في إطار الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية العربية التي ستستضيفها مملكة البحرين مطلع الشهر القادم برعاية رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، يعقد صندوق النقد العربي يوم (6 أبريل/ نيسان 2016) الاجتماع السنوي التاسع والثلاثين لمجلس محافظي الصندوق برئاسة وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة، وبمشاركة أعضاء المجلس.
وسوف يقدم المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي تقريراً للمجلس عن أنشطة الصندوق خلال عام 2015، وذلك ضمن جدول أعمال المجلس الذي يحفل بالعديد من الموضوعات والمشروعات التي أعدها الصندوق للعرض على المجلس، والرامية لتعزيز دور الصندوق في دعم الدول العربية الأعضاء وتعزيز القدرات وصولاً إلى تحقيق النمو الاقتصادي الشامل والمستدام.
وقد أكد عبد الرحمن الحميدي أهمية الموضوعات التي سيناقشها المجلس هذا العام، حيث يمثل اجتماع المجلس دائماً فرصة سانحة لتبادل الآراء والخبرات بشأن القضايا الاقتصادية المعاصرة، التي تهم كافة الدول الأعضاء بالمنطقة العربية، لما يمثله كملتقى لصانعي السياسات في الدول العربية، بما يسهم بالضرورة في دعم جهود التنمية الاقتصادية في عالمنا العربي، وذلك على خلفية التطورات والتحديات الاقتصادية التي تشهدها الدول العربية في هذه المرحلة، والمتمثلة في تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي، نتيجة التراجع في الأسعار العالمية للنفط والمواد الأولية، بالتضافر مع التطورات الداخلية في عدد من الدول العربية، اضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة. كما أشار إلى أن هذا الاجتماع يمثل على الدوام فرصة للتنسيق بين السلطات النقدية في الدول العربية، ويأتي في توقيت مهم وحساس في طريق العمل العربي المشترك من أجل تنسيق وتوحيد المواقف لدفع النمو الاقتصادي.
كما أكد أن مملكة البحرين تأتي في طليعة الدول التي ساهمت في تأسيس الصندوق، حيث تمتد علاقات التعاون المثمر والبناء بين صندوق النقد العربي والمملكة منذ إنشائه حتى اليوم لتمثل نموذجاً يحتذى به في التواصل الفعال بين الصندوق ومؤسسيه، ولم تدخر المملكة وسعاً في دعم أنشطة الصندوق والمشاركة في فعالياته ومبادراته مما يكسبها بعداً أعمق من خلال الاستفادة من خبرات المملكة في المجالات المالية والمصرفية وإتاحة الفرصة، من خلال الصندوق، للدول العربية الأخرى للاستفادة من تجارب مملكة البحرين الرائدة في المجالات المصرفية والمالية، خاصة مجالات التمويل الإسلامي.
وأشار إلى أن الصندوق يحرص من جانبه على استفادة مملكة البحرين من برامج المعونة الفنية المباشرة التي تدعم جهود الإصلاح في الدول العربية، والمبادرات التي يتبناها الصندوق لتطوير البنية التحتية للقطاع المالي والمصرفي، مثل مبادرة تطوير نظم مركزيات المخاطر، والمبادرة العربية لتطوير نظم الدفع والتسوية، ومبادرة تطوير نظم التمويل العقاري، ومبادرة "عربستات" التي تهدف لتعزيز وتنمية القدرات الإحصائية بالدول العربية. كذلك يعمل الصندوق على تعزيز استفادة الكوادر الفنية البحرينية الرسمية العاملة في الأجهزة المالية والنقدية والإحصائية من فرص التدريب التي يوفرها الصندوق من خلال معهد السياسات الاقتصادية التابع له.
وحول رؤية الصندوق بشأن مسيرة التنمية في الوطن العربي وآفاق دعم هذه المسيرة خلال الفترة المقبلة، أشار الحميدى إلى أن المنطقة العربية لديها من المقومات والدعائم ما يكفل تحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية شاملة، وفي مقدمتها ما تزخر به المنطقة من قدرات بشرية واعدة، وموارد طبيعية وفوائض مالية، ونوه بتوجه غالبية الدول العربية منذ فترة طويلة نحو الإصلاحات والتكيف مع النظم الاقتصادية العالمية، حيث أيقنت هذه الدول أنه لا سبيل لتحقيق النمو المستقر والمستدام سوى وضع هدف الإصلاحات الهيكلية في مقدمة أولوياتها. وفي ضوء النتائج الأولية لهذا التوجه تبين للدول العربية أنها قد سلكت الطريق الاقتصادي المناسب لها، وبدأت بالتوسع في عملية الإصلاح، وهو ما جعلها قادرة على مواجهة تداعيات الأزمات المالية العالمية المتلاحقة.
وأضاف أنه على الرغم من الجهود التي بذلتها الدول العربية خلال العقود الثلاث الماضية في مسار التنمية والإصلاحات الهيكلية، إلا أنه لا تزال هناك حاجة لبذل جهد أكبر لتحقيق مزيد من الإنجازات التي تلبي طموحات المواطن العربي، ومواجهة التحديات التي تواجه بعض الدول العربية، ومن أهمها ارتفاع معدلات البطالة، والذي يعتبر من أكبر التحديات التي تواجه الدول العربية.
ويرى الصندوق أن هذه التحديات لن توقف مسيرة التنمية الاقتصادية الشاملة التي بدأتها الدول العربية، وإنما ستمثل وقوداً لقاطرة العمل على تنسيق الجهود والمواقف العربية الرامية لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي، وزيادة حجم التجارة البينية، وتقوية قدرة الدول العربية على الحضور في الأسواق العالمية وتحديد دورها في النظام المالي والاقتصادي العالمي. كما يجب علينا تعزيز الاستفادة من مواطن قوة اقتصاداتنا الوطنية وإصلاح مواطن الضعف منها ودعم المؤسسات التي تدفع عجلة التكامل الاقتصادي العربي وتطبيق المعايير التي تقوي القدرة التنافسية للاقتصادات العربية والمشاركة في شبكات الإنتاج الدولية حتى تتمكن الدول العربية من التحول إلى اقتصادات ذات هيكلية جديدة تعتمد بصورة كبيرة على تكنولوجيا المعلومات.
ولم يدخر صندوق النقد العربي جهداً في تقديم الدعم، بل والمبادرة في كثير من الأحيان بعرض مساهمته على الدول الأعضاء للاستفادة من خبرات الخبراء بالصندوق لإعداد برامج الإصلاح المناسبة، ونقل خبرات الدول التي قطعت شوطا ً في مجال الإصلاح إلى الدول العربية التي حالت ظروفها من اللحاق بركب الإصلاح الذي بدأته دول أخرى.
وقد ركز الصندوق خلال مراحل عمله المختلفة على تطوير وتوسيع نشاطه الإقراضي بصورة مستمرة من أجل مقابلة احتياجات دوله الأعضاء في صورها المتغيرة والمتنامية، حيث قدم الصندوق لدوله الأعضاء 174 قرضاً منذ بداية نشاطه الإقراضي، بقيمة إجمالية بلغت نحو 8.2 مليار دولار أمريكي استفادت منها 14 دولة من الدول الأعضاء. كذلك توسع الصندوق بصورة ملحوظة في تقديم المعونة الفنية للدول الأعضاء من أجل المساعدة في وضع وتصميم برامج التصحيح الاقتصادي. ويخطط الصندوق في السنوات القادمة لتكثيف جهوده في توفير برامج للمعونة الفنية لتطوير السياسات وآليات العمل وتنمية الكوادر الوطنية للدول الأعضاء، وإثراء المبادرات التي يتبناها على المستوى الإقليمي لتطوير أنظمة الدفع، وأسواق رأس المال وقواعد البيانات الاقتصادية والإحصاءات القومية وغيرها من النشاطات ذات العلاقة بعمل الصندوق.
كما استطاع الصندوق تطوير عمل برنامج تمويل التجارة العربية منذ تأسيسه في عام 1989 للمساهمة في تنمية التجارة العربية وتعزيز القدرة التنافسية للمصدر العربي، فخلال سنوات عمل البرنامج التي امتدت لنحو 27 عاماً، استطاع البرنامج توسيع نطاق نشاطه ليصل عدد الوكالات الوطنية إلى 210 وكالة في نهاية عام 2015، منتشرة في 19 دولة عربية وخمس دول أجنبية. وبلغت قيمة الطلبات التي وردت إلى البرنامج منذ إنشاؤه 12.58 مليار دولار أمريكي لتمويل صفقات تجارية قيمتها حوالي 16.87 مليار دولار أمريكي، ووافق البرنامج على تمويل 12.15 مليار دولار أمريكي، كما بلغت قيمة السحوبات خلال تلك الفترة 11.64 مليار دولار أمريكي. تركز نشاط البرنامج في تمويل القطاعات التي تتماشى مع تحقيق أهداف التنمية مثل الأمن الغذائي ودعم جهود المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
كما يؤمن الصندوق بأن التعاون بين هيئات ومؤسسات العمل العربي المشترك من شأنه أن يؤدي، بحكم أن كلاً منها يمثل جزءاً من منظومة العمل العربي المشترك ويكمل بعضه البعض، إلى خلق البيئة الملائمة للتنسيق والتكامل الاقتصادي بين الدول العربية.
الجدير بالذكر أن صندوق النقد العربي تم إنشاؤه في أبريل 1976، ويضم في عضويته حالياً جميع الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية. ويتخذ الصندوق مدينة أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة مقراً دائماً له، ويعد إنشاء الصندوق ثمرة للجهود التي بذلتها الدول العربية في مجال التعاون النقدي والمالي منذ منتصف عقد الأربعينات، لتنفرد بذلك المنطقة العربية بين كافة التكتلات والتجمعات الإقليمية والاقتصادية في العالم بوجود صندوق نقد خاص بها، وقد أوضحت اتفاقية إنشاء الصندوق رسالته ورؤيته التي تتلخص في إرساء المقومات النقدية للتكامل الاقتصادي بين الدول العربية ودفع عجلة التنمية الاقتصادية فيها.
ويولي الصندوق اهتماماً كبيراً لتحقيق التعاون وتبادل الخبرات في مجال السياسات النقدية بين الدول العربية وتنسيق مواقفها في المحافل والاجتماعات الدولية، وكذلك تعزيز التنسيق بين المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، في مختلف المجالات ذات الصلة بعمل هذه المصارف، بما يساعد على تبادل التجارب والخبرات فيما بينها، وتنسيق المواقف تجاه المؤسسات الإقليمية والدولية ذات العلاقة بالعمل المصرفي.
هذا وقد تم وضع إطار عام لاستراتيجية الصندوق للفترة 2015- 2020، يأخذ بالاعتبار التوجهات والاحتياجات المستقبلية للدول الأعضاء، ويركز على الاستفادة من المزايا النسبية التي يتمتع بها الصندوق، واستغلال الفرص المتاحة لتطوير وتعزيز دوره في خدمة دوله الأعضاء. ويأتي في مقدمة هذه الفرص، إمكانية الاستجابة بكفاءة أفضل للاحتياجات المتزايدة للدول الأعضاء في توفير الدعم المالي، والاستفادة بصورة أكبر من تميزه في مجال توفير الخبرة النوعية لمتطلبات المشورة الفنية في مجالات الإصلاح الاقتصادي، إلى جانب إمكانية مضاعفة الجهود لتلبية الاحتياجات المتنامية والمتشعبة للتدريب وبناء القدرات في مختلف المجالات الاقتصادية والمالية.