ما إن تلوح بالأفق تحديات اقتصادية بشكل أو بآخر، يهرع عدد من أصحاب الأعمال إلى تقليل نفقات مؤسساتهم عبر تسريح عدد قليل أو كثير من الموظفين تحت مسميات مختلفة، من بينها "تقشف" أو "إعادة هيكلة" أو "ضغط النشاط" وغيرها.
قد يبدو هذا التصرف مبرّراً للوهلة الأولى، لكنه لا يجب مطلقاً أن يكون الخيار الأول ولا حتى الرابع أو الخامس لصاحب العمل، مع التسليم بأن كثيرين من أصحاب الأعمال يدركون بل يتألمون لتسريح موظف أمضى زمناً في خدمة المؤسسة وربما لديه أسرة يعيلها.
في البحرين لجأت جهات عديدة إلى تسريح بعض أو معظم موظفيها للأسباب ذاتها، لكن إقدامها على هذه الخطوة بهذه السرعة والعدد غير مبرر إطلاقاً، ويعكس مخاوف ليست حقيقيةً أبداً، فالحكومة لا زالت ملتزمة بدفع الرواتب والإنفاق على مشاريع البنى التحتية، والتقديرات تشير إلى أن سعر برميل النفط سيعاود الارتفاع إلى أكثر من خمسين دولاراً مع بداية 2017.
إن انحدار وحتى تهاوي أرباح المؤسسة لا يعني أنها تخسر، ولا يجب أن يتوقع صاحبها أن معدلات ربحه ستبقى تزيد وتزيد إلى الأبد، وعليه أن "يفتح كيسه" في بعض الأحيان للإنفاق على مؤسسته وانتظار أوقات الرخاء. والاحتفاظ بالموظفين في الأوقات الصعبة يزيد بلا شك من ولائهم لمؤسستهم، مع الحفاظ على خبراتهم وأسرار العمل التي اكتسبوها. صحيحٌ أن لغة السوق هي الربح أو الخسارة، لكن الأخلاق لا يجب أن تغيب أبداً عن أداء المؤسسات.
إن العلم يقدّم لنا حلولاً لكل شيء، ولقد تطوّرت العلوم الإدارية كثيراً، لكن قليلين هم أصحاب الأعمال الذين يطوعون هذه العلوم لخدمة مؤسساتهم، ولاتزال مؤسسات كثيرة بعيدةً عن مفهوم إدارة المخاطر رغم وجود معايير ومقاييس رفيعة المستوى من منظمة المقاييس الدولية مثل الآيزو 14971 و31000 ووثائق توجيهية أخرى.
هذه المؤسسات إما تفتقر للموارد البشرية ذات الكفاءة العالية في هذا المجال ولا تستفيد من خدمات المؤسسات المعنية بالاستشارات في إدارة المخاطر، وإما لاعتقادها بعدم أهمية هذه المعايير مما يصعب قدرة المنظمات على العثور على نقاط الضعف فيما يخص إدارة المخاطر. ومن الأسباب الأخرى هو التقييم طويل المدة، فتقييم إدارة المخاطر يجب أن يكون بطريقة متجددة خصوصاً مع وجود المتغيرات السريعة في التكنولوجيا والصناعات، ما يجعل المعايير غير قابلة للاستخدام على المدى البعيد.
إن اختلاف الأدوات والأساليب المستخدمة في كل عمل يجعله مختلفاً في أسلوب تقييمه، ومن الشائع في المؤسسات وحتى على مستوى الحكومات استخدام المعايير المهنية باكتشاف الفشل في جميع الأعمال، وهو ما يجعلهم يبدأون دائماً بتخفيض الإنفاق في أول رياح المخاطر ويبدأون بتسريح الموظفين.
لماذا لا يفكر صاحب العمل بتوظيف المزيد من الموظفين لمواجهة التحديات الاقتصادية والبحث عن رواد أعمال وأصحاب مشاريع ومبتكرين وتبنّيهم؟ وتطوير أعماله بما يتواكب مع احتياجات السوق المتطورة؟ والاستفادة من الكساد وانخفاض الأسعار في توظيف كفاءات برواتب أقل وإطلاق مشاريع جديدة تستهدف الأسواق العالمية؟ أليست السباحة عكس التيار جرأةً تفضي إلى التميز والربح بدل الاستمرار بالطرق التقليدية في العمل ومد السوق بخدمات ومنتجات تقليدية هو مشبع بها أساساً؟
خليل القاهري، استشاري جودة وتميز
اصبت عين الحقيقة
موضوع ممتاز، سلمت يدك و افكارك اخ خليل، و لكن
قد أسمعت لو ناديت حيا, ولكن لا حياة لمن تنادي