحسينية بين الأستاذ والطالب» و «الاقتصاد السياسي للنفط»: «أقرأ كهاوٍ، وتجتذبني القراءة في مجال الاقتصاد».
من جانبه، تحدث رئيس جمعية الاجتماعيين البحرينية حميد محسن، لحظة زيارته للمعرض، عن أولوية التاريخ لديه، مضيفاً أن «أقرأ في مختلف المجالات، لكن التاريخ يأتي في المقام الأول، تعقبه المؤلفات الثقافية لعدد من الكتاب والمفكرين من بينهم، جورج طرابيشي، محمد أركون، محمد عابد الجابري، ومحمد جابر الأنصاري»، مؤكداً في الوقت توفر ما كان يقصده من كتب في أجنحة المعرض.
وللشباب حضورهم في المعرض الذي بات وجهة عشرات الآلاف من الزوار، من داخل مملكة البحرين وخارجها.
تتحدث الطالبتان في المرحلة الإعدادية، دعاء خالد وملاك رجب، عن اهتماماتهما، لتشيرا وفي يد كل منهما رواية «قصص الأشباح والأرواح»، إلى سيطرة كتب الرواية والقصة على قراءتهما، وخصتا بالذكر «الروايات المخيفة، وتلك التي تشتمل على الإثارة والمغامرة».
فيما تتحدث الصديقتان مروة العريض وأنفال بوعلي، عن اهتمامات تنوعت بين الروايات والنصوص، إلى جانب المؤلفات في مجال الهندسة، المجال الذي يرتبط بوظيفتهما.
تضيف العريض وفي يدها رواية السعودي عبدالله الدليمي «كانت هي» أن «أبحث عن الروايات الواقعية ذات المضمون، والتي لا تخلو من خيال»، ونبهت في هذا الصدد للرواج الذي تلقاه «الروايات البسيطة»، على حد وصفها.
واختتم المواطن محمد عبدالملك (في العقد السابع من عمره)، الاستطلاع، بالإشارة لاهتماماته الشخصية، والتي تنحى للمجالات العلمية والصحية والتاريخية، وهي المجالات التي قال إن المعرض حوى قليلاً من الكتب التي تتناولها.
مصادرة عشرات الكتب في المعرض
من جهة أخرى، أكد أصحاب دور النشر، ومؤلفون بحرينيون، استمرار ما أسموه «مشكلة مصادرة الكتب، في معرض البحرين الدولي للكتاب»، وبينوا أن «المشكلة التي توسعت في الفترة الأخيرة، طالت عشرات العناوين، من بينها عناوين أدبية».
وعبروا في الوقت ذاته عن استغرابهم من استمرار مبدأ المصادرة، وأضافوا «لسنا ضد ذلك، فالمصادرة حق للجانب الرقابي الرسمي، شريطة استخدامه في محله من حيث إعلان أسباب ذلك، إلى جانب الحرص على عامل التوقيت الذي يجنبنا الدخول في حالة إرباك».
وتابعوا «نحن نتفق مع المسئولين عن الرقابة، في ضرورة مصادرة الكتب التي تتجاوز القانون أو ما يعرف بالخطوط الحمراء، انطلاقاً من وجوب عدم السماح لسمومها بالانتشار بين القراء والمجتمع»، واستدركوا «لكن العملية بحاجة لمعايير محددة، توضح من خلالها أسباب المصادرة، وبما يضمن مغادرة حالة العشوائية والوقوع في الالتباس التي تؤدي لمصادرة كتب أدبية في بعض الأحيان».
كما قالوا «رغم التعاون الذي نجده من قبل إدارة المطبوعات بهيئة شئون الإعلام في مسائل الاستفسار عن الكتب، إلا أن حالة التداخل لاتزال تعوق حركة التأليف والنشر لايزال مستمراً»، ونبهوا لاستمرار المشكلة بين فترات متقطعة لتظهر على السطح خلال المواسم الثقافية أو المعارض.
«عيسى الثقافي»: قريباً... مشروع «الأرشيف الوطني»
على صعيد آخر، كشف أخصائي وثائق أول بمركز عيسى الثقافي هادي الشمري، لـ «الوسط»، عن سعي المركز للإعلان في الفترة المقبلة عن مشروع «الأرشيف الوطني»، مبيناً أن المشروع عبارة عن وثائق رسمية مهمة، ستكون متاحة للباحثين والمؤلفين والمهتمين.
وخلال تواجده في جناح المركز، المشارك في معرض البحرين الدولي للكتاب، تحدث الشمري عن الجناح فقال: «الكتب المتوافرة هنا لن يجدها الزائر في المكتبات»، مبيناً في الوقت نفسه أنشطة المركز ذات الصلة بالمشاريع الثقافية.
وقال: «يصدر المركز «مجلة الوثيقة»، مرتين في العام (نصف سنوية)، واهتماماتها تتركز حول التاريخ»، منوهاً إلى أن المجلة التي صدر منها حتى اليوم، 65 عدداً، تشتمل على بحوث تاريخية محكمة، وتعنى بتاريخ البحرين والخليج العربي، إلى جانب تدعيمها بالصور والوثائق.
العدد 4951 - الأحد 27 مارس 2016م الموافق 18 جمادى الآخرة 1437هـ