كَتَبَ الصحافي آنتوني لوينستين مقالاً مثيراً في الـ «نيويورك تايمز». المقال يتحدث عن صورة «قد» لا يعرف عنها الكثيرون من صور اللجوء السياسي للغرب وقضايا الهجرة إلى هناك. فهو يرصد سجوناً ظاهرها مراكز إيواء، لكنها في الحقيقة، أشبه بالسجون التي تديرها في كثير من الأحيان جهات غير مؤهلة لا حقوقياً ولا اجتماعياً ولا إنسانياً. وقد سمَّى بعضها ومواقع تواجدها في الغرب.
يضرب آنتوني مثالاً على ذلك بمركزٍ في تكساس وسط جنوب الولايات المتحدة مُخصَّص لإسكان العائلات المهاجرة. هذا المركز لا تديره الحكومة الفيدرالية ولا سُلطة الولاية، بل شركة خاصة معنيّة بإدارة السجون، لذلك، فمعايير السلامة والحقوق الآدميّة تكاد تكون «مُقلِقة» فيه، حيث إن الشركة المذكورة تهدف للربح قبل كل شيء، وفقاً للعقود التي تُبرمها مع الجهات الرسمية.
لقد بدا أن الشركات الخاصة قد وجدت فرصة جديدة ورخيصة في الاستثمار، مستفيدة من النظام الاقتصادي الغربي، الذي عادة ما يُحيل العديد من الأنشطة الرسمية للدولة ومنها عملية تشغيل السجون وأماكن اللجوء للقطاع الخاص، وفي الوقت نفسه التدفق المليوني للمهاجرين واللاجئين باتجاه أوروبا خلال العامين الماضيين. البعض يقدّر الأموال التي تم جَنيُها بمليارات الدولارات.
شركة نرويجية تُدعى «هيرو نور واي» في عهدتها تسعين مركزاً، مُوزّعة ما بين النرويج والسويد. هذه الشركة تتقاضى 31 دولاراً إلى 75 دولاراً للاجئ الفرد كرسوم مَبِيْت ليلة واحدة. في السويد اليوم هناك 190 ألف لاجئ. ما يعني أن هذه الشركة تأخذ ما بين 5 ملايين و90 ألف دولار و14 مليوناً وربع المليون دولار في الليلة الواحدة إذا ما كانت تأوي كل اللاجئين الـ 190 ألفاً. وتأخذ من النرويج ما بين 3 ملايين و100 ألف دولار و7 ملايين ونصف المليون دولار لليلة الواحدة عن إسكان 100 ألف لاجئ!
هذا الحال تكرّر في بريطانيا كذلك. فقد تسلمت شركة سيركو الأمنية مبلغ 100 مليون دولار مقابل إدارتها لمركز يارلزوود الذي يُحتَجَز فيه اللاجئون، وكذلك أماكن احتجاز أخرى في العالم الغربي، بعضها اتُهِمَ بأنه يُغالي في أخذ عائد الإدارة الإصلاحية لسجون الهجرة، مستغلاً حاجة تلك الحكومات لغلق هذا الملف السياسي والأمني والاجتماعي الحساس على مجتمعاتها.
المشكلة ليست في عملية دفع الأموال، بل في ثقافة إدارة تلك السجون. فقد سُجِّلت العديد من الانتهاكات في تلك المراكز وكأنها صارت جزءاً من صورة قاتمة لأوضاع حقوق الإنسان. فالرعاية الصحية شحيحة، والرعاية النفسية (الموازية لصدمة الهجرة وفقدان الأقرباء والأموال والممتلكات) تكاد تكون مَنسِيّة، فضلاً عن الظروف العامة للسجن. فهذه الشركات تراعي الربح قبل أي شيء آخر. فهي تقوم بعملية الإنفاق بشكل هندسي صارم وليس من منطلق إنساني.
قبل خمسة أعوام كتبت ميشيل الكسندر كتاباً ثميناً أسمته: «الحبس الجماعي في عصر عمى الألوان» ذكرت فيه أن بعض شركات السجون تتعمَّد التعهّد بسجناء أكثر لأنها تتطلع إلى الربحية من وراء ذلك. وهي تقول إن شركتين أميركيتين تعملان في هذا المجال حققتا أرباحاً سنة 2010 وصلت إلى ملياريْن و900 مليون دولار، وفي الوقت نفسه لم يكن أداؤها في الرعاية جيداً وهو لا يوازي الأموال التي تتحصّلها! لذلك فهي لا تكترث عندما يرتفع عدد السجناء إلى 120 في المئة خلال عقدين!
الغريب، أن بعض تلك الشركات لم تعد خطاباتها سريّة فيما خصّ حرصها على الربح والثراء من وراء ذلك الأمر. فقد أبدت إحدى الشركات الأميركية خشيتها من أن أرباحها قد تتراجع حين يتم تعديل قوانين الهجرة، وترى نفسها مُلزَمة بعدد من القرارات التي لا تجعل أمامها فسحة أوسع لجَنْيِ أرباح أكبر. لذلك، نراها كيف تقوم بتوزيع ميزانيتها على ما هو موجود مهما كلّف الأمر.
أعود لشيء ذكره أنتوني في مقاله، وهو أن طبيباً كان يعمل في مكان احتجاز لصالح شركة برودسبيكترام المعنية بإدارة مراكز احتجاز، قال في تصريح له في «الغارديان» البريطانية إن الأوضاع هناك (أي في مركز الاحتجاز) تُذكّر «المرء بمعتقل غوانتانامو». وقبل فترة أصدرت الأمم المتحدة تقريراً وصفت فيه أوضاع اللاجئين في مركز ترايسكيرشن للاحتجاز في النمسا والمضطلعة عليه شركة أو آر إس السويسرية على أنه لا إنساني بسبب تكدّس اللاجئين فيه.
هناك جانب آخر يبدو خطيراً على اللاجئين وهو عدم وجود ضوابط في «بعض» مراكز الاحتجاز. لا أريد أن أعمِّم لكنني قرأت تجربة لاجئ سوري على وكالة دي دبليو الألمانية. هذا اللاجئ الذي قرّر العودة إلى سورية على أن يبقى في مركز الاحتجاز بألمانيا، أن المركز الذي سكن فيه كان يُستخدَم بداخله الكوكايين والماريجوانا من أشخاص يجاورونه! هذا أمر خطير يَشِي بضعف المراقبة في تلك الأماكن، والتي قد يجعلها مسرحاً لجرائم لا تُحصى تفسد سلوك اللاجئ بل ومحيطه أيضاً.
نعم، نحن لا نريد أن نُعمِّم تلك التجارب في السجون على كل سجون أوروبا وأميركا كلها، فسجون تلك الدول في «الغالب» هي في أحسن حال وبالتحديد في الدول الاسكندنافية وهولندا، لكن لا يعني ذلك أن ما ذكرناه هو أمر عادي، بل هي تجارب سيئة يجب تحمّل المسئولية تجاهها.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4949 - الجمعة 25 مارس 2016م الموافق 16 جمادى الآخرة 1437هـ
كان الاجدر لك ايها الكاتب العزيز الاسقاط على حال معاناة سجنائنا بطريقة او بأخري فبحسب روايات أهالي المعتقلين فأنهم يعانون من المتربحين منهم .
الكاتب كفى ووفى
يجب عليك القراءة مابين السطور فهو يحكي الواقع
شركتين أميركيتين تعملان في هذا المجال حققتا أرباحاً سنة 2010 وصلت إلى ملياريْن و900 مليون دولار!!!!!!!
أعجبتني كلمة لا أريد أن أعمم واللبيب بالإ شارة يفهمو عندنا وعندهم خير